العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ

لكم أن تتصوروا

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

يخرج علينا أحدهم لـ «يسوّد» مساحةً في صفحة من صحيفة فيخلط الحابل بالنابل، وكأنه جالسٌ مع أصحابه في مقاهي الشيشة يتحدّث بلهجتهم ويسمعهم ما يحبون سماعه. تراه لا يفرق بين كلمة «الاستقلال» العظيمة، وكلمة «الاستغلال» القبيحة، ولا فرق عنده في الكتابة بين «التغاضي» و«التقاضي»، فيكتب الثانية مكان الأولى، ولكم أن تتصوّروا الفرق الشاسع بين الثريا والثرى؟ هذه اللغة «الشوارعية» تخرج من مقاهي الشيشة، ومن هناك إلى المطبعة مباشرة، وكأنها لا تمرّ عبر مسئول قسم، أو قسم تصحيح، أو حتى مُراجع في «الديسك»، أو سكرتير تحرير، أو مدير تحرير، أو «البوس» الكبير جداً رئيس التحرير، وإلاّ كيف نتصور أن تتكرر كلمة «كلاب وكلب» (أجرب وضاري ومنبوذ) عشرين مرة في فقرتين فقط، وكلمة ذئاب تتكرّر مرتين بإسقاطاتها السياسية على بحرينيين يخرجون إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق، أو للبحث عن العدالة المفقودة، أو المطالبة بلقمة عيش كريمة لسد الجوع، أو سكن لائق يتذكر أطفالهم كل زاوية من زواياه عندما يكبرون؟، المسألة أكبر من «مسوّد» مساحة من ثمانمئة كلمة في صحيفة، كان من المفترض أن تحترم القارئ، لا أن تستفزه بلغة «شوارعية» مقززة تنفخ في الطائفية، وهي التي تدّعي محاربتها صبح مساء، القضية أكبر وأكبر من ذلك: إنه «السِسْتم»، وما أدراكم ما «السِسْتم» عندما يوجه الناس بـ «الروموت كونترول»» فوقتها، الناس يرضعون من حليب «التحكم عن بعد» من قبل «السِسْتم» ومن في حكمه مع الذين يختلفون معهم خارج السِسْتم، وهنا أمامهم خياران: اما خائن، أو «كلب أجرب» لا يستحق العيش على هذه الأرض التي لا «ينعق فيها الغراب». إنه «السِسْتم» وأدواته القديمة إذاً. فكيف بآلات من هذا النوع تعصرن نفسها في عهد جديد وهي عتيقة بالية إن لم تنفخ في الكراهية لاستمرار بقائها، نتفهم أن تخرج مثل هذه الكلمات من «مدمن» مقاهي الشيشة، يتلفظ بما يشاء من كلمات نابية، أو «عكوفية» (تلفظ بالجيم المصرية)، لكننا لا نفهم كيف بمؤسسة إعلامية يفترض انها محترمة أن تنشر هذه التفاهات على صفحاتها، وكأنها تتفاخر بما تنشر لحرق المجتمع، بدل «دعسة» زر الصحافة قبل استفحال الخطر في المجتمع. السِسْتم هو هو» والوجوه هي هي، والكلام الذي يقال في السابق يتكرر اليوم بلغة أكثر وقاحة، وتحتضنه مؤسسات لا تعرف، على ما يبدو، أن تعيش إلاّ بلغة الكراهية وبث السموم وتشويه الآخر واحتقاره، فالذين كانوا يعارضون الديمقراطية في السابق وكانوا يعتبرونها «صناعة غربية كافرة وغريبة عن المجتمع»، هم الآن يحملون لواءها ويزايدون في أطروحاتهم عنها، وكأن الديمقراطية لا تتجاوز مقاسهم، وإلاّ فإن المطالبين باستحقاقاتها» اما «كلاب أو ذئاب»، أو «الاثنان معاً،». هؤلاء، ومن في حكمهم، عند «السِسْتم» العتيق ­ الجديد للأسف، هم الخير والبركة، وهم الانتماء الحقيقي كله، وهم الشرف الوطني بكل معانيه، غير أن هؤلاء ومن في حكمهم يقدمون خدمة جليلة لتشويه الوطن، لتنطبق عليه (الوطن) مقولة المفكر الإيطالي الشهير غرامشي: «القديم مازال قديماً» والجديد ينتظر الولادة،». ترى، كيف نصدق شخصاً، كان إلى وقت قصير يصب اللعنات «البابلية والفرعونية» على المنظمات الحقوقية، ومنظمة العفو الدولية ويعتبر ناشطيها عملاء ومدسوسين، وربما «كلاباً وذئاباً»، ويؤيد زيادة صلاحيات «محكمة أمن الدولة»، وزيادة سفك الدماء والقتل داخل السجون وخارج نطاق القضاء، ويأتي اليوم بثوب جديد ليؤيد الديمقراطية ويحارب الفساد الذي لولاه لما كبر وأصبح رقماً أكبر من حجمه ومقدرته على الفهم في حسابات المصارف، هذه الوجوه، ومن في حكمها، والتي عاثت فساداً وأثرت طيلة ثلاثة عقود من سياسة تكميم الأفواه، هي الوجوه نفسها التي تحنّ إلى الماضي الكريه الذي شوّه سمعة البحرين في المحافل الدولية، وهي تشوه اليوم العهد الجديد، وتجد من يشجّعها في «السِسْتم»، وكأن ثلاثة عقود من الظلام لا تكفي لاختبار من الذين يحبون الوطن ومصالحه، ومن الذي يسعى إلى تشويهه بأدواته القديمة القبيحة، يبدو انه آن الأوان لإسكات أو تحجيم هذه الأصوات التي كنا لا نسمع إلاّ صوتها في «حضرة صاحب المحبة قانون أمن الدولة» ليتحدث الآخرون لبناء الحقيقة... فما قالوه طيلة ثلاثة عقود يكفي، وآن لهم الصمت ليتحدث الآخرون، لعل الوطن بحاجة إلى التسامح ونبذ الكراهية التي لم نتعود خروجها من أفواههم، أو قراءتها عبر أبواقهم الصحافية حتى في مرحلة الانفراج. هذا أو الكارثة، نعم، الكارثة. فالذي ينفخ في الطائفية، لا يحب البحرين إطلاقاً، وينبغي البحث والتقصي في انتمائه إلى عاشر نسل، لمعرفة جذوره في أعمق أعماق تربتنا التي ينبت فيها النخيل والرجال في آن، لا أولئك الذين يحوّلون الإنسان البحريني إلى «كلب» و«ذئب» في كل شاردة وواردة من أجل حفنة من الدنانير

العدد 1195 - الثلثاء 13 ديسمبر 2005م الموافق 12 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً