العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ

تلفزيون «كردستان تي في» و«كرد ­ سات» ليلة رأس السنة

هل تغيّر الروتين في الإعلام الكردي؟

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

هناك من يقول إن الإعلام الكردي كإعلام البعث، فهو إعلام تمجيد القيادة ويهمه فقط نقل خبر استقبال الرئيس لضيوفه، وهناك حجب لحقائق ورفض رأي الآخر و. .. و. إذاً، هناك إشكال... وهذا الإشكال يشغل بال أهل التغيير في العالم الكردي، إذ يراد أن يكون الإعلام انعكاساً لصورة المجتمع ومعبراً عن كل الآراء، ويفترض أن نتحرر من اللاوعي لدينا. واللاوعي هو ما نحمله من ثقافة حزب الواحد والقائد المستبد. أهل التغيير في الوسط الكردي محقون بذلك، لأن لكل زمان سياقاته. والعام 2006 ليس كالسابق، ونحن رأينا ماذا فعل إعلام الحزب الواحد بصاحبه، الإعلام الكردي يجب أن يتحرر ويجب أن يكون على عكس إعلام صدام حسين ويجب ألا يحجب الخبر والحقيقة ويصبح شغل شاغل الإعلام والإعلاميين التحدث عن ضيوف الرئيس وحركة الرئيس وخصوصاً نحن في هذا الزمن الذي يعج بالفضائيات ومواقع الإنترنت... إلخ. في الحقيقة هناك مؤشران يعطيان التفاؤل للمشاهد الكردي. الأول كان مع قناة «كردستان تف»» إذ بدأت فضائية كردستان تف تبث برامجها في أوروبا وتدخل كاميرا التلفزيون إلى كل بيت له علاقة بالأكراد، فمرة يسألهم لماذا يتزاوجون مع الأجانب وتنقل شيئاً من تجربتهم، ثم هناك عدد من الندوات تنعقد وتنقلها كردستان تف إلى مشاهديها تحدث نقاشات ساخنة. وتمرير الرأي المخالف هنا تبدو طريقة تسريب من خلال هذه النقاشات، مثله مثل العقل الباطن لدينا لا مجال أمامه غير عند النوم أو عند السكر. هذا البرنامج تقدمه الإعلامية الكردية التركية هيفدار زانا. وهي زوجة الشاعر والإعلامي الكردي المعروف دلبخوين دارا. هيفدار زانا تحمل ميكرفون القناة وتتجول في ارض أوروبا الشاسعة وتلتقي الأكراد المهاجرين، تسألهم عن متاعبهم ورؤاهم وآمالهم وما تبقى من ذاكرتهم الكردية. أرى أن هذا عمل جاد في اتجاه تغيير روتين المشاهد وروتين البث الكردي. في الحقيقة، إن دخول هيفدار زانا في معترك الإعلام الكردي الصورة كانت لها نكهة خاصة إذ أعطت الروح لهذه القناة، لأنها كادت أن تسقط من عيون مشاهديها. هذه امرأة تملك طموحاً، فهي سبق وتعاملت مع تلفزيون العمال الكردستاني وتركته لأن هذا التلفزيون فقط همه كان القائد والثورة. وكان ممنوعاً كل ما هو الرأي الحر، أما طموحها ومعرفتها لأهمية فسح المجال أمام التنوع والتعددية في الآراء، وكيف أن العالم يصبح بخير. تجربتها ستكون لها بصمات وربما تساعد الذهن الكردي وتمرنه على القبول بتجارب وإفهام الناس والآخر. أما المؤشر الثاني هو بخلاف الفضائيات العربية والتركية (في ليلة رأس السنة) سهّرت فضائية «كرد ­ سات» جمهورها مع الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكه س. ففي حين تبث الفضائيات في سهرة رأس السنة برامج منوعة من الغناء والبهرجة وغير ذلك، قصدت فضائية «كرد ­ سات» أن تغيّر من الموضة ولتصبح تقليداً لدى الكرد وغير الكرد من الشعوب التي يعيش معها (العرب والترك والفرس) لاستضافة الشاعر وإسماع الجمهور نظرة الشاعر إلى هذه المناسبة. موضة جديدة بكل تأكيد بالنسبة إلى الفضائيات عموماً. نادراً ما تستضيف الأقنية التلفزيونية ضيفاً واحداً وتسهّر مشاهديها الذين يريدون رؤية المناظر والنكت والأغاني، وغير ذلك من برامج على هواجس وآمال الشاعر، فقناة «كرد ­ سات» (وهي فضائية تابعة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني تأخذ السليمانية مركزاً لبثها) هي الوحيدة التي انفردت في سهرة كاملة باستضافة هذا الشاعر الكبير، الذي خالف عادته هو أيضاً عند أداء القصيدة وهو دائماً، واعتراف منه، لا يلقي القصيدة إلا وهو واقف، لأن «القصيدة مقدسة وتحتاج إلى طقوس الاحترام والهيبة، لذلك أريد دائماً أن ألقيها وأنا أكون واقفاً». هذا ما قال شاعرنا عندما زار بيروت، وفضولاً مني سألته لغز الوقوف عند قراءة أشعاره. من حق أن يعرف القارئ أن زيارة شيركو لبيروت كانت بمثابة تحقيق حلم له لأنه كان يحلم أن يزور بيروت بمهمة شعرية، أي لأجل أمسية الشعرية في بيروت. نعم شيركو بيكه س حقق حلمه في بيروت الذي أصرّ على انتقاد الفلسطينيين والعرب لأنهم وقفوا مكتوفي الأيدي وصمتوا ألسنتهم تجاه أفعال صدام حسين. لكن ويجب أن نقول إنه أيضاً اعترف في بيروت بأن أمسيته كانت رائعة، وروعة أمسيته تكمن في أنه استطاع أن يستحوذ على انتباه الحضور ويتفاعل معه على رغم أنه كان يلقي الشعر باللغة الكردية. والعامل الثاني الذي كان سبباً لنجاح الأمسية (حسبما قال شيركو) هو تقديم الشاعر اللبناني والناقد اللبناني شوقي بزيغ شيركو للحضور. سهرة رأس السنة هذه كانت على خلاف السنين، إذ لم يكن هناك احتفالاً أو فرحة أو تأملاً، ونحن نمسك «ريموت كونترول» نقلب الأقنية بحكم الظروف السياسية التي نمر بها، فكنا نبحث عن التحليلات السياسية وحوارات سياسية عسى أن نكتشف فيها شيئاً من الاطمئنان. ولا نستغرب ونحن نتجول على الأقنية الفضائية في قسم «هوت بيرد» وإذا في قناة «كرد ­ سات» تقرير عن حياة الشاعر بيكه س. للوهلة الأولى ظننت أنه توفي وأسرني الحزن والبكاء إلى درجة أن زوجتي طلبت مني الصبر لنعرف أسباب قراءة التقرير عن حياة هذا الشاعر الأصيل (الكحيل بالكردية)، وفور الانتهاء من قراءة التقرير وعلى خلاف الأقنية العربية والأخرى، أي دخول فاصل إعلاني، ظهر على شاشة القناة مقدمو البرنامج شاب وصبيتان بزيهم الفلوكلوري الكردي (قفطان وتوابعه)، ومن الجهة المقابلة رأينا هذا الفارس الأصيل شيركو بيكه س وهو موضوع بين أشجار الميلاد. رحب بهم في البداية، فسألت الصبية الجميلة التي تتحدث باللهجة البادنية شيركو بيكه س: كنت خلال العام الماضي في ديار بكر (عاصمة أكراد تركيا)، هل كنت ضيفاً لديار بكر أم ديار بكر كانت ضيفتك؟ أجاب بيكه س بفرح: نعم. كنت ضيفها (ديار بكر) وهي كانت ضيفة أشعاري... صحيح أنا اعتبر أحد أهم إنجازاتي في العام 2005 زيارتي لـ «أمد»، وهو اسم كردي لديار بكر الذي قاله عن قصد. فطلة شيركو (الذي طلب من الجميع أن يناديه بشيركو، على اسم والدته، لأن من حق والدته الشهرة أيضاً)، لم يكن خبراً حزيناً في ليلة رأس السنة، بل كان خبراً مفرحاً، لأن الأقنية الكردية بدأت تخرج من روتينها وتعطي شيئاً من الاهتمام بالشعر والثقافة. والسؤال: لماذا اهتمت هذه القناة بالشاعر في ليلة رأس السنة، ولم تهتم بالسياسة مثلها مثل الأقنية العربية الإخبارية والمنوعاتية؟ هل وصل الكرد إلى تحقيق كل ما يحلمون به؟ أم أنهم أدركو أن زرع الثقافة والشعر في الأذهان ربما يكون مردوده أكثر من أن تقدم حلقة حوارية أو تحليلية تنقسم جمهورها على استنتاجات، فمن يحزن ومن يتفاءل؟ استضافة كرد ­ سات لشيركو بيكه س وهو الذي حصل على جائزة العنقاء. في العام الذي ودعناه وتجوال كاميرا هيفدار زانا على فضاء أوروبا، خطوتان جديرتان بالاهتمام، وقد حققت هدفين: الأول، إذا كان الشعر افتقر للقراء في العالم العربي فإن من في العالم الكردي هم للتو يتلهفون نحو الشعر. والهدف الثاني، ربما يحق لنا القول: إنه تغيير في روتين المشاهد وينوع ذهنه ووعيه. نعم، العام الجديد ليس عام الحزن بقدر ما أنه عام مثقل بالمفاجآت والاحتمالات وتغيير في الروتين، وخطوة نحو التحرر من ذهنية البعث وإعلام صدام حسين. * كاتب سوري كردي

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 1225 - الخميس 12 يناير 2006م الموافق 12 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً