العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ

هل الانضمام للعهدين الدوليين مكسب حقوقي ونقلة نوعية لسيادة حكم القانون؟

إيجاد القانون الجيد وسيادة حكم القانون

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في دور الانعقاد الماضي، قدم أحد النواب مقترحا لانضمام وتصديق المملكة للعهدين الدوليين؛ "العهد الدولي الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الآخر المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"، إضافة إلى البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالعهد الدولي الأول، ولكن هيئة مكتب المجلس النيابي رفضت المقترح مرة بدعوى حداثة التجربة ومرة لمخالفة العهدين للشريعة والعادات والتقاليد. وقال هذا النائب: إن عدم التوقيع على البروتوكولين يعني عدم تفعيل الاتفاق. بمعنى آخر، إن التوقيع على البروتوكولين الملحقين بالعهد الدولي الأول هو ضمان لتفعيل هذا العهد الدولي؛ وهذه دعوى تحتاج إلى برهان. مع أن البروتوكول الاختياري الأول الذي سنعرف به في ثنايا الموضوع يعتبر في غاية الأهمية وفقا لظروف معينة، إلا أننا لا ندري ما مدى علاقة البروتوكول الاختياري الثاني الذي دخل حيز النفاذ العام ،1991 بتفعيل ما نسعى إليه من وراء هذا العهد. فهذا البروتوكول يهدف إلى ضمان إلغاء عقوبة الإعدام وفقا للمادة "6" من الجزء الثالث من العهد الدولي الآنف الذكر، والتي تستصوب وتشير إلى إلغاء هذه العقوبة، وهذا أمر يثير لغطا في الكثير من الدول، فضلا عن الدول الإسلامية. وما لاشك فيه، أن الانضمام للعهدين الدوليين يمثل غاية ومطلبا مهما بالنسبة للحقوقيين لتحقيق أمرين مهمين: إيجاد تشريعات وقوانين جيدة تعزز حقوق الإنسان، وتحقيق سيادة حكم القانون. فالقانون مهما كان جيدا فإنه لا يجدي من دون تطبيق. فهل انضمام وتصديق أي دولة على العهدين الدوليين، سيمثل فعلا نقلة نوعية ومكسبا جديا في هذا المجال، أم أن ما يراود المبشرين به، ولأسباب كثيرة، وفي ظروف معينة قد لا يعدو ذلك كونه "كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا" "النور: 39". إن مواد العهدين حالها حال مواد وبنود القانون المحلي، تحتاج إلى إرادة لتنفيذها من قبل الدولة، وهذا من صلب وظائفها، بل من أكبر أسباب نشوء الدولة في التاريخ هو إقرار وسيادة حكم القانون الذي ينظم العلاقات الاجتماعية بين الناس. والدولة هنا بمعنى الجهاز السياسي الحاكم، إذ تناط به هذه المهمة، ومثل هذا الدور نجده في رد الإمام علي "ع" على الخوارج حينما رفعوا في وجهه شعار "لا حكم إلا لله"، إذ رد عليهم بقوله: "كلمة حق يراد بها باطل، نعم... إنه لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة وإنه لابد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح من فاجر". وأول خطوة تدلل على جدية الدولة في تنفيذ ما صدقت عليه من مواثيق وعهود دولية، هو أن تقوم بموائمة قوانينها المحلية بما ينسجم وهذه العهود والمواثيق، بمعنى إيجاد القانون الجيد وفق فهم معين. ولكن يخطئ من يأمل أن تتبرع الحكومة - أية حكومة - باعتبارها المنفذ للقانون، بتقليم أظافرها من خلال إلغاء أو إقرار تشريعات تقيدها، فالحكومات تتملكها غريزة فطرية نحو وضع مزيد من القيود على حرية الناس، في الوقت الذي يتوق الناس إلى مزيد من الحرية والانفلات من القانون، لذا تضع العراقيل في وجه مثل هذه التشريعات. وفي حالتنا البحرينية، فالمعروف أن البحرين انضمت للكثير من الاتفاقات الدولية في مجال حقوق الإنسان، منها "اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة العام 2002 واتفاق مناهضة التعذيب 1998" وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وفي العام 1992 انضمت إلى اتفاق حقوق الطفل، ومع ذلك فالتشريعات الوطنية مازالت باقية لم تتغير بعد، إذ لم تبادر الحكومة إلى موائمة القانون المحلي مع مواد هذه الاتفاقات والعهود الدولية. وأهم من ذلك، أن الكثير من القوانين التي تم تشريعها في غياب الحياة النيابية وأثناء حقبة سيادة قانون أمن الدولة، فضلا عن الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها المملكة، متناقضة مع الدستور نفسه. والمعروف أن الدستور في الكثير من مواده عبارة عن مبادئ عامة، ويأتي تشريع القوانين ليتم تفعيل هذه المبادئ؛ وإلى الآن لم تبادر السلطة لمواءمة الكثير من مواد القوانين المحلية مع دستور المملكة، ومازالت حزمة القوانين غير الدستورية هذه تلوح بها السلطة في وجه معارضيها كلما دعت الحاجة، بل مازالت السلطة التنفيذية تشغل مجلس النواب بتشريعات أخرى أقل أهمية، مستفيدة من الدستور الذي يعطي أولوية لما تطرحه الحكومة على المجلس بغرفتيه "النواب والشورى"، كما جاء في المادة "81": "يعرض رئيس مجلس الوزراء مشروعات القوانين على مجلس النواب الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه، وفي جميع الحالات يرفع المشروع إلى مجلس الشورى الذي له حق قبول المشروع أو تعديله أو رفضه أو قبول أية تعديلات كان مجلس النواب قد أدخلها على المشروع أو رفضها أو قام بتعديلها، على أن تعطى الأولوية في المناقشة دائما لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة". وفي هذا السياق، فإن عدم سعي السلطة إلى مواءمة بعض القوانين مع الدستور، فضلا عن موائمة القانون مع الاتفاقات الدولية، يعني استمرار تعطل مصالح الناس، وتعطيل البت في الأحكام القضائية، وتأخر رد الحقوق لأهلها؛ ففي كل محاكمة يجد فيها المحامي تعارضا بين القانون والدستور، أو حتى تعارض القانون مع ما صدقت عليه الدولة من عهود واتفاقات دولية لاحقا، سيؤدي إلى تعطل الحكم القضائي نتيجة الطعن الدستوري في القانون، وقد يقع نتيجة ذلك ظلم على بعض الأطراف إلى أن يحين البت القضائي.

سيادة حكم القانون

مسألة إيجاد قانون جيد من خلال انضمام أية دولة للعهدين الدوليين مثلا، وموائمة الدولة لقانونها المحلي مع مواد العهود الدولية، وخصوصا المتعلقة بحقوق الإنسان، تعتبر مسألة مهمة، ولكنها الخطوة الأولى، والخطوة التالية تتعلق بالإجابة على السؤال التالي: من يلزم السلطة التنفيذية بتنفيذ القانون من دون تحيز إذا ما افتقدت إرادة تنفيذ القانون المحلي فضلا عن العهود الدولية؟ وإذا كان المجتمع يحتاج إلى الدولة باعتبارها قوة من أجل تنفيذ القانون من خلال السلطة التنفيذية، كذلك المجتمع الدولي يحتاج إلى قوة لتنفيذ الاتفاقات الدولية على الدول؛ فهل الأمم المتحدة - كطرف مسئول وراع ومروج للعهود الدولية - تملك سلطة حقيقية أو أدبية لضمان تنفيذ مواد العهود الدولية على الدول التي صدقت، بما فيها المتعلقة بحقوق الإنسان؟ لقد حاول بعض الحقوقيين أن يثبت وجود آلية تلزم الدولة بتطبيق العهدين، وبعضهم ذهب إلى أن الإلزام يتم في حال وقعت الدولة على البروتوكولين الاختياريين الملحقين بالعهد الدولي الأول. وبغض النظر عن مواد العهدين التي لابد من الاختلاف بشأن تفسير بعضها، فنظرة واحدة لواقع بعض الدول التي انضمت للعهدين، وخصوصا دول العالم الثالث، قد تغني عن الجدل بشأن حقيقة هذا الطرح، فبعض هذه الدول وقعت حتى البروتوكول الاختياري الأول الذي يعتبر في تصور البعض ضمانة التحقق من التزام الدولة وتنفيذها ما جاء في العهد الدولي الأول المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، إذا استثنينا المادة السادسة الخاصة بإلغاء عقوبة الإعدام. إن صور الاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني من قبل الدولة الديمقراطية الأنموذج بالنسبة للغرب "إسرائيل" وخرق مواد وبنود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدقت عليه "إسرائيل" في العام 1991 لاتزال ماثلة في المخيلة، والأسوأ من ذلك، دولة عربية مشهورة بممارسات الجهاز السياسي الحاكم انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وهي ممارسات أشهر من "نار على علم" مع أن هذه الدولة وقعت على العهدين منذ العام ،1968 وجعلت من يوم 10 ديسمبر / كانون الأول 1948 يوم الاحتفال بحقوق الإنسان، بل استحدث رئيسها ميدالية "رئيس الجمهورية لحقوق الإنسان". ودولة عربية أخرى لا تقل سمعتها في مجال انتهاك حقوق الإنسان عن أختها، صدقت على البروتوكول الاختياري الخاص بالحقوق المدنية والسياسية منذ العام ،1989 وهو بروتوكول يمكن بمقتضاه لأي شخص انتهكت حقوقه التي يضمنها العهد الدولي في دولة سبق وأن صدقت وانضمت، أن يتقدم بشكوى إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، والتي تم إنشاؤها بموجب أحكام الجزء الرابع من العهد، شريطة أن يكون المتظلم قد استنفد جميع الوسائل الفعالة للانتصاف على الصعيد الوطني... ولكن من يجرؤ على فعل ذلك من المواطنين في دولة يحكمها جهاز أمني واستخباراتي قمعي، يضيع دم الإنسان في حادث سيارة مفتعل، أو يغيب وبلا سابق إنذار عن ناظر أهله إلى الأبد؟ بناء على ما سبق، يرى بعض الباحثين، أنه لحد الآن وما لم يستجد جديد في علاقة الأمم المتحدة مع الدول الأعضاء، فلا يصح وضع الآمال على توقيع الدول على العهود الدولية، فالأمم المتحدة تحتاج إلى قوة حقيقية لتنفيذ قراراتها على الأعضاء، وهذه القوة غير موجودة حاليا، إلا في حال رغبت الدول العظمى تنفيذ قرار دولي ما. أما السلطة الأدبية للأمم المتحدة، فهي تؤثر على دول دون أخرى، فتلك الدول التي يسودها الحكم الشمولي الاستبدادي، كعراق صدام حسين سابقا، فهي أبعد من أن تكترث لإدانة تقارير الأمم المتحدة لممارساتها، مع أن العراق انضم وصدق على العهدين منذ السبعينات! ويزداد الأمر سوءا في حال ضعف السلطات الأخرى "التشريعية والقضائية" أمام السلطة التنفيذية، وضعف دور مؤسسات المجتمع الأهلي في القيام بدور المراقبة والمساءلة؛ وهذا الحال هو الغالب في أكثر البلدان النامية، فأعضاء السلطة التنفيذية يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة لحفظ مصالح شخصية، ويصعب الاقتناع بأن سلطة ما تسعى إلى فرض سيادة القانون بنزاهة إذا كان كبار أفرادها يعملون في مجال التجارة والاستثمار ويستأثرون بالمنافع، وقديما قيل: "لا تجتمع التجارة مع الإمارة"، لأنه من الطبيعي أن يتخذ هؤلاء قوة نفوذهم من أجل مصالحهم الشخصية، ولتسهيل معاملاتهم واستثنائهم من حكم القانون، لذلك تبقى المزاجية والانتقائية سائدة في تطبيق القانون في هذه البلدان. إن التوقيع على العهدين قد يعني في نظر البعض إيجاد قانون وتشريعات جيدة وفق النظرة الدولية لحقوق الإنسان، ولكن ما ينقص المملكة ليس القانون الجيد بقدر ما ينقصها التطبيق العادل وقيام السلطة التنفيذية بدورها المنوط بها، في تنفيذ القانون بلا مزاجية، فكثيرا ما يصدر قرار ويستمر انتهاكه، كما رأينا مثلا في خليج توبلي. من كل ما سبق، نعتقد أن الأمل بتغيير حقيقي يكمن بجانب القانون الجيد، بتفعيل دور مؤسسات المجتمع الأهلي إلى أقصى حد، وذلك باستمرار اليقظة والمراقبة والمساءلة من قبل الشعب بمختلف الوسائل في ظل هذه المساحة من الحرية وانكفاء الجهاز الاستخباراتي عن دوره السابق؛ وتكريس هذا الانكفاء من خلال مزيد من ممارسة الحرية على نطاق واسع شعبيا، فذلك ما سيكفل تحقيق وتفعيل سيادة القانون مستقبلا. وإن الدور الذي قام به المجتمع الأهلي وقادته "الوسط" في تصديها لجدار العزل بالمالكية مثال يحتذى به في هذا السياق، ويعتبر بمثابة تدشين لخطوة وعرف مهم في هذا الطريق. ملاحظة: يجب ألا يفهم معارضة أو تأييد الكاتب لانضمام المملكة للعهدين، فهذا مشروط على التوافق بين أقطاب المجتمع في تفسير بعض المواد والمفاهيم، خصوصا فيما يتعلق بما يراه البعض من تعارض بنود العهدين مع الشريعة الإسلامية. * ناشط بحر

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً