العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ

واقع المسلم المعاصر... هل يقوى على إعادة التواصل؟

العلاقة مع الآخر غير المسلم والتعايش معه

يحلو لبعض المهتمين بالشأن الإسلامي أن يصف الحال التي يعيش فيها المسلمون اليوم بأنها من أسوأ الأحوال التي مرت بها الأمة الإسلامية. فإلى جانب الكيل بمكيالين ضد العالم الإسلامي واتهام الإسلام المحمدي الأصيل بأنه يشجع على العنف وأن المسلمين لا يمكن لهم التعايش مع غيرهم من الأقوام الأخرى أو تحقيق حضور لهم بين دول العالم كافة. تبرز وجهات نظر أخرى تجد أن حال المسلمين اليوم يكشف عن ضعف وعدم مقدرة على التواصل وتحقيق الانسجام عند الانسان المسلم ليكون ضمن منظومة انسانية واحدة قادرة على العطاء والابداع. في حين أن الله سبحانه وتعالى يقول: "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" "الأنبياء: 92". فهل صحيح أن المسلمين اليوم يعيشون عزلة فرضوها على أنفسهم وأنهم لم يستطيعوا من قبل التواصل مع الأطياف الأخرى غير المسلمة، وأنهم حتى يوم الناس هذا لا يستطيعون تحقيق هذا التواصل؟ وهل كانت حوادث 11 سبتمبر/ أيلول بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم يعد هناك مجال لهذا التواصل أم أن المسلمون وعلى امتداد تاريخهم كانوا ولايزالون قادرين على ذلك؟! نجد الاجابة على تلك الأسئلة خلال الاستطلاع الآتي...

جريرة البعض

رب الأسرة الموظف في إحدى الشركات الخاصة أحمد هلال وجد أن هذا التواصل كان موجودا من قبل، ولكنه انقطع نتيجة حوادث 11 سبتمبر، وإن كان يلقي باللوم على من يأخذ الجميع بجريرة البعض فيتهم المسلمين جميعا بالعنف وعدم القدرة على الانسجام ويغفل عما تقوم به "إسرائيل" مثلا من مجازر. ويوضح هلال "اننا أمة قادرة على التواصل وعلى الأخذ بأسباب العلم والمعرفة وعلى الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى، وتاريخنا شاهد على ذلك وإلا فمن هو قادر على إنكار ما أعطته الحضارة العربية والإسلامية في تاريخها المجيد؟ لقد كان المسلمون أصحاب حضارة عظيمة في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تعيش عصور الظلام، وذلك أكبر دليل على روح التعاون والتوافق، فقد عاش غير المسلمين مع المسلمين في مكان واحد واستفادوا من تجارب بعضهم. ولاشك أن حوادث 11 سبتمبر أثرت كثيرا على المسلمين عموما، وخلقت صورة مشوهة عنهم، ولكن هذا لا يعني أن يظل المسلمون غير قادرين على فعل شيء وعلى محاولة تحسين صورتهم. وان كنت أجد أن المسألة صعبة ويجب أن يتعاون الجميع فيها، اذ لا يلزم أن يتحرك الأفراد فقط، وإنما تتحرك العلاقات الخارجية بين الدول أيضا من أجل اثبات رفضها وإدانتها لتلك الأعمال. فليس من المعقول أن فئة معينة يحكم عليها وعلى جميع المسلمين جميعا، فإن في ذلك اجحاف في حق الإسلام. ذلك أن المسلمين يحبون السلام منذ أن رسخ الرسول "ص" ذلك فيهم حتى اليوم. فنحن أصحاب مبادئ وقيم وحتى لو اختلفنا فلا يعني ذلك أن نلغي الطرف الآخر. فأن يحكم علينا من خلال فئة ضالة فذلك خطأ جسيم، وإلا فمن حقنا الحكم على الغرب من خلال ما تقوم به دولة تسمى "إسرائيل" حين تعمد إلى قتل الأبرياء في فلسطين ليل نهار. فهل نحكم على الغرب كله من خلال الاسرائيليين؟!".

مسألة محسومة

وترى رئيسة جمعية المستقبل النسائية شعلة شكيب أن مسألة التواصل والانسجام مسألة محسومة لا تحتاج إلى إعادة نظر وتدلل على ذلك من خلال كون الإسلام دين شامل لم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة المسلمين إلا وأولاها عنايته، ومن المؤكد أنه أعطى العلاقة مع الآخر غير المسلم والتعايش معه أهمية قصوى. وتضيف شكيب "ان الدين الإسلامي دين قائم على الشمولية، فهو يشمل كل جوانب الحياة وهو قادر على استيعاب من يؤمنون به ومن لا يؤمنون به. ولكن الصورة التي انطبعت في أذهان الناس نتيجة بعض السلوكات الخاطئة جعلت صورة الإسلام غير صحيحة ومشوهة. إن ما نحتاجه هو أن نتواصل مع الآخرين وتعريفهم بالوجه الحقيقي والأسمى والتكاملي الذي تربى عليه المسلمون. ولاشك أنه كانت ولاتزال هناك جهود في هذا المضمار، وهي جهود أثمرت الكثير. فبعد حوادث 11 سبتمبر، وبشهادة الكثير من المهتمين بالشأن الإسلامي فإن هناك حركة جديدة قائمة بدأ على اثرها غير المسلمين يبحثون عن ماهية الدين الاسمى وأصبح المسلمون يتجولون في أماكن عامة كثيرة في بلاد غير المسلمين حتى أنهم أصبحوا قادرين على الدخول إلى الكنائس. إذا نستطيع أن نقول إن هناك فائدة لتلك الجهود والفائدة ستكون أكبر، ولكن الأمر يلزم جهدا وصبرا كبيرين".

الكثير من النماذج

في حين يعطي النائب الشيخ عبدالله العالي نماذج لتواصل المسلمين مع غيرهم من غير المسلمين ملمحا إلى أن هذا التواصل كان نتيجة طبيعية للروح الإسلامية العظيمة التي حاولت أن تستفيد من تجارب الآخرين غير المسلمين، مؤكدا أن حوادث 11 سبتمبر يمكن التغلب على نتائجها السلبية. ويوضح العالي أنه "في اعتقادي أن الإسلام، كما كان قادرا من قبل على التعاطي مع الثقافات الأخرى فهو قادر على هذا التواصل في يوم الناس هذا. فمن المعروف مثلا، أن الخليفة العباسي المأمون كان أول من شجع على نقل الفكر الغربي وترجمته إلى اللغة العربية حين انتشر هذا الفكر عند المسلمين فخلق حالا من الجدل طرأت وفقه أو من خلاله بعض المعتقدات، ما يؤكد أن الفكر الإسلامي يتعاطى مع الفكر والثقافة الغربية وأن واقع المجتمع الإسلامي في تلك الفترة أحسن في كثير من الأحيان الاستفادة منها. هذا من جانب، أما من جانب آخر فقد كانت لدى العالم الإسلامي دلائل تؤكد أن هناك الكثير من المشتركات بين العالم الغربي والعالم الإسلامي حين استفاد العالم الغربي من العلوم الأخرى التي أبدعها المسلمون فقاموا بترجمتها. ففي تصوري أن هذا الموضوع لايزال يتكرر بقدر ما نحن منفتحين. فطالما أن الغرب يستفيد من تلك الحضارات الأخرى وطالما أن كل العلوم يمكن الاستفادة منها فلماذا لا يتم الأخذ بأحسن ما فيها؟ أما تلك الثقافات التي قد توجب بعض الانحلال في التعاطي مع بعض الأطروحات والقضايا التي تولد الكثير من السلبيات وتكون سببا للكثير من المضايقات فيجب أن نحسن كيفية مواجهتها. ولاشك أن هناك إشكالا قد أحدثته حوادث 11 سبتمبر وحتى يومنا هذا، ولكننا نستطيع من خلال ما نمتلكه من فكر أن نتجاوزه، ومن ذلك سعي المهتمين بالشأن الإسلامي إلى التغيير من خلال القنوات الفضائية ووسائل الإعلام التي تعطي صورة مغايرة لما تبثه بعض وسائل الإعلام الغربي. فلاشك أن تلك الحوادث تركت آثارا سلبية ومن الواجب علينا أن نغير من النظرة الدونية إلى المسلمين من خلال إعادة ترتيب أوراقنا من أجل اعطاء صورة مغايرة للمسلمين وصورة مغايرة عن الفكر الإسلامي وقدرته على التفكير الجدي والتعاطي مع الفكر الآخر"

العدد 1106 - الخميس 15 سبتمبر 2005م الموافق 11 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً