العدد 1118 - الثلثاء 27 سبتمبر 2005م الموافق 23 شعبان 1426هـ

لماذا هي وحدها المدللة...!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

لاشك أن الحيرة تصيبك مثلي، حين تطالع خريطة السياسة الاقليمية والدولية وتقلباتها خلال الفترة الأخيرة. .. ثمة تناقضات في المواقف وتراجعات في التعهدات، وازدواجية حادة في المعايير، وتضاغط بين القوى المختلفة والدول المتباينة... وفيها يتفوق الأقوى وليس الأحق، ذلك أن القوة الغاشمة تعلو في هذا العصر فوق الحق الوضاح... وانظر ماذا جرى. حدثان بارزان وقعا خلال الأيام القليلة الماضية أثناء القمة العالمية، ثم اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكل منهما مدلوله ومغزاه، وعلاقته بنا وبأوضاعنا المتردية... الحدث الأول هو ذلك التلاسن بل التشاتم الخشن الذي جرى من فوق منبر الأمم المتحدة، بين الوفدين الإيراني والاسرائيلي، إذ اتهم كل منهما الآخر بالارهاب والتطرف والعدوان، لكن اللافت للانتباه أن وزير خارجية "إسرائيل"، اتهم إيران بما رآه اتهاما فظا وخروجا على القانون الدولي وتهديدا للأمن الدولي، اتهمها بالعمل على حيازة السلاح النووي! والعجيب أن "إسرائيل" التي توجه الاتهام، هي وحدها في منطقة الشرق الأوسط التي تمتلك السلاح النووي بغزارة، لكنها تعتبر أن هذا حق قاصر عليها حرام على الآخرين، بمن فيهم إيران، فما بالك لو تعلق الأمر بدولة عربية مجاورة لها أو قريبة منها! وفي الوقت الذي ردت فيه إيران على وزير خارجية "إسرائيل"، صمت مندوبو باقي دول العالم الحاضرون في قاعة الأمم المتحدة، عن مجرد مساءلة "إسرائيل" عن مخزونها النووي الرهيب... كم وكيف ولماذا أسئلة محرمة! والحدث الثاني إذ استغلت "إسرائيل" وأميركا هذه المناسبة المهمة، التي جمعت رؤساء وزراء كبارا في باحة الأمم المتحدة، للضغط والابتزاز، لكي يقيموا علاقات مع "إسرائيل" ويفتحوا كل أبواب ونوافذ التطبيع المغلقة أو المواربة، ويعلنوا أمام الجميع حقيقة ما يقولونه وراء الأبواب المغلقة. وقد أثمر الضغط والابتزاز سريعا... فبينما صمت العرب صمت الحملان، سارع وزير خارجية "إسرائيل" سلفان شالوم بإعلان انه التقى عشرة من وزراء الخارجية العرب والمسلمين، من بينهم وزراء تونس وقطر واندونيسيا وباكستان، والوزراء العشرة يمثلون بلادهم الأعضاء في الجامعة ومنظمة المؤتمر الاسلامي، اللتين تدعيان مقاطعة "إسرائيل" حتى ترتدع! أما ما لم يتم الاعلان عنه فهو كثير، إذ أبواب التطبيع قد انفتحت بعد أن كانت مواربة وقف وراءها مسئولوها محرجين أو مترددين، ربما خوفا من رد الفعل العربي الاسلامي، الذي يشهد كل ساعة المجازر الإسرائيلية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني. الآن يبدو أنه لم يعد للحرج أو التردد أي مكان! ويتساءل الناس، لماذا كل هذه السطوة لـ "إسرائيل" والخنوع والانصياع لغيرها! حين ننتقل نقلة أخرى، يتابع التساؤل الحائر استفهاماته المتتالية، لماذا "إسرائيل" وحدها محمية نووية، لا يسائلها أحد، ولا يطلب منها أحد أو يضغط عليها، لكي تعلن عن مخزونها النووي، وتخضعه للتفتيش الدولي، وتنضم للمعاهدات الدولية... لماذا هي وحدها المستثناة! بينما تتكتل كل القوى وتتدافع كل الجهود الدولية على سبيل المثال، لمحاصرة إيران وكوريا الشمالية، وابتزازهما إلى حد الاعتصار، لإيقاف برامجهما النووية الآن وفورا، وإلا الضرب والكرب العظيم. الضغط على كوريا الشمالية يكاد يثمر، والضغط على إيران يتصاعد بحدة، وصولا لقرار احالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن، الأمر الذي يعني احتمال استصدار قرار دولي بمعاقبتها، بدعوى تعريض الأمن والسلم الدوليين للخطر، بما في ذلك طبعا العقاب العسكري، الذي يفتح الباب، باب الشرعية الدولية، لتغطية هجوم عسكري أميركي، أو غربي مشترك، أو إسرائيلي منفرد! وفي كل الأحوال تبقى "إسرائيل" وحدها محمية نووية، تمد الولايات المتحدة الأميركية وتوابعها، مظلة الحماية والتأمين والضمان عليها... في حين تبتز دول عربية مثل مصر وسورية والسعودية، بين الحين والآخر، بتهمة محاولة امتلاك أسلحة دمار شامل، لا ترقى طبعا إلى القدرات النووية الاسرائيلية الهائلة، التي صارت معروفة على المستوى الدولي، أنها تضم أكثر من مئتي رأس نووية جاهزة للانطلاق... والتدمير الشامل! أما حين نعود إلى حكاية غزة، ومسرحية الانسحاب الاسرائيلي الشكلي منها، وهو في الحقيقة إعادة انتشار عسكري صريح، فالأسئلة تزداد عجبا ودهشة! وتأمل الحملة الدعائية الأميركية الاسرائيلية الواسعة النطاق، التي تروج للانسحاب من غزة، وتبيعه في سوق الوهم للواهمين المخدوعين المخادعين وحدهم، وتطالب بالمقابل بدفع الثمن فورا، نقدا وعدا، مكافأة على "الخطوة الجريئة غير المسبوقة التي خطاها "السفاح" شارون، والتضحية الهائلة غير المعتادة التي قدمتها "إسرائيل" بالتخلي عن غزة للفلسطينيين" وفق تعابير كاذبة تروجها آلة الدعاية الصهيونية، ويرددها من خلفها المتأمركون العرب، ويراد أن يصدقها الجميع من دون تعقيب أو مناقشة! وفي حين تصعد "إسرائيل" عدوانها المسلح على الشعب الفلسطيني خصوصا في غزة، على غرار ما جرى قبل أيام، وتحكم حصارها البري والبحري والجوي عليها، وتعلن على لسان كبار قادتها التهديد الصريح بإعادة احتلالها، إن لم تمض الأمور على هواها، يسارع عرب ومسلمون كثيرون بممارسة رياضة الهرولة، ليس تطلعا إلى الصحة والعافية واللياقة البدنية، ولكن طلبا للرضا السامي الأميركي، واسترضاء للسيد الإسرائيلي لعله يرضى، بعد أن روج المروجون، أن دخول بيت الطاعة الاميركي والتنعم بفضله ورضاه، لا يمر إلا عبر الهرولة نحو "إسرائيل" والتطبيع الفوري، العلني بعد السري معها! ولا أدري لماذا الهرولة لدفع ثمن ما لم نحصل عليه حتى الآن... لقد قدمت الدول العربية في قمة بيروت السابقة، مبادرة السلام العربية، وأكدتها خلال القمم التالية وحتى الآن، رابطة بين استحقاقين متبادلين، تحقيق السلام وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، مقابل التطبيع واقامة علاقات عادية وطبيعية مع "إسرائيل". فإذا ما رفضت "إسرائيل" هذه المبادرة علنا ومازالت، وإذا ما راوغت السياسة الأميركية حولها، منتقلة من حال الترحيب بها من قبل، إلى واقع الالتفاف عليها وتجاهلها واسقاطها، فلماذا يتنازل عنها العرب الآن وببساطة ساذجة تصل إلى حدود التفريط والبيع من دون ثمن. يداهمك الرد عاجلا... لم يعد في مقدور الدول العربية الوقوف في وجه الضغوط الأميركية العاتية، التي تدفع العرب والمسلمين دفعا خشنا إلى شواطئ التطبيع العلني المباشر والتعاون الكامل مع "إسرائيل"، وإلا فإن العصا لمن عصى... والتهم جاهزة والابتزاز متصاعد لمن يملكون الحكم في العواصم العربية، تارة تهم الاستبداد والفساد واحتكار السلطة والثروة وافقار الشعوب واحباطها، وهذه بالمناسبة تهمة حقيقية ذائعة شائعة، وتارة ثانية تهم مساندة الارهاب وتفريخ جماعات المتطرفين والارهابيين، والتقاعس عن المشاركة النشطة في محاربة الارهاب، وتارة ثالثة معادة السامية وكراهية الحضارة الاميركية والغربية والتحريض على تدميرها... إلى آخر القائمة السوداء! والحقيقة المرة، هي اننا نسائل أنفسنا، ونحاسب حكامنا ونسأل أولي الأمر فينا قبل الآخرين، لماذا أوصلتمونا إلى هذه الدرجة، المتصاعدة التدني، خلال الفترات الاخيرة بحيث صارت المجازر في فلسطين خبرا يوميا عاديا لا يثير حتى الدهشة، وقد كان يثير البراكين من قبل، ولماذا أصبحت المحارق الرهيبة في العراق، مشهدا يوميا لا يثير حتى الأسى والشفقة والتعاطف، ولماذا أصبح التطبيع مع القتلة والمعتدين وفتح أبواب العواصم العربية والاسلامية، أمام المسئولين ورجال المخابرات والتجار والبضائع الاسرائيلية شيئا عاديا، لا يحرك المشاعر المعادية أو حتى الرافضة، تحت تأثير أجهزة غسل العقول وتزييف الوعي. أما الحقيقة الأكثر مرارة، فهي أننا طبعا لن نتلقى أي إجابة على مجمل هذه الأسئلة وغيرها، مما ورد ومما لم يرد، ذلك أن أولي الأمر فينا لم يعد يعنيهم هذا الأمر، بعد أن أصبح المحرم حلالا والمستغرب والمستفظع مألوفا، وقبول الأمر الواقع حتما، والرفض والمقاومة ارهابا، والاستسلام لما هو مفروض بالقوة تسليم بالقضاء والقدر، والتطبيع مع العدو المغتصب تجارة وشطارة، والصمت على المذابح العدوانية هنا وهناك تقية، أما الهرولة النشطة نحو من قتل واغتصب واحتل فهي صلاة وتعبد في الهيكل، ثم هي تبتل وتضرع وتوجه نحو كعبة واشنطن، التي مفاتيحها في يد "إسرائيل"! لكن... تبقى الحقيقة الأولى والأخيرة، وهي أن شعوبنا، إن خضعت فترات للقهر المزدوج داخليا وخارجيا، فهي حتما سترفض غدا وتقاوم القهر كما فعلت في الماضي... ذلك أنه حكم التاريخ، مهما فعلت كل آلات الدعاية وكتائب التزييف وطوابير المتأمركين ودعاة التطبيع، المؤمنين بأن تبقى أميركا وحدها فوق الجميع، وتبقى "إسرائيل" وحدها فوق أميركا.

خير الكلام

يقول المتنبي: فاطلب العز في لظى وذر الذل ولو كان في جنان الخلود

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1118 - الثلثاء 27 سبتمبر 2005م الموافق 23 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً