العدد 1147 - الأربعاء 26 أكتوبر 2005م الموافق 23 رمضان 1426هـ

علي والمستقبل... والحرب القادمة

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

"ألا وانه سيحيط بالزوراء علج من بنى قنطورا. أشرار وأي أشرار، وكفار وأي كفار فيقتلون الايله. ويشربون الأكمه. ويذبحون الأبناء. ويستحلون النساء. ويطلبون شداد بني هاشم ليسوقوهم سوق الغنايم. وستضعف فتنتهم الإسلام. وتحرق نارهم الشام فواها لحلب من احصارهم. وآها لخرابها بعد دمارهم". علي بن أبي طالب في التاسع عشر من شهر رمضان المبارك هذا وفي العام أربعين من الهجرة هوى سيف غاشم جاهل مشبع بالسم حتى الثمالة على رأس أحد عظماء العرب والمسلمين قاطبة في صومعة المسجد التي كانت تستقبل خيوط الشمس الأولى لصباح اكتنفه الحزن، وأظلمت ردهاته واحمرت سماؤه منذ ذلك اليوم حتى الساعة إذ توجه صاحبه - الرأس - بكل جارحة من جوارحه للصلاة؛ وفي اليوم الحادي والعشرين من الشهر ذاته غيب الموت صاحب ذلك الرأس العظيم وغيب معه أحد أهم رموز الأمة العربية والإسلامية، الذين بدأنا مقالنا هذا بإحدى الفقرات العظيمة التي تركها لنا، لا ليثبت من خلالها سعة علمه وتبصره، وهو القائل: "اسألوني قبل أن تفقدوني"، بل ليلفت نظر الأمة إلى ما ستؤول إليه الأمور في حال "الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" "الكهف، 104"؛ في هذا اليوم يتذكر المسلمون جميعا بشكل عام والعرب بشكل خاص، هذه الذكرى المؤلمة ويتذكرون صاحبها العظيم الذي قضى نتيجة الجهل والحمق الذي لانزال نحيا كثيرا من أوجهه. كثير هي الكتب التراثية التي تستشرف المستقبل، وكثير هم المستشرفون للمستقبل وخصوصا مستقبل الأمة الاسلامية قبل الأمة العربية، وكثير هم مفكرو الإسلام الذين استشرفوا المستقبل ورأوا الضعف الذي ينخر في جسد الأمة والوهن الذي سيصيبها، من هؤلاء جميعا يبدو أن الامام علي بن أبي طالب استشرف المستقبل بصورة جد صادقة فما نستشفه من الفقرة التي صدرنا بها هذا المقال، إنه وببصيرته المنقطعة النظير رأى "العلوج" من "بني قنطور" - وهم التجار أيام الحرب وهم الذين يملكون مالا كثيرا - قادمون إلى "الزوراء" "وهي مدينة بغداد لمن لا يعرف" مدججين في السلاح من كل نوع وشكل، ومدججين بالهدف أو الأهداف التي ترمي إلى تدمير كل شيء من حي وميت، والإجهاز على كل شيء وعدم الإبقاء على ركن من الأركان الأساسية للدولة مهما كانت أهميته. وهو إلى جانب ذلك رأى يومذاك ان هذه الأمة ستستنجد بمن سيأخذها إلى حتفها وليس كمثل أي أخذ، بل هي - الأمة - ستصير من دون أدنى شك سلعة تباع بين الناس تماما كما الغنائم التي يغتنمها المنتصر من المنهزم الذليل الذي لا حول ولا قوة له وأن هذا الأخذ أو السوق بالقوة لا نهاية له على ما يبدو لكون الأمة منشغلة بفتنة كبرى لا يعلم مداها أحد. إن علي بن أبي طالب "ع" رأى بحنكته المتناهية الفتنة الكبرى التي لا تماثلها فتنة في تاريخ الإسلام، إذ يصبح المتأسلم رافع المصحف الشريف في كل زمان ومكان تغيب فيه الحقيقة أو تغيب ناطقا رسميا باسم الإسلام يحلل قتل هذا ويحرم قتل هذا، ويجرم هذا ويبرئ ذاك، ويعلن شن الحرب وقلع الزرع وقطع الضرع بكل ما تحمله المفردتان الأخيرتان من معنى وهي بربي كثيرة. علي بن أبي طالب لم يقف ببصيرته عند حدود منبت الفتنة وساحتها بل إنه رأى بوضوح منقطع النظير أن نارها هذه لن تصيب أرض العراق فحسب، بل ستطول أرض الشام، وستقع "حلب" تحت حصار عظيم تدمى له القلوب وتعتصر من أجله الأفئدة وتذرف له العيون الدمع مدرارا، لكن من دون أن تحرك هذه الأنفس الحزينة ساكنا لقلة حيلتها ولانشغالها بأمور الفتنة الكبرى. وبصيرة الإمام علي بن أبي طالب لا تقف عند هذا الحد بل إنها تحذر الأمة جمعاء من شرور الفتن في كثير من جواهر الكلم والحكم التي تركها لنا. يتحسر علي "ع" بصوت عال، ويتأوه كثيرا من قبل قرون كثيرة مضت لخراب البلاد وتشتت العباد بعد أن تدمر البلاد تدميرا كاملا، ويشرد شعبها في كل أقطار الدنيا. أما نحن فحدث ولا حرج، فلا الحسرة معنا تفيد ولا التأوه يريح أكبادنا التي تتناثر قطعا في كل حدب وصوب. الحرب لا الفتنة في هذه المنطقة لاتزال طفلة لعوبا، مقارنة بالحروب الأخرى التي رأتها البشرية. أي إنها لاتزال شرارة عطشى لحطب كثير، وحمالة حطب من كل نوع وصنف، ونحن لدينا الخيار في أن نكون هذا الحطب الذي يذكي النار وحمالة الحطب الجدد الذين لا يفتأون يشعلونها، أو نكون رجال العقل والحكمة ونطفئها في مهدها بوعي أشد قوة ومضاء من الماء. مادام هناك عقلاء بيننا فلايزال هناك متسع من الوقت لفعل ذلك قبل أن يضج العالم بآهتنا الجمعية، كما النساء الثكلى التي تترك على قارعة الطريق لا ناصر لها ولا معين. زبدة الكلام قال علي بن أبي طالب: "لا تجزعن من الحوادث انما خرق الرجال من الحوادث يجزع * كاتب كويتي مقيم في الب

العدد 1147 - الأربعاء 26 أكتوبر 2005م الموافق 23 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً