العدد 1179 - الأحد 27 نوفمبر 2005م الموافق 25 شوال 1426هـ

الداخلية والخارجية في عهدهما الإصلاحي... مهمات تنتظر التحقق

غازي المرزوق comments [at] alwasatnews.com

ثمة قواسم مشتركة تجمعها عوامل مهمة بين وزارتي الداخلية والخارجية كانت غائبة، أو مغيبة ربما، عن أعين المواطنين، اتضحت جليا بعد تدشين العهد الجديد الذي أرسى دعائمه عاهل البلاد مطلع القرن الجاري. وغير خفي على أحد مدى الجوانب الإيجابية التي بدأ المواطن يتلمسها، سواء فيما يتعلق بالداخل "التوظيف في الوزارة" أو بالخارج "إلغاء قائمة الممنوعين"، ونود أن نشيد هنا بجدية وزير الداخلية بهذا الخصوص "التوظيف"، فيما نتطلع إلى تفعيل قرار إلغاء القائمة من جانب آخر. وهذه محاولة لتسليط الضوء على الفعاليات والإنجازات التي قامت بهما الوزارتان، وعلاقتهما بالمجتمع ككل، ومن ثم نتطرق إلى أمور التنسيق والتعاون التي تهم المواطن، ويؤمل أن تتم بين الوزارتين، وهي من شأنها الارتقاء بالمواطن البحريني بما يعود بالمنفعة على الوطن ككل.

"الخارجية"... أول الغيث

في العام الماضي نظمت الجمعيات السياسية الأربع "الوفاق الوطني الإسلامية، العمل الإسلامي، التجمع القومي الديمقراطي والعمل الوطني الديمقراطي"، مؤتمرا دستوريا دعت إليه عددا من الشخصيات العربية والأجنبية، إلا أنه صدر قرار حكومي بمنع دخول بعض تلك الشخصيات، فيما منعت شخصيات بحرينية من دخول دولة الكويت بالتزامن مع عقد المؤتمر الدستوري. وبرر الأمر الأخير من جانب الحكومة بأنه شأن كويتي لا علاقة لها به، فيما برر الأمر الأول بأنه شأن بحريني. وفيما يخص هذا الأمر، وأمورا أخرى، رفعت الجمعيات السياسية الأربع رسالة إلى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية آنذاك الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، وذلك مطلع مارس/ آذار ،2004 تضمنت دعوة من الشيخ محمد بن مبارك إلى الجمعيات الأربع، إذ التقى ممثلوها بالوزير في ديوان الوزارة. ويعد هذا اللقاء أولى المبادرات التي تتم بين جمعيات معارضة ووزير الخارجية، وهو ثمرة من ثمار العهد الإصلاحي. وخلال اللقاء الذي أعرب فيه رؤساء الجمعيات عن تقديرهم للحوار الذي جرى مع الوزير، طالب وفد الجمعيات بأن تتجه السلطة إلى فتح باب الحوار مع الجمعيات السياسية المعارضة بشأن مختلف القضايا وخصوصا المسألة الدستورية، فيما دعا الوزير الجمعيات إلى المشاركة في العملية البرلمانية والإسهام في دفع التجربة إلى الأمام. ولم يكتف وفد الجمعيات الأربع بالمطالبة بإلغاء قائمة الممنوعين، بل تطرق خلال اللقاء إلى مسألة المعتقلين البحرينيين في غوانتنامو، وقضية اعتقال المواطن البحريني الشيخ محمد صالح في المملكة العربية السعودية، الذي أفرج عنه لاحقا "أبريل/ نيسان 2004". ويومها، صدر بيان عن الجمعيات الأربع، أشاد باللقاء وبترحيب وزير الخارجية، وأعرب عن أملها بأن يكون ذلك فاتحة لخلق آلية للحوار بين المعارضة والسلطة السياسية في البلاد.

"الداخلية"... القاسم المشترك

وتواصلا مع مسألة "قوائم الممنوعين" وأمور أخرى، التقى وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وفدا من جمعية الوفاق، ترأسه الشيخ علي سلمان، وذلك مطلع أغسطس/آب الماضي. وخلال اللقاء الذي وصفه الوفد بـ "الإيجابي"، تم تأكيد مداومة التواصل والحوار بين الوزارة والجمعية، وبحث الجانبان قوائم الممنوعين، ومنع بعض المواطنين من الدخول لبعض الدول، فيما طلب الوزير تزويده بقائمة أسماء من يتعرضون لمضايقات أثناء خروجهم من البحرين. وحينها أبدى وفد الوفاق تقديره للروح الإصلاحية التي يتحلى بها الوزير على رغم الفترة القصيرة له في الوزارة. مع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، خرجت مسيرتان شعبيتان بمناسبة "يوم القدس العالمي" الذي دعا إليه مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام الخميني. ففي المحرق خرجت مسيرة تقدمها محافظ المحرق سلمان عيسى بن هندي والشيخ حسين النجاتي، فيما خرجت المسيرة المركزية في ضاحية السيف وضمت جمعا غفيرا من المشاركين يتقدمهم الشيخ عيسى قاسم والسيد عبدالله الغريفي. وبدا واضحا دور وزارة الداخلية في التنظيم، متمثلة في الإدارة العامة للمرور، من حيث تنظيم السير وإغلاق المنافذ المؤدية إلى طريق المسيرات، فيما لم تسجل أية مخالفة أمنية بهذا الصدد. على الجانب الآخر، يجري الحديث عن ترتيبات متسارعة لفتح مكتب تمثيلي إسرائيلي، التزاما بتنفيذ قرار اتفاق التجارة الحرة، بعد أن استدعى مجلس النواب في أكتوبر الماضي وزير الخارجية لمناقشة قضية إغلاق مكتب مقاطعة "إسرائيل" في البحرين. وفي هذا الصدد، برر وزير الخارجية "الجديد" الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة قرار إغلاق المكتب، في أحد تصريحاته، بأن مصلحة المواطن البحريني أملت ذلك، مشيرا إلى أن القرار بهذا الشأن يبقى بيد المواطنين فيما لو أرادوا شراء بضائع إسرائيلية، وبيد التجار أيضا تحديد ما إذا استوردوا بضائع من "إسرائيل"، لافتا إلى أن قرار إنهاء المقاطعة لا يعني التطبيع مع "إسرائيل".

خطوات متسارعة

منذ تعيينه وزيرا للداخلية بمرسوم ملكي في نهاية مايو/أيار 2004 سعى الشيخ راشد بن عبدالله إلى قلب الصورة من خلال إظهار الوجه الحسن للمهمات المنوطة بوزارة الداخلية والقائمين عليها، إذ تعهد بعدم التعرض للمسيرات وصون حقوق الإنسان، واستمرار إحلال البحرينيين بدل الأجانب في الأجهزة الأمنية. ففي أول لقاء صحافي جمع الوزير بالصحافة المحلية مطلع يونيو/ حزيران 2004 خلال اللقاء الأسبوعي للجنة الوزارية في مجلس الوزراء "اللقاء توقف منذ فترة من دون توضيح لأسباب توقفه"، أعلن الوزير أن وزارته لن تعترض مسيرة سلمية، وأكد أهمية الشفافية في التعامل الأمني وحرية التعبير ودور الوزارة في حماية هذه الحرية، واعتبار حقوق الإنسان أمرا مركزيا في تدريب عناصر الأمن. وبالنسبة إلى التوظيف في الداخلية، كانت هناك مساع جدية لإحلال البحرنة في صفوف الأمن، إذ شرعت الوزارة في إعداد خطة شاملة للتجنيد والترفيع والتقاعد، وبدأت الوزارة ببناء الثقة بينها وبين المواطن حينما قرنت القول بالفعل وعمدت إلى فتح بابها لجميع المواطنين.

"شرطة المجتمع"... بداية البحرنة

وفي خطوة تشجيعية، أصدر وزير الداخلية قرارا وزاريا بتعديل جدول رواتب ضباط الصف والأفراد بالوزارة، بحيث يكون الحد الأدنى للرواتب 200 دينار. وجاء هذا التعديل متوافقا مع رواتب العسكريين المنتسبين إلى قوة الدفاع والحرس الوطني. وخلال لقاء نظمته محافظة المحرق بالمركز الشعبي مطلع يوليو/ تموز ،2004 أعلن الوزير أن الوزارة بصدد تفعيل مشروع "شرطة المجتمع" في المحافظات الخمس من خلال توظيف 500 من أهالي المحافظات، بمعدل 100 لكل منها تتبع المحافظ وتدعمه في المجالين الأمني والاجتماعي. ونوه بأن التجنيد سيشمل جميع أبناء البلد وفق معايير وشروط محددة. وفي المقابل، لفت الوزير إلى إنهاء عقود بعض العاملين الأجانب، وأن الأمر سار على جميع من انتهت مدة خدمتهم. وذكرت الصحافة حينها أنه تم تسريح 50 في المئة من كبار الموظفين الأجانب في الوزارة خلال عام، وأن هناك برنامج توظيف يسع الآلاف ويستهدف بحرنة عدة أقسام وإدارات في الوزارة، فضلا عن برنامج ترقيات لآلاف الموظفين. وعلى هذا الأساس تم خفض موازنة الوزارة من 111 مليون دينار إلى 110,5 ملايين، أي بمقدار نصف مليون دينار. وفي نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وفى الوزير بوعده وتحقق حلم المواطنين، حين قام وزير الداخلية برعاية حفل تخريج الدفعة الأولى من شرطة المجتمع البالغ عددهم 199 متدربا ومتدربة، بالإضافة إلى تخريج الدفعة الأولى من الضابطات الجامعيات والبالغ عددهن 12 خريجة. وفعلا، أصبح مشاهدة شرطة المجتمع في الشوارع والأسواق والمتنزهات أمرا عاديا، على رغم أن غالبية المواطنين، إن لم نقل جلهم، لم يستوعبوا بعد مهمات هؤلاء الشرطة، مع أن قسم العلاقات العامة بالوزارة قام بنشر أخبار ومقالات توعوية توضح للرأي العام طبيعة عمل شرطة المجتمع، بالإضافة إلى المقالات التي كتبها محررو الصحف المحلية، والتي كما نعتقد لم تجد نفعا في إيصال الرسالة بصورة كاملة. وكان وفد الوفاق الذي التقى الوزير قد طلب معلومات تتعلق بمشروع تأسيس شرطة المجتمع، من حيث أهدافه وفلسفته والمهمة المنوطة به، بهدف حث الناس وتوعيتهم بأهمية المشاركة في هذا المشروع، ضمن اهتمام الجمعية بالتصدي لملف البطالة بعيدا عن أي نوع من التمييز. وفي خضم هذه الفعاليات والإنجازات، ينبغي أن نتطرق إلى دور الوزير الحالي في فتح أبواب السجون للجمعيات الحقوقية، وللصحافة التي قامت بتغطية كيفية سير الأوضاع في السجون من الناحية البيئية والاجتماعية والنفسية وغيرها.

انفتاح الوزيرين

خلال لقائه بقناة "العربية" صرح وزير الخارجية بأن علاقة البحرين بالحوزات العلمية كانت جيدة منذ عقود، وأن الأمير الراحل قام بزيارة النجف مرتين، مرجعا نشاطه الملموس "الوزير" تجاه منظمة الإمام الخوئي إبان عمله سفيرا للمملكة في لندن، إلى رغبته في التواصل معها، ووصف المنظمة بأنها مؤسسة إسلامية كبرى درجت على عقد مؤتمرات للحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية. وعلى ضوء ذلك، قام السيد عبدالمجيد الخوئي بزيارة البحرين والالتقاء بجلالة الملك وطرح فكرة إقامة مؤتمر للحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية في المنامة، وتم عقده فعلا. ومن هذا المنطلق، فإن ما يقرأه المرء للوهلة الأولى في الوزير، أنه رجل واع ومنفتح على الجميع من دون تمييز، وهو ما يدعونا إلى التفاؤل وإبداء الملاحظات عليه من دون تكلف. في المقابل، كان وزير الداخلية أحد مستقبلي المفكر الإسلامي السيد هاني فحص لدى زيارته البحرين في مطلع أغسطس الماضي، إذ ثمن الوزير دور فحص في التوعية وبث الثقافة الدينية من خلال محاضراته التي يدعو فيها إلى اتباع السلوك الإسلامي الصحيح ونبذ التطرف والإرهاب. فيما قام الوزير في منتصف مارس الماضي بزيارة للسيد عبدالله الغريفي في مجلسه بمنطقة النعيم، كما قام في اليوم ذاته بزيارة الشيخ عبداللطيف آل محمود، وأعرب خلال زيارته عن تقديره لدور رجال الدين في خدمة الشريعة الإسلامية، وتوعية المواطنين بواجباتهم ومسئولياتهم تجاه الدين والوطن، والتأكيد على كل ما من شأنه ترسيخ الوحدة الوطنية. ويتضح لنا مما سبق أن الوزيرين منفتحان على جميع الأطراف ويسعيان للتحاور مع الأطياف كافة، ومستعدان لاستماع الرأي الآخر، وهو ما كنا نفتقده إبان عهد أمن الدولة المقبور.

أملنا في الوزارتين

في أحد اجتماعات وزارة الداخلية تم طرح فكرة تخصيص بعض المهمات للقطاع الخاص، مثل الحراسة والنقل والمواصلات التابعة للمرور وبعض المهمات الخدمية في الوزارة، ولكننا حتى الآن لم نر تنفيذ ذلك، كما لم نلمس بحرنة هذه المهمات 100 في المئة، ففي حين تعج المملكة بالعاطلين من أبناء البلاد فإننا نرى حراس القنصليات والبعثات الدبلوماسية معظمهم من الأجانب، فضلا عن حراس بيوت وسكن رؤساء وموظفي تلك البعثات. كذلك فإن شوارع المملكة تغص بالسيارات الدبلوماسية "هيئة سياسية" التي يقودها الأجانب ولاسيما الآسيويون منهم، ولا نعلم كيف يتم اختيار هؤلاء السواق ومن يختارهم، أهي وزارة الخارجية البحرينية أم سفارة البلد نفسه، مع العلم بأن السائق غالبا ما تكون جنسيته مغايرة لجنسية السفير أو القنصل، بخلاف البلدان الأخرى التي تحاول إقحام مواطنيها في جميع الوظائف للتقليل من حجم البطالة، وهو ما يتطلب تدخل الوزير الشيخ خالد بن أحمد، الذي صدر مرسوم ملكي بتعيينه في نهاية سبتمبر الماضي. فالوزير الذي منح وسام البحرين من الدرجة الثانية تقديرا لعمله منسقا عاما للخلاف الحدودي مع قطر، فضلا عن مؤهلاته العلمية والعملية الأخرى، ليس بعزيز عليه إصدار قرار يقضي ببحرنة جميع العاملين في السفارات والقنصليات ممن يتم توظيفهم داخليا. والمعروف أن هذا الأمر يرجع في الأخير لإدارة المراسم التابعة لوزارة الخارجية، إذ من المسئوليات والواجبات الرئيسية لها "متابعة إنهاء معاملات العاملين بالبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى المملكة، من إصدار تأشيرات دخول وإصدار رخص الإقامة ورخص السواقة مع الجهات المختصة بالمملكة". ونشير هنا إلى أن المقصود ببحرنة العاملين، هم من يتم توظيفهم داخل المملكة فقط وليس ممن تجلبهم البعثات الدبلوماسية معهم. مبعث هذا التفاؤل هو لقاء الوزيرين مطلع الشهر الجاري في ديوان وزارة الداخلية، إذ استعرضا سويا آفاق التعاون والتنسق بين الوزارتين في القضايا التي تهم الجانبين، والارتقاء بآليات تفعيلها بما يخدم الوطن والمواطن... وهو ما يعد من اللقاءات النادرة سابقا بين وزارتين سياديتين على حدة، بخلاف الاجتماع الاعتيادي الأسبوعي للوزراء كافة.

الخلاصة

نستنتج مما سبق، أن ثمة أملا بفتح منفذ يطل على نافذة هاتين الوزارتين يمكن المجتمع المدني من خلاله من التحاور معهما من دون تعقيد، وبرغبة ذاتية من مسئوليها الذين نتوسم فيهم أن تبقى أبوابهم مفتوحة دائما للمواطنين، في وقت باتت فيه جميع دول العالم وخصوصا النامية منها "البحرين أحدها" تحاول اللحاق بركب التنمية الاقتصادية من خلال إصلاحات سوق العمل أو الدخول في اتفاقات تجارة حرة من جهة، فيما المواطن يلهث وراء لقمة العيش التي بالكاد يحصل عليها وبعد عناء، وربما يبيت آخرون عند مستوى الكفاف

العدد 1179 - الأحد 27 نوفمبر 2005م الموافق 25 شوال 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً