العدد 1135 - الجمعة 14 أكتوبر 2005م الموافق 11 رمضان 1426هـ

هل تدخل إيران عصر القرارات الصعبة؟

عودة خاتمي إلى مطبخ القرار الإيراني

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

أن يفوض المرشد الأعلى للثورة والجمهورية في إيران بعضا من صلاحياته في الرقابة على سير عمل السلطات الثلاث إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام بشكل قرار معلن في هذا الوقت بالذات. .. فإن ذلك يحمل دلالات في غاية الأهمية لمن يعرف ثنايا وتعرجات صيغة صوغ القرار وصنعه في جمهورية "الاجتهاد والمصلحة" الإيرانية! الانطباع الأول الذي ذهب إليه الكثيرون هو ان المرشد قصد فيما قصد من وراء هذا القرار إعادة الاعتبار مجددا إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيسه هاشمي رفسنجاني لرأب بعض الصدع الذي اصابهما جراء سير العملية الانتخابية الرئاسية الأخيرة لعل في ذلك ما يعيد اللحم إلى أوضاع البيت الداخلي الإيراني في لحظة حرجة تعيشها طهران مع العالم الخارجي بعدما بدا وكأن ذلك البيت "العتيق" في ثنائيته المستحكمة بين السيد والشيخ قد دخل إليه بعض الوهن والتضعضع. قد يكون ذلك هو بعض ما أريد له أو جزء من تداعيات مثل ذلك القرار. لكنه بنظر العارفين بدواخل الأمور لا يمكن ان يكون هو السبب الرئيسي وراء مثل تلك الخطوة اللماحة بدلالاتها الزمنية. المتابعون لتطور النظام السياسي الحاكم في إيران يسجلون نقطة تحول لانتقال البلاد من حكم مؤسسات الثورة إلى حكم مؤسسات الدولة عند بوابة تشكيل مجلس تشخيص مصلحة النظام، ويعتبرونه بمثابة الجسر الذي يفترض ان تعبر منه قرارات الثورة إلى مطابخ صنع قرار الدولة بسلاسة وانسياب يناسب شكل النظام الحاكم ومضمونه المتحركين. واستنادا إلى تلك القراءة بالذات كانت قد تبلورت على مدى السنوات الماضية ثلاثية "العزة، المصلحة، الحكمة" باعتبارها عمود الخيمة أو الإطار الذي يحكم سياسات إيران الخارجية. ولما كان مجلس تشخيص مصلحة النظام أشبه ما يكون بالمظلة التي باتت تضم تحت ظلالها كل الخبرات والرموز من التيارات المختلفة الدينية منها والسياسية متبلورة بشكل لجان متخصصة تدون من خلالها سياسات النظام العامة على المدى الاستراتيجي وتفرز الصالح من الطالح من القرارات لما يتناسب وقواعد تلك الثلاثية الآنفة الذكر، فإن العقل "الحكومي"، أي عقل الدولة والنظام والمصلحة العامة بات يتطلب ان تصبح هذه المظلة هي "حكومة الظل" التي يفترض بها ان تتدخل في الوقت والمكان المناسبين بما يحقق المصلحة الدينية والوطنية العليا، تاركة باب المناورة مفتوحا على مصراعيه للحكومة التنفيذية وكذلك للسلطات الأخرى "الاجتهاد" على قاعدة "إن أصاب فله أجران وان أخطأ فله أجر الاجتهاد". ولما كانت قاعدة الاجتهاد في الفكر السياسي الشيعي تعتبر ركنا أساسيا من أركان الحكم فإن الدلالة الأهم من وراء تلك الخطوة ربما كانت أيضا إفساح المجال أمام اللجان المتخصصة وأصحاب الخبرات المتجمعة في هذا المجلس العتيد لتناور في توجهاتها و"رقابتها" المفترضة على السلطات الثلاث بما يتناسب والقرار الذي تتطلبه "المصلحة" مرة أو "الحكمة" أو "العزة" لإيران في مرات أخرى بحسب المقطع الزمني الذي تمر به البلاد. وهذا بدوره "سيحرر" المرشد عند الضرورة من عبء أو تبعات أي قرار قد يبدو في الظاهر "تصادما" بين الدين والدنيا مرة أو بين الوطن والدين مرة أخرى فيما سيظل الباب مفتوحا أمامه ليمنع ما يراه متصادما مع أصول ومبادئ النظام العامة عند الضرورة، ذلك ان من يمنح التفويض يستطيع منعه أيضا متى شاء، وخصوصا ان ذلك يأتي في الأساس بناء على المادة 110 من الدستور التي تخول المرشد مثل تلك الصلاحية. نعم، فإن مثل هذا التفويض سيعطي عمليا الشيخ الرئيس هاشمي رفسنجاني قوة اضافية جديدة تضاف الى قوته الذاتية التي يمتلكها أصلا، كما ستعيد الحيوية والديناميكية الى مطابخ صنع القرار في إيران في ظلال إعادة الحياة الى "ثنائية" العلاقة الاستراتيجية بين المؤسسين من الجيل الأول من أجل تمكين النظام من تحمل ارتدادات أية هزة سياسية أو أمنية أو اقتصادية يمكن ان تقع إما بسبب التجربة "الشبابية" الجديدة في الحكم أو بسبب تصاعد الضغوط الدولية على إيران أو حتى بسبب اتخاذ قرارات قد تكون "مؤلمة" آنيا، لكنها مطلوبة على المستوى البعيد لما فيه "المصلحة" الإيرانية العليا. المتابعون لسير التحولات الجارية في البلاد في مجال اتخاذ القرارات يقرأون الخطوة المذكورة في إطار تهيئة الظروف والحيثيات اللازمة من أجل "تغطية" أي قرار أو مجموعة قرارات قد تضطر اليها الحكومة على الأصعدة الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية العليا، ومن الجدير بالاهتمام هنا ربما الاشارة الى قرار آخر اتخذه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ألا وهو قرار تعيين الرئيس السابق محمد خاتمي عضوا في المجلس الأعلى لمركز الدراسات الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام وهو القرار الذي قيل انه جاء بالتوافق وبـ "طلب" من الرئيس خاتمي نفسه. واذا ما عرفنا ان خاتمي كان قد رفض في البداية ان يتم تعيينه عضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، فإن عودته عن مثل ذلك القرار اليوم انما تعني ان ثمة شأنا كبيرا قد دفعه الى العودة عن قراره السابق. إن عودة خاتمي إلى مطبخ صناعة القرار الاستراتيجي على رغم عزوفه الأول عن ذلك في البداية يمكن ان نستخرجه من ثنايا تصريحه الأخير الذي أطلقه عقب اجتماعه مع أركان جبهة الاصلاح والتغيير التي كان يترأسها سابقا وذلك عندما قال بالحرف الواحد "ان الامر لم يعد يتعلق بمستقبل اليمين واليسار، أو المحافظين والاصلاحيين، بقدر ما بات يتعلق بمصير البلاد والنظام الذي يتطلب منا تضحيات عالية وعملا دؤوبا فوق العادة...". قرار المرشد الأخير اذا يمكن فهمه وتفسيره وتأويله على ان ثمة أمرا ما خطيرا بكل معاني الاهتمام يحيط بإيران وبمطبخ صناعة قرارها الاستراتيجي يتطلب تنازلات متبادلة بين الأطراف المؤسسة من الجيل الأول المؤسس، ما قد يعني فيما يعني ان مركز الاصلاحات المطلوبة وساحتها قد انتقل هذه المرة من الشارع "الخاتمي" النزعة الى دهاليز وأروقة المجالس العليا لصناعة القرار "الرفسنجانية" اللون والطعم والرائحة! * مدير منتدى الحوار العربي - الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1135 - الجمعة 14 أكتوبر 2005م الموافق 11 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً