العدد 1221 - الأحد 08 يناير 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1426هـ

الإسلام السوري... والعزف على وتر الإرهاب

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

مازال موضوع الاسلام السوري يشكل مصدراً لقلق البعض في سورية، ولاسيما النظام الحاكم وأجهزته، وثمة قلق أقل في الاتجاه نفسه لدى أطراف أخرى في المستويين الاقليمي والدولي، إذ يربط هؤلاء جميعاً بين الاسلام السوري والتطرف. بل ان البعض يذهب إلى الأبعد في ربط الاسلام السوري بـ «الارهاب» مستعيداً صورة سورية في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، إذ كانت البلاد تشهد مواجهات دموية بين النظام بكل قواه السياسية والعسكرية - الأمنية، وجماعات اسلامية مسلحة، لحقت بالسوريين من جرائها خسائر شديدة أكثر من أن تعد وتحصى.

والعزف على وتر الاسلام السوري، بمعنى اتهامه من جانب النظام الحاكم وأجهزته، يبدو مفهوماً في اللحظة الراهنة، التي يريد النظام وتوابعه البرهنة على انه كان في السابق ضحية «الارهاب الإسلامي» وهو يعاني منه حالياً، وان السلطات السورية شريك في الحرب العالمية على الارهاب، وبالتالي ينبغي تناسي الاختلافات معها أو تجاوز هذه الاختلافات من جانب القوى الدولية والاقليمية الماضية في الحرب على الارهاب، ولاسيما الولايات المتحدة. وفي سبيل تكريس تلك الصورة وتأكيدها، كررت السلطات السورية مرات في السنوات الماضية اكتشافاتها جماعات «إرهابية» و«تكفيرية» إسلامية، وإعلان الحرب عليها، على رغم انه جرى الكشف لاحقاً عن ان بعضها، لم يكن أكثر من عصابات إجرامية.

ويظهر بعض العاملين في الحقل العام في سورية مخاوف من الاسلاميين - والامر في هذا يتصل غالباً بتأثيرات السلطة - وخصوصاً في موضوع عودتهم الى ساحة العمل السياسي، ويستعيد هؤلاء ذاكرة حوادث العنف في الثمانينات، مؤكدين ان تلك الجماعات لا يمكن ان تتغير، أو تغيّر نهجها في ممارسة العنف الذي يصفونه بـ «الطائفي». والحق، ان أشخاصاً من المنتمين الى جماعات المعارضة السياسية، يظهرون مثل هذه المخاوف، وان كانوا أقل تشدداً في التعامل مع فكرة عودة الاسلاميين والاخوان المسلمين خصوصاً إلى ساحة العمل السياسي.

والإسلام السوري هو مثار اهتمام الخارج كما هو الحال داخل سورية. حيث دول ومستويات سياسية وإعلامية إقليمية ودولية، تتناول الاسلام السوري من موقعين مختلفين، الموقع الاول صلة الاسلام السوري بموضوع «الارهاب»، والكلام في هذا الجانب لا يتناول غالباً الشارع الاسلامي في سورية ولا الجماعات الإسلامية بما فيها الاخوان، وانما يجري التركيز على بعض الاشخاص من خلال علاقاتهم بتنظيم القاعدة وزعيمها بن لادن، أو بالجماعة المرتبطة بها في العراق التي يتزعمها ابو مصعب الزرقاوي ودورهم في تلك الجماعات، وهذا يعني في الجانب الاساسي منه عدم ربط الشارع الاسلامي وجماعاته بـ «الارهاب»، وربما تأكيد الطابع المعتدل للإسلام السوري.

وترتبط هذه النظرة بالموقع الثاني الذي تتعامل فيه الدول والمستويات السياسية والإعلامية الاقليمية والدولية مع الاسلام السوري. إذ تدقّق في مظاهره وشخصياته وحجمه وسط الجمهور، وتبحث في مستوى نفوذه السياسي، وكلها تفاصيل مهمة بالنسبة لهؤلاء في إطار رؤيتهم لمستقبل سورية ومستقبل السلطة فيها. وعلى رغم ان بعض الدول والاوساط السياسية والإعلامية المهتمة بالوضع السوري، تبدي مستوى من القلق حيال الاسلام السوري، فانه لا يمكن مقارنة قلقها بصدده بما تظهره من قلق حيال الإسلاميين في بلدان أخرى مثل مصر.

و على رغم الطابع السياسي لمختلف المواقف في التعامل مع الاسلام السوري بالاستناد الى المصالح الراهنة. فإن مواقف الدول والمستويات السياسية والإعلامية الخارجية ومعظم جماعات المعارضة السورية، تستند في تعاملها مع الاسلاميين السوريين وجماعة الاخوان المسلمين انطلاقاً من أمرين، أولهما جملة التحولات السياسية التي طرأت على فكر ونهج الاخوان المسلمين، والثاني طبيعة المرحلة التي تحيط بسورية بما تحمله من تحديات داخلية وخارجية، تتداخل فيها العوامل السياسية والاقتصادية والامنية، وما يفرضه ذلك من حشد وتعزيز لقدرات وامكانات السوريين للتغلب على تلك التحديات.

لقد دفعت الهزيمة الساحقة التي أصابت الجماعات الاسلامية السورية المسلحة، تلك الجماعات وتيار الاسلام السوري، وجماعات إسلامية اخرى في البلدان العربية الى التدقيق في التجربة السورية ونتائجها، وكان من نتائج ذلك تحوّل سياسي كبير في فكرة «الجهادية الاسلامية» في سورية وفي معظم البلدان العربية ونبذ العنف. وهو أمر غدا واقعاً في أكثر من بلد عربي كما حدث في التيار الإسلامي في الأردن وفي مصر، اللذين اتجها نحو المشاركة السياسية على رغم الهامشية التي اتاحها النظام الحاكم في البلدين، فيما اتجه الإسلاميون السوريون إلى القول بذلك على رغم رفض النظام إعطاء أي هامش لجماعات المعارضة من أية اتجاهات كانت. وعلى رغم استمراره في التجييش ضد الجماعات الاسلامية ولاسيما جماعة الاخوان المسلمين بالتزامن مع حملات التشكيك بالتحولات السياسية التي أصابت الهيكل الايدلوجي والسياسي للاسلاميين السوريين، كما عبرت عنه وثيقة الاخوان المسلمين التي صدرت قبل ثلاثة أعوام، وقالت بالعمل السلمي والمشاركة والتداول على السلطة والاحتكام الى صندوق الانتخابات، وهي توجهات تجد لها صداها في عموم الشارع السوري باتجاهاته المختلفة.

لقد عكس هذا التحول في موقف الاسلام السوري أمرين اثنين، أولهما محاولة الاسلاميين تجاوز إرث التجربة المرة، والثاني توافقهم مع التوجهات الوطنية الديمقراطية التي أظهرها الحراك الاجتماعي والثقافي في سورية في السنوات الاخيرة، والتي طرحت حاجة السوريين جميعاً الى الاصلاح والتغيير في مستوياته المختلفة ولاسيما في المجال السياسي، وهو ما جعل الاخوان السوريين ينضمون إلى قوى اعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي.

غير انه لابد من إشارة أخيرة، تتعلق بطبيعة الاسلام السوري في نشأته وتاريخه، إذ انه وعلى رغم الخلفية الواحدة المستمدة من روح الاخوان المسلمين المصريين، فقد نما بروحٍ من الاعتدال الخاص، وتبنى لغة ونهجاً ساير الحياة السورية العامة سواء في ممارساتها السياسية وتجاربها أو في بناه وتوجهاته الاجتماعية، بخلاف تلك السيرة التي ظهرت عليها بعض جماعاته في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، وهو عهد يبدو انه انتهى، وينبغي أن يساهم السوريون جميعاً في تأكيد انه ذهب إلى غير رجعة!


القمة السعودية - السورية... هل هي الفرصة الأخيرة؟

لن يتأخر كثيراً سر هذه الحركة النشطة التي شدت العواصم العربية الثلاث دمشق والرياض والقاهرة، إضافة إلى العاصمة الفرنسية (باريس) التي زارها الرئيس المصري حسني مبارك الأسبوع الماضي، وأجرى فيها محادثات مع الرئيس الفرنسي شيراك بعد لقائه مع الملك عبدالله والحوار معه بشأن الأوضاع العربية والعلاقات السورية - اللبنانية وما يحيط بها من تداعيات، خصوصاً بعد التصريحات التي أطلقها النائب السابق للرئيس السوري عبدالحليم خدام عقب انشقاقه عن النظام في دمشق.

أهم فصول تلك الحركة، كان استقبال دمشق وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، الذي التقى نظيره السوري فاروق الشرع، والرئيس بشار الأسد في خطوة هدفها عقد قمة سورية - سعودية، تعقد مباشرة في جدة، حسبما قال الفيصل، تبعها سفر الرئيس الأسد يرافقه وزير الخارجية الشرع للقاء الملك عبدالله في جدة.

غير أنه وقبل الحديث عن نتائج الزيارة لابد من ملاحظة، ان الزيارة جاءت في ظل تعقيدات متزايدة في أمرين اثنين، أولهما العلاقات السورية - اللبنانية وتطوراتها السلبية، والثاني الموقف السوري في العلاقة مع لجنة التحقيق الدولية بعد إعلان دمشق رفضها لقاء الأسد مع اللجنة التي تحقق في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وكلاهما أمر تبدو المملكة العربية السعودية ومصر متأكدتين، ان تداعياته ستؤثر على عموم دول المنطقة، الأمر الذي يتطلب تحركاً دبلوماسياً نشطاً لوقف تلك التداعيات والقيام بالتهدئة تمهيداً لايجاد حلول وسط.

والحلول الوسط التي يجري الكلام عنها تتركز في أمرين، الأمر الأول تحقيق تحسن مأمول في العلاقات السورية - اللبنانية، وهو أمر توافق عليه سورية، بل وترغب فيه، لكن اللبنانيين ومع رغبتهم تحقيق ذلك، يشترطون أمرين اثنين لتحسين العلاقات مع دمشق، أولهما تعاون سورية مع لجنة التحقيق الدولية في كشف جريمة اغتيال الحريري ورفاقه، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات السورية - اللبنانية من خلال ترسيم الحدود بين البلدين، وفتح سفارة في عاصمة البلدين لكل منهما، وهو ما يبدو أن دمشق غير مستعدة له بما فيه الكفاية.

الدور السعودي بالتعاون مع المصري وبتأييد فرنسي، يتركز أساساً في موضوع تحسين العلاقات السورية - اللبنانية، ذلك أن أمر التعاون السوري مع لجنة التحقيق، لا يشكل مجالاً للتدخل فيه من أي طرف كان. إذ هو أمر يعود إلى مجلس الأمن الدولي، ويفترض أن سورية ستتعاون مع لجنة التحقيق طبقاً لما كانت سورية أعلنته وكرّرته في السابق، وهذا يعني إمكان تجاوز العقبات التي تظهر في وجه هذا التعاون على نحو ما حصل في مساري التعاون السابقين في دمشق وفي فيينا، إذ استمع المحقّقون الدوليون لشهود من المسئولين السوريين. ومما يعزز هذا التقدير، ان سورية سمعت طلبات عربية ودولية واسعة بما فيها أطرافٌ صديقة لدمشق بضرورة التعاون مع لجنة التحقيق، وهو ما ستؤكد عليه السعودية في قمة جدة، سعياً وراء قبول الرئيس السوري ووزير خارجيته لقاء محققي اللجنة الدولية على غرار ما جرى في لقاء الرئيس اللبناني اميل لحود اللجنة في وقت سابق.

ومما يساعد العربية السعودية في القيام بدور مهم في موضوع العلاقات السورية - اللبنانية وجود كل من رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ورئيس كتلة تيار المستقبل سعد الحريري ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في السعودية، ما سيساعد في الوصول إلى تفاهمات مشتركة غير مباشرة ترعاها السعودية، يكون أساسها مضي سورية نحو ترسيم الحدود مع لبنان، والتوجّه نحو إقامة سفارتين في كل من بيروت ودمشق، وهذا سيخفف الحملات الاعلامية، إن لم يستطع أن يوقفها بين الجانبين.

السعودية في قمة جدة وبتأييد ودعم من القاهرة ومباركة ضمنية من باريس، ستسعى إلى فرصة تهدئة سورية - لبنانية، وتأكيد على تعاون سوري في إطار التحقيق الدولي، وهي فرصة ربما تكون الأخيرة في تداعيات اغتيال الحريري، لأن هذه القمة تعقد عشية تسلّم الرئيس الجديد للجنة التحقيق مهمات عمله، وبالتزامن مع رفض سوري قبول الرئيس الأسد ووزير خارجيته مقابلة لجنة التحقيق، وبعد تصريحات خدام وشهادته أمام لجنة التحقيق التي لاشك أنها أعطت الموضوع دفعاً جديداً

العدد 1221 - الأحد 08 يناير 2006م الموافق 08 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً