العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ

الحريات الفردية

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

الاثنين الماضي، تداعى أكثر من 200 شخص من الناشطين من الرجال والنساء الذين باتت تؤرقهم قضية الحريات الفردية. وعلى مدى ساعتين، راح هؤلاء يناقشون أوضاع الحريات الفردية في البحرين والخوف الذي بات يعتري الكثير من تحولنا إلى مجتمع مغلق لا يتمتع فيه مواطنوه بحرياتهم. لاحظت انه ليس هناك مفهوم واحد للدفاع عن الحريات الفردية يجمع كل هذا الخليط الذي ينتمي لجمعيات سياسية وجمعيات أهلية أخرى ورجال أعمال وناشطين وأفراد مستقلين وكتاب صحافيين. فهناك من يرى ان الحريات الشخصية جزء من قضايا أخرى أكثر أهمية مثل التمييز والتعديلات الدستورية والفساد الإداري، وهناك من انطلق في معالجته لوضع الحريات الفردية من منطلق علاقتها العضوية بالاقتصاد حيث الاقتصاد يتنامى مع احترام الحريات الفردية ورسوخها. آخرون دعوا إلى التحالف مع الحكومة وآخرون دعوها للتدخل بطريقة تفصح عن تحريض. لقد تراوحت الطروحات في ملتقى الاثنين ما بين تحليل لنزعات متنامية لتقييد الحريات الفردية، واستعراض لمحاولات التعدي عليها وتقييدها إلى التحذيرات من مخاطر غياب الحريات الفردية. لكن أحدا لم يناقش موضوع الحريات الفردية كقيمة أساسية مجردة، الحريات الفردية بحد ذاتها ضمن منظومة الحريات ومن دون ربطها بالاقتصاد أو السياسة. أي الدفاع عن الحريات الفردية باعتبارها حقا أصيلا للفرد يتعين على المجتمع والحكومة احترامها وصيانتها. لم أجد أي فهم من هذا النوع في التعامل مع قضية الحريات الفردية سوى إشارة عابرة في ورقة الناشط عبدالنبي العكري على انها حق أصيل وليست حقا مكتسبا. كون الحريات الفردية حقا أصيلا وليس مكتسبا، يعني ان علينا ان ندافع عنها كحق ثابت وليست ملحقة أو مربوطة بحقوق أخرى أو أوضاع ما. فالحريات الفردية أسبق من الحريات السياسية، وهذه الأخيرة لا تكتسب أي معنى طالما ان الأفراد مقيدين ويخضعون للهيمنة والتسلط من أي نوع في حرياتهم الشخصية. فالحرية السياسية وحرية التعبير ليس لها معنى مع فاشية تهيمن على الأفراد سواء من قبل السلطة أو من قبل رجال الدين أو حزب سياسي أو أية جهة أخرى. ما قيمة صندوق الاقتراع إذا كان الناخبون سيذهبون اليه وهم لا يتمتعون بحرية اختيار ملابسهم؟ أو حرية اختيار طريقة حياتهم؟ أو أنهم خاضعون للرقابة في الشوارع من قبل جيش من الوشاة الذي يحصي عليهم سكناتهم وحركاتهم ويحدق في أشكالهم وثيابهم وخصلات شعور الفتيات؟ ليست هناك أية قيمة للحرية السياسية التي يمارسها الجميع الآن، أولئك الذين يرون في الحريات الفردية انحرافا أم أولئك الذين يؤكدون انها حق أصيل لكل فرد. لأولئك الذين لا يرون من الحريات سوى الحرية السياسية من تأسيس أحزاب وجمعيات ومنظمات، عليهم ان يفحصوا قيمة هذه الحرية أمام هذه الفاشية التي يسلطونها على الأفراد من النساء والرجال في صميم حياتهم اليومية. ان يختبروا قيمة الحرية السياسية وهم يضعون لوائح تفصيلية للناس ضمن دليل للمواطن النموذجي: ماذا يتعين عليهم ان يلبسوا، ماذا يتعين عليهم ان يقرأوا من كتب، ماذا يتعين عليهم ان يشاهدوا من محطات تلفزيونية، كيف يتعين عليهم ان يسيروا في الشارع، ليسوا أحرارا في الذهاب إلى الأسواق، ليسوا أحرارا في مشاهدة السينما، ليسوا أحرارا في اختيار أي شيء أو تصرف بعيدا عن اللائحة النموذجية القسرية التي يراد فرضها عبر القانون. وعلى أولئك الذين ينوون الدفاع عنها مربوطة بقضايا أخرى، ان يروا قيمة هذه القضايا الأخرى طالما ان الفرد مسلوب في حريته الشخصية. الحكومة في المنتصف، لكنها ليست الجهة التي يتعين على المدافعين عن الحريات الفردية التحالف معها، فهي التي تسببت في هذا كله عندما لم تنطق طيلة ثلاث سنوات بكلمة واحدة تؤكد ان الحريات الفردية يجب ألا تمس تحت أي مبرر. لقد تغافلت عن هذا وجبن ممثلوها في ان يعلنوا أمام تلك الاقتراحات التي ترددت في مجلس النواب ان المقترحات تتعارض مع الدستور لأنها تنتقص من الحريات الفردية. لم يعلنوا في يوم ان إنشاء أجهزة من الوشاة والمخبرين مهمتها مراقبة الناس في الشوارع تصرف غير دستوري لأنه ينتهك الحريات الفردية المثبتة في الدستور. وهذا الدستور الذي لا يتذكره ممثلو الحكومة ولا أصحاب هذه الاقتراحات ولا النواب ولا أحد خارج المجلس، ثبت منظومة الحريات الشاملة سواء الحريات العامة والحريات الفردية. ان الدعوة للتحالف هنا تبدو كمن يحاول الاحتماء بسلطة القسر التي تتمتع بها الدولة في مواجهة تيار آخر من الشعب يقف موقفا مغايرا في موضوع الحريات. أي انها دعوة للاستعداء مثلما حذر منه الدكتور أحمد العبيدلي في الملتقى نفسه. الأصح ان علينا تذكير الحكومة بما تناسته: واجبها الأساسي في حماية الحريات وفق القانون لا التحالف معها. فالحريات الفردية ليست قضية طارئة أو خلافا ثقافيا لكي يتم الدفاع عنها بالتحالفات، بل هي حق أصيل للناس والدفاع عنها وحمايتها من صميم واجبات أية حكومة في العالم

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1177 - الجمعة 25 نوفمبر 2005م الموافق 23 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً