العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ

عندما تعبر طهران بوابة "فاطمة"

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يبدو أن طهران وخلافا لحليفتها دمشق قررت أن يكون "الهجوم خير وسيلة للدفاع" واختارت أن يكون الهجوم من الموقع الأكثر إثارة للجدل في العالم الغربي عموما حتى توصل رسالتها إلى الجميع هناك بأنه لا مجال للبحث عن "ثغرات" في جمهورية "البنيان المرصوص" بخصوص ملفها النووي، وأنه لا فائدة من المماطلة أو التسويف بشأن الاعتراف والاقرار بحقها في هذا المجال الذي تعتبره مشروعا وقانونيا وشفافا بما فيه الكفاية! فقد اختار "رجل" المرشد الأكثر ولاء لعقيدة النظام ورئيس جمهورية "البنيان المرصوص" عشية يوم القدس العالمي ليعلن من خلال ندوة تلامذة ناشئين تحت عنوان: "العالم من دون الصهيونية" بأن بلاده ليس فقط لن تتراجع قيد أنملة عن دعمها للقضية المركزية في العالم الإسلامي، لا بل إنها لاتزال تعتقد بضرورة محو "إسرائيل" من الوجود وابدالها "بحكومة شعبية فلسطينية على كل التراب الفلسطيني المحتل". انها رسائل من الوزن الثقيل جدا ليس فقط إلى واشنطن التي تسعى جاهدة إلى التضييق على الحركة الدبلوماسية الإيرانية، بل والمفاوضين الأوروبيين الذين تعتبرهم طهران أنهم "ماطلوا" كثيرا معها حتى استحقوا مثل هذا العتاب الكبير والرسالة الحازمة التي اضطر أحمدي نجاد إلى الكشف عنها في خطبته العصماء على ما يبدو يوم الأربعاء الماضي ما أثار حفيظة الإدارة الفرنسية التي أسرعت لاستدعاء السفير الإيراني لديها للاستفسار عن حقيقة ما سمعت! فبالإضافة إلى القول بضرورة "تفكيك" النظام العنصري الحاكم في تل أبيب وهو المقصود بمحو "إسرائيل" من الخريطة بالمناسبة، فقد كشف أحمدي نجاد عن أنه "وبخ" السفير الفرنسي في طهران، وان لم يسمه بالاسم، وذلك أثناء لقائه به قبل أيام على ما يبدو لما تقوم به بلاده من رعاية لمنظمة مجاهدي خلق المصنفة "إرهابية" بحسب القانون الأميركي والأوروبي، وعلى صمت باريس وجميع العواصم الغربية المطبق على ترسانة "إسرائيل" النووية وانتهاكها العلن والفاضح لحقوق الإنسان الفلسطيني والقتل المباشر مع سبق الاصرار لأطفال فلسطين أمام أعين امهاتهم "من دون ان تفتح بلادك سحاب فمها، ثم تأتيني هنا لتحدثني عن حقوق الإنسان المضيعة في بلادي"! بحسب النص الذي أورده أحمدي نجاد في كلمته التي ألقاها بالمناسبة المذكورة. ليس وحدهم الفرنسيون الذين اعترضوا على كلمة الرئيس الإيراني، فـ "إسرائيل" جن جنونها وطالبت بطرد إيران من الأمم المتحدة، وكذلك فعلت لندن وواشنطن مثل باريس، لكن الفرنسيين كانوا الأكثر ارتباكا وحرجا. والسبب ربما يعود بحسب المراقبين، بالإضافة إلى الإشارة "التوبيخية" التي وردت عن سفيرهم، إلى كون فرنسا متهمة أيضا بما يأتي: أولا: خرق اتفاق باريس الموقع على أراضيها بين الإيرانيين والترويكا الأوروبية حول الملف النووي الإيراني، من خلال عدم الوفاء بتعهداتها القانونية في هذا المجال. ثانيا: انها رأت نفسها الأكثر معنية من غيرها بـ "الصراع التاريخي بين العالم الإسلامي وعالم السيطرة والنفوذ الذي يمتد لثلاثمئة عام خلت" كما ورد في كلمة الرئيس الإيراني، إذ ربما تكون فرنسا شعرت بذنوبها التي لم تشف منها بعد بخصوص مجازر الحروب الصليبية، وثالثا: وأخيرا وليس أخرا ربما رأت نفسها معنية أكثر هنا من خلال موقفها المثير للشك والترديد بخصوص هرولتها غير المبررة وراء واشنطن وتل أبيب بخصوص الموقف المسبق والمبرمج ضد سورية وسلاح حزب الله والفلسطينيين في لبنان وهي التي تعرف أكثر من غيرها ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى طهران إذا ما قررت اتخاذ أسلوب "الهجوم خير وسيلة للدفاع" للدفاع عن مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة! ان عدم اعتراف طهران بالكيان الإسرائيلي وتخوفها من موجة "التطبيع" التي بدأت تحيط بإيران مع "إسرائيل" واعتبار مسألة دعم الفلسطينيين لاستعادة حقوقهم التاريخية المضيعة أولوية دائمة، هو جزء ثابت في العقيدة السياسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعندما يؤكدها أحمدي نجاد في كلمة علنية بحضور عميد السلك الدبلوماسي في طهران وممثلين لحماس وحزب الله لبنان، فإنه لا يأتي بجديد، لكن التوقيت هو المهم هنا. فعندما يقرر رئيس الجمهورية أن يكون هو المتحدث في هذا السياق، فإن ذلك يعني أن طهران تريد فعلا إرسال عدة رسائل في آن معا في هذه اللحظة الصعبة من "الصراع": أولا: ان على الأوروبيين المفاوضين بشأن الملف النووي أن ينسوا قضية الصفقة - المحفزات التي سبق لهم أن طرحوها مع الوفد النووي الإيراني المفاوض السابق والتي احتوت فيما احتوت إشارات خطيرة عن منظمات وفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وشبهة الإرهاب التي أريد الصاقها بها أثناء الحديث عن التعاون لمكافحة الإرهاب! ثانيا: ان على الأوروبيين الذين يحضرون لاجتماع مجلس حكام الوكالة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل ومن ورائهم واشنطن أن يطمئنوا تماما إلى أن طهران ليست بصدد تقديم تنازلات جوهرية بخصوص حقها الثابت في دورة نووية كاملة للأغراض السلمية. ثالثا: ان الدفاع عن الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وكل حلفاء طهران عندما يتعلق الأمر بالصراع حول فلسطين والقضايا الكبرى هو دفاع عن الأمن القومي الإيراني باعتبار أن "الصراع التاريخي" كما ورد في كلمة أحمدي نجاد لا يمكن تجزئته ومن "يجزئه" فإنه يقع ضحية "فتنة" مدبرة لاشغال العالم الإسلامي بعضه ببعض كما جاء في الكلمة التي أثارت تحفظات الغربيين مجتمعين! ثمة سؤال بسيط، لكنه مشروع جدا يطرح على لسان كل عربي ومسلم هذه الأيام، هو: لماذا تتوقف كل مشروعات التحقيق الدولي وأحاديث حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية وعمليات القتل والإرهاب المنظم والتمييز العنصري وغير العنصري عند بوابات الدولة العبرية؟! ألم تستبح جنين جهارا نهارا والعالم الغربي سكت، بل وقع وأمضى على قتل لجنة التحقيق الدولية الخاصة بكشف جريمة الإبادة الجماعية في جنين؟! ألم يقتل أبوعمار مسموما وسكتت كل مجاميع الغرب، بل وغطت فرنسا ذلك "إنسانيا" حتى لا تغضب "إسرائيل" المدللة؟! أمثلة حديثة فقط من عشرات، بل مئات مكرسة في ارشيف التاريخ الثقيل الذي يعج بمظالم عالمنا الإسلامي المثخن بجروح الجغرافيا فضلا عن التاريخ؟! أين هي حفيظة هذا "المجتمع الدولي" تجاه هذا الجرح النازف في قلب عالمنا الإسلامي الذي يراد ذبحه من الوريد إلى الوريد في فلسطين، ولا تترك هذه "الحفيظة" الا عندما يتجرأ أحد على عبور "بوابة فاطمة" الجنوبية اللبنانية ليرمي "إسرائيل" بحجر حتى لو كان ذلك الحجر من "الكلام" فيصبح "المباح" حراما؟! * مدير منتدى الحوار العربي - الإيراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1148 - الخميس 27 أكتوبر 2005م الموافق 24 رمضان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً