العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ

الشعور بالأمان

محمد فاضل العبيدلي

مستشار في مركز دبي لبحوث السياسات العامة

أين موقع اللثام في الديمقراطية؟ يقول المواطن موسى عبدعلي الناشط في لجنة العاطلين عن العمل، انه تعرض لاعتداء امام منزله من قبل «ملثمين» هددوه بإلغاء تظاهرة للجنة العاطلين. وبعد يومين تعرضت دوريتان للشرطة لهجوم في ذروة يوم من التظاهرات والمناوشات وأعلنت الداخلية ان بعض الاشخاص قاموا بذلك. وفي خضم هذا، دعت لجنة العاطلين لمسيرة وألغتها، لكن شباناً تظاهروا وقامت قوات الأمن بتفريقهم مستخدمة الغازات المسيلة للدموع. وتباعا فرقت الشرطة مسيرة أخرى في مدينة عيسى واعتقلت الناشط عبدالهادي الخواجة لساعات وأطلقت سراحه. وفي العام ،2002 تعرض مواطن بحريني آخر لنفس ما تعرض له عبدعلي، اختطاف وضرب على يد مجهولين. وفي العام نفسه، هوجمت سيارة تابعة للشرطة في سترة من قبل ملثمين رشقوها بزجاجات المولوتوف واحترقت. ما هو الخيط الذي يجمع كل هذا؟ اللثام والمولوتوف؟ ومنذ حادثة سترة وحتى اليوم لم نعرف من قام بذلك الفعل، لكن اضيفوا إلى ذلك نتيجة لا يمكن الاشاحة عنها، ثمة من سيقول: «انظروا هذه هي الديمقراطية التي تريدون». أخطر ما في هذا الانطباع الباقي من وراء غبار التظاهرات ودخان مسيل الدموع أن مثل هذا الانطباع أصبح متداولاً بين الناس لا الحكومة فحسب ولا أولئك الذين تشكل الديمقراطية لهم عبئاً لا يطاق. أي ان هذا الانطباع أصبح انطباعا «شعبيا». هذا أخطر ما في الامر. لكن في غمرة هذا كله يضيع أمر آخر أكثر أهمية: «الشعور بالامان». إذا كانت قضية المواطن موسى عبدعلي قيد التحقيق وفق القوانين، فإنها جاءت لكي تستثير كل حواسنا وتستثير مشاعر الخوف من جديد. لقد تعرض المواطن حسب شكواه لاعتداء من مجهولين أمام منزله، وترك الحادث لنا انطباعاً وحيداً مرعباً: اننا لسنا في أمان. أي مواطن يمكن ان يتعرض لمثل ما تعرض له عبدعلي. ولو قلبنا الاحتمالات كلها في مسعانا لمعرفة من يقف وراء هذا الاعتداء، فلن نظفر إلاّ بمزيد من القلق. التفسير من وجهة نظر عبدعلي مرعب: الناشطون لا يملكون شعوراً بالامان. التفسير من وجهة نظر أخرى: تصفية حسابات شخصية أو عداوات قديمة. تفسير أكثر رعباً. تفسير ثالث: طرف استغل الامر وأراد أن يخلط الاوراق ويعمل على تأزيم الاوضاع؟ تفسير مبالغ في الرعب. تفسير رابع: جهاز مخابرات خارجي لدولة أخرى؟ اترك الأمر لخيالكم. لكن في كل الاحوال النتيجة واحدة: ليس لدينا شعور بالامان. والمؤسف ان الحماسة التي تحدث بها قائد شرطة أمن المنامة عن ملاحقة الجناة الذين أحرقوا سيارتي الشرطة، لم نلمس مثلها منذ أن أعلن عبدعلي عن تعرضه للاعتداء. ربما تدارك الوزير الشيخ راشد بن عبدالله الأمر عندما استقبل المواطن وأعلن أن التحقيق في الاعتداء عليه سيكون شغله الشاغل. ما تداركه الشيخ راشد هو بالضبط هذا الانطباع الوحيد الباقي من حادثة الاعتداء على عبدعلي. ان نشعر بأننا نفتقد للأمان. المؤسف أيضاً ان ممثلي الشعب المنتخبين، أعني النواب الذين أصدروا بياناً بشأن حوادث الاسبوع الماضي، تناسوا حادثة تعرض مواطن لاعتداء من قبل مجهولين إلى الحد الذي خلا فيه بيانهم من أية اشارة لها. أية اشارة تماماً وكأن هذا الحادث وقع في بلد آخر. انشغلوا بشجب التوتر والعنف مثل جاري عادتهم ولم يروا في حادثة الاعتداء ما يستدعي التوقف. لقد تم التعامل مع الأمر تحت قبة البرلمان بمنطق المساومات التي اعتادها النواب بابتذال في الآونة الأخيرة. لعل هذا ما فسر المبالغة من الجانب الآخر في أن يطلب بعض النواب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في حادث هو من صميم اختصاص وزارة الداخلية المسئولة عن اشاعة الامان. لقد وضع هذا المقترح للمساومة مع اقتراح آخر بتشكيل لجنة تحقيق أخرى أكثر أهمية، لجنة تحقيق عن شركة النفط «بابكو». كانت النتيجة بمنطق الأخوة النواب المأخوذين بالمساومات أن سقط تشكيل لجنة بشأن الشركة التي تملك عصب حياتنا (النفط) وتناسوا دورهم كممثلين منتخبين من الشعب في مفصل حيوي ومهم: الشعور بالأمان لكل مواطن. لا يهمني ماذا يقول موسى عبدعلي وما هي آراؤه وما إذا كان معتدلاً أم متطرفاً، ما يهمني فيه رباط وحيد هو شعوره هو وأنا كمواطنين بحرينيين بالأمان. وإذا كان عبدعلي دفع ثمن نشاطه في لجنة العاطلين، فهل يتعين علي أن أتوقع المثل بسبب مقالاتي أو نشاطي النقابي مثلاً؟ وهل يتعين على الناشطين في أية قضية أن تصلهم الرسالة واضحة من دون لبس: احذروا فقد تتعرضون لمثل ما تعرض له. لكن هذا يتعدى الناشطين وكل أولئك الذين يملأون أيامنا بالتصريحات والخطب الى المواطن العادي نفسه. أي بالضبط ذلك الاحساس بأن أحداً يترصدك ويملك الجرأة في أن يطرق باب منزلك أو يكمن لك في مكان ما ويعتدي عليك. أما الفضيحة فهي أن تغيب العبرة من حادثة المواطن موسى عبدعلي في هذا الغبار المثار كله. سنعود بعد هذا لنتساءل: من يتحمل المسئولية؟ وكم هو مخيف أن يفقد نواب الشعب المنتخبون إحساسهم تجاه مواطنيهم الى هذا الحد

إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"

العدد 1187 - الإثنين 05 ديسمبر 2005م الموافق 04 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً