العدد 1145 - الإثنين 24 أكتوبر 2005م الموافق 21 رمضان 1426هـ

قصة "إعلان دمشق"!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

ربما كان الخبر الرئيسي في اخبار دمشق الاسبوع الماضي - على كثرتها -، هو خبر "اعلان دمشق". واهمية الخبر، ليست مقتصرة على محتوياته، ولا تتصل باهمية الذين وقعوا عليه، أو الذين اعلنوا انضمامهم اليه، ولا بسبب الاهتمام الكبير الذي ابداه الاعلام بانواعه بالاعلان، بل بكل هذه الاسباب، واسباب اخرى من بينها، ان الضوء اليوم مسلط على سورية، وبالتالي فان كل ما يصدر عنها وفيها هو في دائرة الاهتمام، وكان من الطبيعي، ان يحوز الاعلان على ما حاز عليه. و"اعلان دمشق" في محتواه، يمثل نقلة سياسية في الحياة السورية. اذ هو يذهب من المطالبة بالاصلاح الذي اطلق مطالبه السوريون قبل خمس سنوات، وأكدوه كثيرا، ليعلن مطلب التغيير الوطني والديمقراطي عبر "إقامة النظام الوطني الديمقراطي" باعتباره "المدخل الأساسي في مشروع التغيير والإصلاح السياسي" والذي ينبغي "أن يكون سلميا ومتدرجا ومبنيا على التوافق، وقائما على الحوار والاعتراف بالآخر"، وان يتم في سياقه "انتخاب جمعية تأسيسية، تضع دستورا جديدا، يقطع الطريق على المغامرين والمتطرفين، يكفل الفصل بين السلطات، ويضمن استقلال القضاء"، في اطار "دولة حديثة، يقوم نظامها السياسي على عقد اجتماعي جديد". واضافة الى المنظومات العامة، كان لابد للاعلان من ان يؤكد قضايا اساسية بينها اشارته الى احترام "الإسلام الذي هو دين الأكثرية" بالتزامن مع "الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم"، و"ضمان حرية الأفراد والجماعات والأقليات القومية في التعبير عن نفسها، والمحافظة على دورها وحقوقها الثقافية واللغوية"، وهو امر يشمل جميع مكونات الشعب السوري، لكن الاعلان يخص السوريين الاكراد باشارة، تتضمن ضرورة "إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سورية، بما يضمن المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وتعلم اللغة القومية وبقية الحقوق الدستورية والسياسية والاجتماعية والقانونية، على قاعدة وحدة سورية أرضا وشعبا". وباستثناء محتويات الاعلان من النواظم العامة ولاسيما السياسية، فقد احتوى الاعلان آليات الانخراط فيه، وتطويره وتعديله من خلال التأكيد على تطوير الحراك العام في المجتمع والحوار بين كل مكوناته، وتطوير قدراتها وامكاناتها، على ان يكون الباب "مفتوحا لمشاركة جميع القوى الوطنية من أحزاب سياسية وهيئات مدنية وأهلية وشخصيات سياسية وثقافية ومهنية، يتقبل التزاماتهم وإسهاماتهم" في هذا الاعلان، وباعتبار ان الاخير "يظل عرضة لإعادة النظر من خلال ازدياد جماعية العمل السياسي وطاقاته المجتمعية الفاعلة". لكن ما سبق كله، يظل محكوما بـ "رفض التغيير الذي يأتي محمولا من الخارج"، وهذا لا يتضمن، ان الاعلان من خلال موقعيه، لا يدرك بصورة تامة "حقيقة وموضوعية الارتباط بين الداخلي والخارجي في مختلف التطورات السياسية التي يشهدها عالمنا المعاصر"، وهو ادراك محكوم بعدم "دفع البلاد إلى العزلة والمغامرة والمواقف غير المسئولة"، وبـ "الحرص على استقلالها ووحدة أراضيها". وكما هو واضح، فان محتويات الاعلان، تتجاوز في نواظمها وآلياتها القوى والشخصيات التي وقعت عليه اساسا، الامر الذي كان مدخلا لان تجد قوى وشخصيات اخرى داخل سورية وخارجها نفسها فيه، وهذا يفسر سر تدفق التأييد للاعلان من جماعات وشخصيات مختلفة وخصوصا من اوساط المهاجرين والمنفيين السوريين ممن انخرطوا في السنوات الاخيرة في الدعوة الى الاصلاح والتغيير في سورية. وبظهور هذا المستوى من التوافق السوري، تشكلت حول "اعلان دمشق" حاضنة اساسها جماعات المعارضة الرئيسية في الداخل والخارج بمن فيها الاحزاب الكردية الرئيسية وجماعات اهلية ومدنية وطيف من الشخصيات العامة من مثقفين واقتصاديين ورجال دين. غير أن اتساع وقوة حاضنة الاعلان، لا تمنع من قول انها مازالت تحتاج الى التحاق آخرين بها من قوى وشخصيات، وكثير منهم قريبون - وبعضهم في قلب الاعلان - لكن ظروفا وتفاصيل، لم تساعد في وجودهم ضمن قائمة الموقعين الاوائل، والكثير منهم سواء في دمشق او في المحافظات البعيدة، كان حاضرا في الحوارات التي جرت في الاشهر الخمسة الماضية حول الاعلان ومحتوياته وظروفه ومجمل الظروف التي تعيشها سورية والحراك السياسي والثقافي فيها. وكان من الطبيعي، ان تصدر اعتراضات هنا وهناك على "الاعلان"، واخرى حول ظروف وتوقيت اطلاقه، وثالثة حول بعض او كل القوى التي وقعته أو أعلنت الالتزام به، ومن الطبيعي ايضا ان تختلف دوافع تلك الاعتراضات وبعضها اعتراضات موضوعية، واخرى قد لا تكون كذلك، لكن وجود الاعتراضات، يفتح الباب نحو نقاشات سورية مهمة، بعضها كان مسكوت عنه، والنقاش في الموضوعات السورية هو امر ايجابي وشديد الاهمية في وقت نتعرض فيه وبلدنا الى محنة، ولسورية والسوريين كل الحق في اجتيازها بأقل الخسائر الممكنة، وهو امر محكوم بادراك السوريين على اختلاف مواقعهم ومواقفهم، وليس النظام وحده على نحو ما درجت العادة. لقد جاءت فكرة "اعلان دمشق" في ضوء امرين اساسيين، اولهما تجربة الحراك السياسي والاجتماعي مع السياسات الرسمية خلال الخمس سنوات الماضية، والثاني طبيعة التحديات المطروحة على سورية والطريقة التي تتعاطى معها السلطة. واذا كان الامر في موضوع تجربة الحراك السياسي والاجتماعي، كشف السوء الذي تعامل فيه السلطة مع هذا الحراك في تجاهل مطالبه وملاحقة جماعاته ونشطائه من التضييق الى المتابعة الى السجن خارج القانون بالتوازي مع سياسة قديمة خربة وفاسدة. فان السياسة الخارجية في مواجهة التحديات، كانت مثالا آخر للسوء وخصوصا في ترددها وتقلباتها وعدم الاستقرار فيها، تبعها فقدان سورية عوامل قوتها وعلاقاتها، وتحولها من لاعب في المنطقة الى واحدة من لعبها. من متابعة الحال السوري، ولد مشروع التغيير الوطني الديمقراطي المتضمن في محتوى "اعلان دمشق" بهدف احداث تبدلات جوهرية وعميقة في السياسات السورية - الداخلية والذي هو امر لا يمكن ان يتم دون حشد اوسع طيف سوري بنواظم سلمية وعلنية وتدرجية وداخلية اساسا، دون شد وصراع، لكن مع أعلى مستوى من الحوار المسئول والمفتوح بين الجميع دون استثناء أو استبعاد، وهذا بعض ما يحدث الآن في الاعلام وعلى الفضائيات، سابقا كل الخطوات العملية المقبلة باتجاه التغيير

العدد 1145 - الإثنين 24 أكتوبر 2005م الموافق 21 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً