العدد 1128 - الجمعة 07 أكتوبر 2005م الموافق 04 رمضان 1426هـ

المبادرة العربية الممكنة للأزمة النووية الإيرانية

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يبدو أن الملف النووي الإيراني يدخل في أكثر أيامه حرجا ويكاد يتجه ليسبب أزمة دولية من الطراز الأول. فالأميركيون ومن ورائهم المحرضون الإسرائيليون يظهرون وكأنهم نفضوا أيديهم من إمكان حل ممكن عن طريق الحوار بعد أن حققوا هدفهم بإفشال الحل الأوروبي الوسيط! والأوروبيون لم يعودوا يقبلون بإحياء دور الوساطة ما لم تتراجع إيران عن خطوة اصفهان! والإيرانيون لم يعودوا يثقون بالوسيط الأوروبي بعد أن نقض عهده معهم كما يقولون، وتركهم وحدهم يواجهون حائط مجلس الأمن الدولي كالسيف المسلط عليهم، وهم مصممون على المضي قدما في ممارسة سيادتهم واستيفاء حقوقهم في طاقة نووية سلمية كما تقرها لهم القوانين والاتفاقات الدولية مهما كان حجم الضغط السياسي المتصاعد ضدهم! والروس الذين كانوا ولايزالون يعارضون نقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي لن يذهبوا إلى درجة معاداة موقف أميركي أوروبي موحد ضد طهران، وبالتالي لن يكونوا من ركاب القارب الإيراني إذا ما انقسم العالم بين ركاب سفينة تقودها الولايات المتحدة الأميركية وأخرى تضم إيران وبعض دول عدم الانحياز كما ذكر بوتين لكبار القادة الإيرانيين أكثر من مرة. والصينيون الذين يتمنون بقلوبهم وعواطفهم ان يذهبوا مع الإيرانيين إلى درجة استعمال حق "الفيتو" ضد أي قرار يدين إيران، إلا ان عقولهم ودمهم الاستراتيجي البارد ومعركتهم الطويلة والبعيدة المدى مع الهيمنة الأميركية على العالم تقول لهم إن هذا الحق يجب ان يبقى كالسيف المغمود من أجل قضيتهم الوطنية الكبرى والأولى في تايوان التي يجب أن تعود إلى الوطن الأم. وأما العرب وهم المعنيون والأكثر قربا من هذه المعركة فإنهم وقد بدوا لا حيلة لهم إلا إبداء القلق بشأن ما يحيط بهم وهو إنما يتخوفون من كارثة جديدة تحيط بهم وهو خوف مشروع فإنهم قد يكونون معنيين أكثر من غيرهم بهذه القضية الحساسة والخطيرة من زاوية أخرى ألا وهي ان المحرض الأساسي على إيران والطرف الذي قد يكون هو المشعل لشرارة الكارثة الجديدة هذه المرة هو "إسرائيل" التي طالما هددت بضرب المنشآت الإيرانية، وما انفكت تزعم بوجود نوايا تسلحية إيرانية على رغم كون تل أبيب تنام على ترسانة نووية غير منضوية تحت القانون الدولي ومطلقة العنان تجاه العرب وإيران بحجة انها الدويلة الصغيرة المحاطة ببحر من الأعداء! هنا قد يأتي الدور العربي الدقيق ولكن الخطير والمهم وقد يكون المنقذ. فإيران صديقة العرب كما تعلن وتصرح باستمرار ووزير خارجيتها الذي قام لتوه بجولة خليجية وينوي توسعتها لتشمل دولا أخرى يريد طمأنة جيرانه بسلمية مشروع بلاده النووي وبحقها المشروع في دورة نووية كاملة كما تنص معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الموقعة من قبل طهران، وأن يثبت لهم أيضا أن لا شيء وراء الضجة الإسرائيلية الموظفة أميركيا في الصراع ضد الإيرانيين سوى رفض طهران الإملاءات السياسية الأميركية. ولما كان العرب وقد أصبحوا "اصدقاء" لـ "إسرائيل" أو فنقل مقبولين كطرف ثقة لدى الإسرائيليين على الأقل بحسب ما تعلنه "إسرائيل" نفسها، فإن باستطاعة العرب المعنيين كما قلنا بعد الإيرانيين والأميركيين والإسرائيليين أكثر من سائر دول العالم بمن فيهم الصين وروسيا بما يمكن ان ينتج عنه هذا الاستقطاب الدولي الخطير بشأن الملف النووي الإيراني، ولما كان رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية وهي الطرف المفاوض الحقوقي والقانوني المفترض عربيا من مصر، وهي الدولة العربية الكبرى، فإن باستطاعة المجموعة العربية الدعوة إلى محادثات سداسية على الطريقة الكورية من أجل البحث عن مخرج لهذا الانسداد النووي بشأن ملف إيران، يضم كلا من المجموعة العربية وأوروبا وأميركا وتركيا التي تقول انها ستمثل العالم الإسلامي في المجموعة الأوروبية التي تتجه للانضمام إليها، وباكستان التي تكثر الشائعات والاتهامات من حولها بخصوص مسئوليتها أو دورها في الملف النووي الإيراني، بالإضافة إلى طهران صاحبة العلاقة طبعا. أما دور روسيا والصين فسيظل محفوظا هنا من خلال وجودهما القوي والفاعل في مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة النووية والتي يفترض بها أن تستثمر هذه المحادثات لتعيد الأمور إلى نصابها القانوني، أي إعادة الملف إلى مستوى التعاون الثنائي البناء والشفاف والقانوني بينها وبين طهران. ماذا يعني عمليا مثل هذا الاقتراح؟ وماذا سيؤمن لمختلف الأطراف؟ هذا يعني ان يدخل العرب كطرف مساهم وربما شريك بالأسهم والأرباح في المشروع النووي الإيراني فيمنح بعض الاطمئنان لصديق العرب الأميركي بخلو المشروع الإيراني من التسلح الذي تزعمه "إسرائيل"، وهو سيضيف للعرب مكانة وموقعا جديدا في المعادلة الدولية، بالإضافة إلى توظيف القدرات الإيرانية في مجالات التنمية المطلوبة للمنطقة بطريقة سلمية ونظيفة. بالمقابل، فإن تركيا وباكستان اللتين يزداد دورهما الإقليمي هذه الأيام تستطيعان أن تساهما بدورهما في زيادة الاستقرار الإقليمي الذي تدعي واشنطن انه من أولى أولوياتها وبالتالي عليها أن تقبل به عندما يأتي من صديق وحليف كتركيا وباكستان اللتين دخلتا في تحالف علني معها ضد ما يسمونه بالإرهاب! وأما أوروبا، فبالإضافة إلى حفظ ماء وجهها الذي ذهب أخيرا بعدما ظهرت وكأنها مجرد تابع أو سمسار رخيص لدى الولايات المتحدة، فإنها ستستفيد من خلال المبادرة العربية إن اطلقت دورا طلائعيا لها في المنطقة طالما خسرته بسبب ترددها ومراعاتها الزائدة عن الحاجة إلى كل من "إسرائيل" وأميركا. وأما أميركا فإن كانت صادقة فعلا بالبحث عن حل يبعد خطر التسلح في المنطقة كما تقول وتتأثر بحليفها الإسرائيلي وإنها لا تثق بإيران فإن المبادرة العربية المذكورة قد تكون الباب الذي تحقق من ورائه ما تريد ومن ثم تستطيع الدخول في كونسورتيوم نووي سلمي يفيد التنمية في "شرق أوسط" خال من أسلحة الدمار الشامل شرط ان تقبل "إسرائيل" بنزع أسلحتها وتفكيك ترسانتها التي تمثل الخطر الحقيقي على المنطقة بل والعالم كله. وأما إيران التي ستنال حقوقها المشروعة تحت هذا الغطاء الإقليمي والدولي فإنها هي الأخرى ستحقق ربحا إضافيا هو صداقة العالم لها وإثبات حسن نيتها وثبوت صدقيتها ورفع الظلم والإجحاف غير المبرر بحقها عبر "التمييز النووي" الممارس ضدها كما قال رئيسها أحمدي نجاد. في غير ذلك فإنه إذا ما أرادت أميركا ومن ورائها "إسرائيل" ضرب إيران وهزيمتها من خلال استمرار تسييس الملف وتضخيمه بهدف إحراج طهران لإخراجها من المعادلة فإن واشنطن خاطئة في تقديراتها البتة، فإيران قد لا تكون كوريا التي تقف وراءها الصين لكنها ليست ليبيا أيضا التي ليس وراءها سوى الصحراء القاحلة، بل هي عصارة تراكم من كفاح أجيال يبحث عن اعتراف لابد منه، ودونه فرط قتال قد يدوم حتى مئة عام. وهذه حقيقة استراتيجية ثابتة لا يستطيع محرض تغييبها ولا مجحف أفكارها. * مدير منتدى الحوار العربي - الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1128 - الجمعة 07 أكتوبر 2005م الموافق 04 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً