العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ

*

شرائع منزلة أم عادات عفا عليها الزمن؟

حسن الصحاف comments [at] alwasatnews.com

قبل الولوج إلى موضوع حديثنا «اللوجيزتي» الرابع، يحسن بنا أن ننصاع برحابة صدر إلى طلب أحد الإخوة الأفاضل والإجابة على أسئلة وجهها عما إذا كان لدي شخصياً أو أن هناك ثمة حلول أرتئيها أو يرتئيها آخرون لمشكلة الماء، وخصوصاً لمشكلة استخدام الماء في عملية الوضوء عند المسلمين، و«ما هو الحل الأمثل للاقتصاد في استهلاك المياه». في الحقيقة هناك حلول كثيرة أهمها حل رائع جاء به الرسول العظيم محمد بن عبدالله (ص)، وهو استخدام مياه البحر في عملية الوضوء، فقد جاء في الأثر أن رجلاً أقبل على الرسول وقال: لقد كنا في عرض البحر ولم يكن بحوزتنا سوى القليل من الماء الصالح للشرب يكفينا لفترة وجيزة من الوقت، وللحفاظ على تلك القطرات الصالحة للشرب توضأنا بماء البحر. فقال الرسول العظيم: خيراً فعلتم» وقد أظهرت الدراسات الحديثة مدى فائدة مياه البحر للاستحمام ولغسل أعضاء الجسم لفاعليتها في قتل الجراثيم والميكروبات، وخصوصاً حين الاستنشاق بها» وتأتي مناسبة الحل هذا لعصرنا هو أننا نفتقد حقيقة إلى الماء الصالح للشرب بكميات كبيرة، وهي بالكاد تكفي للاستهلاك البشري إذا ما أخذنا في الاعتبار الصناعات الكثيرة التي يدخل الماء في صناعتها كعنصر رئيسي. حلٌ آخر يتمثل في أن يخصص في كل مسجد من مساجد الله العامرة خزانات مياه تعبأ بمياه البحر يومياً أو كلما دعت الحاجة لذلك وتستخدم. حلٌ آخر يتمثل في أن تقوم إدارة المساجد مثلاً بتخصيص مكان للوضوء بحيث يجمع في ماء الوضوء المستخدم (بحرياً أم حلواً) في بركة أو خزان ويعاد تكريره واستعماله من جديد، وهكذا دواليك. وهذه التقنية ليست بالحديثة فقد تم توظيفها في بلاد كثيرة متقدمة لا للمساجد فحسب، ولكن لمياه الصرف أيضاً وتستخدم تلك المياه للشرب أيضاً. وهذه التقنية توظف في كل بقاع العالم المتمدن. وبهذه النوعيات من المياه يمكن للمسلم أن يستخدم ما شاء من المياه. تقنيات أخرى تتمثل في وضع صنابير مياه مبرمجة لضخ كمية معينة من الماء تكفي للغرض المنشود. كل هذا بحاجة إلى رجال دين جريئين «لاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِم» (المائدة: 54)، لكون العصر الذي نعيش يحتاج منهم النظر في حلول لمشكلات الطبيعة ونتاجات العلم الحديث الرحيم منها والخطير، لكونها أهم من المشكلات الشخصية التي تعترض الإنسان، وخصوصاً تلك المتعلقة بالتربية (وهي من مسئولية العائلة)، لكون أمر الناس وحسابهم عند الله: «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ» (الغاشية: 26).

إغلاق المحلات التجارية

حديثنا اليوم أثارته الدعوة من قِبل بعض المتأسلمين الجدد إلى إغلاق المحلات التجارية وقت أداء الفريضة الإسلامية الأكثر شهرة: الصلاة. وبما إنه قد أثير هذا الموضوع على المستوى البرلماني فإن من واجبنا أن نطرح ما نعتقد فيه لنحتج عليهم فيما ذهبوا إليه، فقد وردت كلمة «البيع» في القرآن الكريم مرتين، الأولى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة: 275)، والآية فيها تصريح لا تشوبه شائبة بأن البيع حلال بالمطلق (أي التجارة بمفهوم اليوم) والثانية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الجمعة: 9)، والآية إشارة صريحة إلى الذهاب إلى «ذكر الله» والتوقف عن «عقد أي اتفاق بيع»، وليس في الآية أية إشارة إلى إغلاق المحلات إطلاقاً، بحيث إن الإنسان يمكنه «ذكر الله» في أي موقع هو فيه، حتى لو كان في صحراء قاحلة. فإغلاق المحلات التجارية وقت الصلاة بالنسبة لي شخصياً ليست من الإسلام في شيء. الموضوع الآخر المتصل بما جاء أعلاه هو عن السلوك المتبع في شهر رمضان المبارك من قبل كثير من الدول الإسلامية المتمثل في إجبار كثير من المؤسسات الإنتاجية الصغيرة من مطاعم ودكاكين متخصصة في إنتاج الأطعمة وتقديمها لطالبيها في مكان إنتاجها بإغلاقها طوال فترة النهار طوال الشهر الكريم، وفي هذا السلوك غير المبني على تعاليم إسلامية تعطيل للعمل الشريف والعمل الشريف في الإسلام عبادة وفيه خسائر مادية كثيرة لأصحاب هذه المؤسسات. في بحثي الطويل عن أساس هذه العادة أو السلوك في مصادر الإسلام الأولى لجميع المذاهب الإسلامية لم أجد ما يثبت دعوة الإسلام في أي موقع من المواقع الفكرية لإغلاق المؤسسات التجارية لأي سبب من الأسباب في شهر الصيام، إنما جاء في القرآن الكريم آيتان على هذا النحو: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا» (البقرة: 275)، و«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الجمعة: 9) فنرى هنا إنه ورد ذكر ترك البيع في يوم الجمعة فقط وفي وقت الصلاة لا غير، وهذا النداء للمؤمنين فقط ولم يعمم على جميع الناس. ورد ذكر الشهر الكريم في القرآن الكريم مرة واحدة على هذه الصورة في سورة البقرة آية 185: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» وورد ذكر الصيام بالمفردة «صيام» 7 مرات فقط في آية واحدة وهي الآية 183 من سورة البقرة: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» وفيها إعلان فريضة الصوم بشكل صريح، والآية إلى جانب ذلك تتضمن دلالة على أن فرض الصيام قديم جداً، وفرض على أمم كثيرة قبلنا، وليس هناك ما يثبت تاريخياً قيام أي من هذه الأمم بتعطيل مؤسساتها المنتجة للأطعمة أو غيرها» بقية الآيات الواردة في القرآن بشأن الصيام لا تعدو كونها كفارة تؤدى لسبب من الأسباب أو تصريح لفعل معين مثلاً لممارسة الوطء مع الزوج أو الزوجة في شهر رمضان ونهي عن الممارسة تلك في المساجد. البحث في كتب التاريخ عن نشأة هذه العادة لم تسفر عن شيء، ولا أخالني مخطئاً إذا ما قلت إنها عادة حديثة نسبياً وليس لها سند تاريخي. اليوم الأسواق كبيرة جداً وتعرض صنوفاً مختلفة من البضائع الغذائية والمأكولات (يبدو ان رجال الدين الأفاضل المصرين على إغلاق المؤسسات التي توفر الأطعمة المطبوخة في رمضان لا يدخلون هذه الأسواق خوفاً من الشبهة). إليكم بعض ما جاء في القرآن: «وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْض فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً» (الفرقان: 20). ولم تكن أصلا من تراث الإسلام وعاداته الغذائية منها الأغذية المثلجة والمعلبة والمهدركة والمجففة والمدخنة، ومنها الفواكه من كل أرجاء الدنيا والكعك والبسكويت والأشربة من كل نوع. وفي هذه الأسواق محلات تجارية كبيرة جداً يفتح بعض منها على مدار الساعة وفيها من الأغذية والمأكولات ما يسيل له اللعاب، وهناك أنواع من الأشربة والحلوى ما لا يعد ويحصى. كثير من الحكومات الإسلامية وخصوصاً العربية منها، لاتزال تصر على منع مؤسسات المطاعم الصغيرة والكبيرة على إغلاق أبوابها في النهار طوال شهر الصيام، وذلك تفادياً من أن تغري صائماً على الإفطار، وكأن الصائم الحق لا يعرف كيف يصوم، وإن الصائم تفادياً لكلام الناس لا يعرف كيف يأكل في بيته أو في أي مكان آخر من الأطعمة التي ذكرناها سابقاً. ونتساءل: لماذا يتحمل أصحاب المطاعم الصغيرة عبء المصاريف الكثيرة والرسوم التي يدفعها للحكومة التي تجبره على إغلاق أبواب مؤسساته التي تقدم الأطعمة أمام الجمهور، مسلمين وغير مسلمين، في حين تفتح المخابز والبرادات الكبيرة والصغيرة، وهي الأخرى تبيع ما لذ وطاب من مأكولات. إنه ونحن نعيش في عصر السرعة، إذ لم تعد فيه الأسرة كما كانت ربة البيت تجلس في شهر رمضان لتخبز وتهرس وتعمل من الحلوى ما تشتهي عائلتها، بل هي اليوم امرأة عاملة ورجل عامل، في عصر تمازجت فيه الشعوب والأعراق في البلد الواحد، لذلك بات من النافع لإنسان هذا العصر وجود أبواب المطاعم مفتوحة لا للأكل بها في شهر الصيام، بل لتمنح الأسر العاملة شراء موائد إفطارهم من أي مطعم شاءوا وقتما شاءوا، وتمنح تلك الأسر التي لا تدين بالدين الإسلامي الغذاء اللازم لها. لهذا نرى إنه يجب أن لا تجبر المؤسسات هذه على إغلاق أبوابها إذا ما هي أرادت أن تمارس عملها المعتاد طيلة السنة، وجعل مطابخها تعمل ليل نهار إن هي أحبت ذلك وتبيع إلى خلق الله ما تنتج حالها حال جميع المحلات التجارية الأخرى التي تبيع الأطعمة وخلافه، ولكن ليكن معلوماً لدى إداراتها أن تناول الطعام في صالاتها في شهر رمضان الكريم غير مسموح به. ثم ان صوم شهر رمضان ركن أساسي من أركان الإسلام، فهو كمثل بقية أركان الإسلام يؤدى علانية كمثل الصلاة والزكاة وحج البيت والنطق بالشهادتين، ولا يمنع خلال تأدية هذه الأركان البيع أو الأكل. في دول غربية عشت فيها، رأيت مسلمين كثراً لا يزعزع صيامهم رؤية أناس يفطرون علانية أمام الملأ، ويوم الصيام هناك طويل جداً. هل المسلم هناك أقوى إسلاماً من المسلم في الديا

العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً