العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ

عام خلط الأوراق... وبعثرتها!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

منذ أسبوعه الأول، بدأ العام بوجه عابس للأسف، بعد أن كنا، ومازلنا نأمل أن يأتي أفضل من العام المنقضي.

ونظن أن الجديد (الحالي) هو عام خط الأوراق من جديد، بعد أن شهد العام تجارب كثيرة لاختبار السياسات والمناورات، صعدت في ظله موجات العنف في أزمتي العراق وفلسطين، وانضمت إليهما الأزمة السورية اللبنانية المتفاقمة.

فإن كان العام الماضي هو عام التجريب والاختبار، فإن العام الجاري سيكون عام التطبيق الواسع المدى بعد إعادة خلط الأوراق في منطقتنا التي أصبحت تواجه تحديات خطيرة، نجملها في التحديات الآتية: التهديد الشامل للأمن القومي والجماعي من جانب الدول الأجنبية، واختراق هذه الدول للأمن الوطني في دول عربية كثيرة، باسم التحالف ومعاهدات الصداقة والدفاع المشترك والقواعد والتسهيلات، وارتفاع وتيرة الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية بما يولد مزيداً من الاحباط والفقر والعنف، وجهود تفتيت الدول العربية بإشعال الصراعات الطائفية والدينية والعرقية، واستمرار تحدي «إسرائيل» ورفضاً لكل آفاق السلام الحقيقي المستقر، وبروز شبح الحصار النووي من كل جانب... ولكل دولة من دولنا نصيب من هذا كله!.

- فإن بدأنا بمصر التي نعتقد أنها الأكثر استهدافاً والأكثر عرضة للعبة خلط الأوراق في العام الجاري، فإنها عبرت العام الماضي فوق جسر من الأزمات المتشابكة، التي تداخلت فيها عناصر داخلية وأخرى خارجية... فالأزمة الاقتصادية الاجتماعية مستمرة، لكن العملية السياسية تحديداً شهدت خلطاً للأوراق بشكل درامي، عبر الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وما شابهما من تجاوزات وأخطاء معروفة، أدت إلى مزيد من الاحتقان بين القوى السياسية والحكومة، استفادت منه التيارات الدينية السياسية فصعدت إلى سطح العملية السياسية متحدية الجميع.

في العام الجديد، لا نظن أن الاحتقان سيخفت، بل ربما يتصاعد، ليس فقط بسبب الصدام المتوقع بين الحزب الوطني الحاكم وبين التيار السياسي الديني في البرلمان، ولكن أساساً بين التيارات الشعبية والدعوات الاصلاحية الديمقراطية. وبين طرفي الصراع في البرلمان، بعد أن اختلطت الأوراق، وصارت السماء حبلى بتطورات زاحفة نكاد نلمسها باليد ونراها بالعين المجردة.

وهي تطورات تتسم غالبا بالحدة والعنف، والحاح شديد من «القوى الجديدة» على الاصلاح الديمقراطي الحقيقي، وعلى إعادة الاحترام والاعتبار إلى دولة القانون، بعد أن اهتزت هيبتها وتراجعت صدقيتها، وخصوصاً من خلال ما شهدته الانتخابات البرلمانية الأخيرة من تجاوزات وضغوط بهدف التزوير وتغيير إرادة الناخبين في كثير من الدوائر، وبعد أن تم كسر القانون جهاراً نهاراً، ولم يتقدم لحمايته من هم مكلفون بحمايته، وإلا فما معنى تقديم أكثر من ألف طعن أمام القضاء في نتائج الانتخاب، لأنها لم تتوصل إلى الجناة وكيف تعجز أجهزة الأمن والضبط والتحقيق عن ضبط الجناة وقد قدمت إليها صور وأسماء وأفلام مسجلة بالاسم والرسم!

ومع كامل الاحترام للنيابة العامة ولكل القضاء، فإن السمعة والصدقية والنزاهة، قد مست... ولذلك فإن اعادة الاحترام والهيبة إلى القانون مجال حيوي للصراع الذي اختلطت الأوراق في ميادينه الكثيرة!.

- يأبى شارون سفاح بني «إسرائيل»، إلا أن يخلط الأوراق حياً وميتاً... ومن سيخلفه لن يكون أقل منه عنفاً وتشدداً ومعاداة للسلام الحقيقي المستقر، وبالتالي فإن العام الجديد لن يكون افضل بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني ولكل العرب من سابقه، وكيف يكون والمزايدة على شارون حيا وميتا ستكون هي مقياس الحكم في «إسرائيل»... من عجائب خلط الأوراق، أن شارون أصبح يوصف على ألسنة بعض الساسة العرب تحديداً، بأنه رجل السلام المعتدل القادر على تحقيق التسوية المعقولة، بينما التاريخ المعاش يسجل له أنه رجل العنف والدم وبطل المجازر ومهندس خلط الأوراق، من مذابح ديرياسين، إلى مذابح صبرا وشاتيلا، ومن ثغرة الدفرسوار إلى غزو لبنان واحتلاله ، ومن ضرب انتفاضة الاقصى بكل عنف وشراسة، إلى زيادة القوة العسكرية الاسرائيلية، التقليدية والنووية، ومن تأسيسه لحزب كديما (قدما) إلى آخر تصريحاته قبل أن تهاجمه الجلطة الدماغية، باعتزامه الغاء خريطة الطريق، هروبا من منافسيه في الليكود من ناحية، وتهربا من الالتزامات الدولية المعلنة من ناحية اخرى، وخلطاً لكل الأوراق في النهاية!

- من الطبيعي أن يقلق العرب جميعاً من هذا الحصار النووي الهائل المحيط بهم من كل جانب، بينما هم لا حولهم ولا قوة، وإذا كانت دول مثل مصر، سورية، الأردن ولبنان. تقلق أشد القلق من الترسانة النووية الاسرائيلية، التي تحتوى على كمية هائلة من الرؤوس النووية محملة بالصواريخ طويلة المدى فإن قلق دول الخليج العربية من المشروع النووي الإيراني الصاعد يصبح قلقاً مشروعاً بحكم القرب والجوار، فمفاعل «بوشهر» اقرب إلى البحرين، الامارات، قطر وشرق السعودية من طهران!

لكن خلط الأوراق الذي بدأت تجلياته في نهاية العام الماضي، وستشتد في العام الجاري، أومأ إلى التركيز على خطر المشروع النووي الإيراني على دول الخليج، مع تجاهل الخطر الأشد وهو الخطر النووي الاسرائيلي الأكثر حداثة وقوة. والأعنف تهديداً لكل الدول العربية من موريتانيا غرباً إلى العراق والخليج شرقا من دون استثناء. فضلا عن تجاهل القوى النووية الأخرى القريبة، مثل الهند وباكستان المطلتين مباشرة على العراق ودول الخليج أساساً.

ولذلك، فإن التحدي الحقيقي الذي نوجهه جميعاً هو ذلك الحصار النووي الواسع والمنتشر من حولنا، والذي تشكل «إسرائيل» أقوي ترساناته وأخطرها، ومن هنا فان التركيز على ضرورة اخلاء المنطقة كلها من أسلحة الدمار الشامل، وخصوصاً النووية، يصبح هدفا استراتيجيا قومياً شاملاً، من دون تجزئة أوابتسار.

وهذا هو المعنى والمبنى الذي يجب أن نواجه تحديه في العام الجديد، من دون خلط للأوراق، بعد أن صدرت اعترافات دولية بأن «أمن المنطقة إزاء أسلحة الدمار الشامل، هو أمن واحد لا يتجزأ، وأن التعامل مع هذه المسألة، في منطقة الشرق الأوسط، يجب أن يتم في إطار رؤية اقليمية شاملة للأمن والاستقرار، وليس من خلال تعامل مجزأ، أو بشكل انتقائي يكرس وجود أسلحة نووية لدى دولة واحدة في المنطقة هي إسرائيل، وينقذها من الحصار السياسي الذي يشكله مبدأ اقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في المنطقة كلها» وأظن أن هذا المنطق الواضح والمعالجة الشاملة يجب ألا تغضب أحداً منا نحن العرب، لأنها لا تستثني أحدا ولا تتجاهل مثلاً، الخطر النووي الإيراني أو الهندي أو الباكستاني، لحساب التركيز على الخطر الاسرائيلي فقط، والعكس صحيح، فكل قوة نووية من حولنا خطر داهم، وخصوصاً أننا لا نملك ما يعادلها أو يردعها.

وقد كان هذا هو المعنى، بل والنص الذي جاء في مذكرة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، الموجهة بتاريخ // إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية، التي اطلعنا عليها من مصادر عربية مختلفة وموثوق بها، والتي تؤكد أن هناك أفكارا دولية معينة يتم الترويج لها «تدعو للنظر إلى أمن دول الخليج على أنه يتعارض مع فكرة ترابط الأمن الجماعي العربي، إذ تشير هذه الأفكار إلى أن أمن دول الخليج مرتبط فقط بالتهديدات والمخاطر القادمة من الشرق، وبالتالي لا ترتبط بمخاطر التسلح النووي الاسرائيلي، أو حتى بالصراع العربي الاسرائيلي، وهي دعوة يراد بها التعامل مع أمن الجزء العربي المهم بشكل منفصل عن باقي العقد العربي».

وعلى رغم أن العطية رد على هذه المذكرة بالشكر والتقدير والاشادة، بتاريخ // إلا أن سياسة خلط الأوراق، التي أشعلت حملة اعلامية تنتقد الأمين العام للجامعة العربية وتتهمه بتجاهل الخطر النووي الإيراني، أدت إلى سوء قراءة وسوء فهم لمقصد أمين الجامعة العربية، وبدا الموقف العربي وكأنه منقسم بشأن الهدف الأهم والأشمل، وهو السعي بجدية لاقرار مشروع جعل منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من كل أسلحة الدمار الشامل، من دون تجزئة أو استثناء أحد.

ولو استمرأنا التجزئة وتقسيم الأمن الجماعي العربي، بالاهتمام بهذا الخطر وتجاهل ذلك، استجابة لأعداء أي عمل عربي مشترك، بما فيه اتفاق الدفاع العربي المشترك، لوقعنا في مصيدة خلط الأوراق، التي نصبت لنا عبر السنوات الأخيرة، وتم الترويج لها عن طريق قوى دولية ذات مصالح استراتيجية، تضع «اسرائيل» قبل وفوق الجميع، وتضمن لها وحدها سر التفوق العسكري التقليدي والنووي على كل العرب مجتمعين، وهم الذين تخلفوا بإرادتهم الحرة عن اللحاق بـ «إسرائيل» منذ نهايات الأربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي.

وفي حين زادت «إسرائيل» من سرعة انجاز ترسانتها النووية عبر السنوات، تمكنت الهند وباكستان من معادلة موازين القوى النووية بينهما بحكم الصراع، وها هي إيران تدق الباب بقوة غير هيابة، لتكمل حلقات الحصار، بينما بقينا نحن العرب جميعا أسرى ضعف الإرادة وفقدان استقلال القرار السياسي، وخصوصاً مثل هذا القرار الاستراتيجي، بمعادلة موازين القوى مع الآخرين.

الآن... بعد أن اصبحنا كالأيتام على موائد اللئام، صرنا نشكو ونتباكى من دون معين حقيقي، بل صرنا نتصارع على تفتيت حلم «الأمن القومي الجماعي» وبات كل منا يبحث عن حماية خارجية تقيه شرور البلية، بدلاً من بناء القدرات الذاتية، وأطلقنا العنان لألاعيب خلط الأوراق، وللحملات الدعائية والاعلامية التي تخرب ما بقي من أمل في أي عمل عربي جماعي، لأن «السيد» لايريد!

- أعد ترتيب هذه الكلمات: خدام، اغتيال، صدام، سورية، الجلبي، أميركا، اختراق، «إسرائيل»، استبداد، فئران السفينة، فساد، ديمقراطية، احتلال.


خير الكلام

يقول ابن زيدون:

أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا

وناب عن طيب لقيانا تجافينا

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1223 - الثلثاء 10 يناير 2006م الموافق 10 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً