العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ

فلسطين تنزف وأميركا تتفرج وأوروبا تهدد بقطع المساعدات

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

لاتزال فلسطين تنزف من دماء شهدائها وجرحاها، وتعاني من اعتقال شبابها ومن تدمير أوضاعها السياسية والاقتصادية، وأميركا تتفرج على الشعب الفلسطيني وتنافق بالكلمات المعسولة التي لا تنتج شيئاً إيجابياً، وأوروبا تسير على خط الأميركيين فتلتقي معهم في التهديد بقطع المساعدات المالية إذا نجحت حركة حماس في الانتخابات وشاركت في الحكومة، لأنها لا تحترم إرادة الشعب في اختياراته السياسية على رغم شعاراتها الاستهلاكية في الدعوة الى احترام الخيار الديمقراطي وحقوق الإنسان وقضية الحرية للشعوب. إننا نلاحظ أن الأميركيين والأوروبيين سارعوا الى استنكار العملية الاستشهادية الأخيرة في تل أبيب، التي جاءت كرد على عمليات القتل الإسرائيلية المتواصلة ضد الفلسطينيين، ولم يكلّفوا أنفسهم قبلها أن يتوجّهوا بكلمة نقد واحدة لـ «إسرائيل» في مجازرها الأخيرة، التي قتلت فيها الفلسطينيين في بيوتهم إذ قتلت الأم والابن كما قتلت الشباب والشيوخ، في سلسلة الاغتيالات المستمرة التي لا تفرق فيها بين مدني وغير مدني. إن أميركا وأوروبا تلتقيان مع الحكومة الصهيونية في اعتبار القضية الفلسطينية مسألة أمنية تتصل بالمقاومة لا سياسية ترتبط بالتحرير، ولذلك فإنها لا توافق على المفاوضات السياسية النهائية إلا على أساس تدمير البنية التحتية للمقاومة بما يؤدي الى إثارة الفتنة بما يقترب من الحرب الأهلية في الداخل الفلسطيني، ما يحقق لـ «إسرائيل» الانتصار من دون حرب. إننا نريد أن نقول للفلسطينيين بأن عليكم الاختيار الصحيح، بأن تختاروا من تجدونه أهلاً للتمثيل ولحماية القضية الفلسطينية وقضية التحرير، بصرف النظر عن انتمائه الحزبي، على أساس الرد على الضغوط الأميركية والأوروبية التي لا تتحرك لخير الشعب كله. إنني أتوجه الى أهلنا في فلسطين بنداء إسلامي مفاده: بأن عليكم أن تثبتوا للعالم بأنكم الشعب الذي يقهر الاحتلال في الانتخابات كما قهره في المواجهات الجهادية اليومية. والى الدول والشعوب العربية والإسلامية أن يقفوا مع الشعب الفلسطيني ويساعدوه في حاجاته إذا نفّذت أميركا وأوروبا تهديداتهما في قطع المساعدات عنه. أما العراق الذي يخرج من تفجير انتحاري ضد الأبرياء الآمنين الذين حرّم الله قتلهم أو الاعتداء عليهم، ليدخل في تفجير آخر يستبيح فيه الاحتلال والتكفيريون دماء أبنائه، فإننا نريد للشعب العراقي الجريح أن ينطلق بوحدته الوطنية لمواجهة ذلك كله، والوقوف بوعي ضد الذين يثيرون الفتنة المذهبية بين السنّة والشيعة، ليتحرك الحوار بدلاً من العنف الكلامي والعملي، والتخطيط لحكومة وحدة وطنية يشعر فيها الجميع بالمشاركة الحقيقية التي تجعله يشعر بمسئوليته عن العراق كله، للوصول الى إخراج المحتل من البلد وإسقاط الإرهاب في مجازره الوحشية، ليعود العراق الى دوره الطبيعي على المستوى العربي والإسلامي في صناعة الحضارة والانفتاح على المستقبل كله. وتعود مسألة المشروع النووي السلمي الإيراني الى واجهة الأحداث، أمام الضجيج الأميركي والأوروبي والإسرائيلي الذي يثير الشك في خلفيات المشروع، واتهام إيران بأنها تهدف الى صنع السلاح الذري على رغم تصريح أعلى مسئول لديها بنفي ذلك، في الوقت الذي نعرف فيه بأن كل هؤلاء يملكون السلاح الذري في أعلى مستوياته، ولا يحرّكون ساكناً ضد «إسرائيل» التي تملك ترسانة نووية كبرى تهدد المنطقة كلها، لأنهم لا يريدون للدول الإسلامية أن تحصل على الخبرة العلمية. إننا ­ أمام هذا الواقع ندعو الدول العربية والإسلامية الى أن لا تسقط أمام الدعاية الأميركية في إثارة الخوف والقلق من المشروع الإيراني، بل أن تدخل في حوار مع إيران لتتعرّف حقيقة المشروع في نطاقه السلمي، وتحاول توجيه الاحتجاج للواقع الإسرائيلي الذي يمثل الخطر بأعلى مستوياته الى جانب التحالف الأميركي ­ الإسرائيلي في الاستراتيجية العسكرية النووية. أما لبنان، فلايزال السجال بين الفرقاء يتحرك في عملية إثارة الانفعال السياسي الذي يمزّق الوحدة الوطنية، وتحريك قاموس الشتائم وإسقاط كل المشروعات المتجهة نحو الحلول الواقعية بين سورية ولبنان، بل بين اللبنانيين في الداخل، من خلال التدخّلات السلبية الأميركية التي تمنع اللبنانيين من التوافق والتواصل والتكامل، وتوجّه الموقف الى إثارة المخاوف من غضب محور دولي هنا وهناك لمصلحة هذه الدولة وتلك في حساباتها الإقليمية، للضغط على الواقع العربي في أكثر من موقع، تحت شعار احترام الشرعية الدولية التي تمثل في خلفياتها السياسية الضاغطة «الشرعية» الأميركية المسيطرة على مجلس الأمن، بما في ذلك بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. إن هناك في الساحة السياسية دعوة للحوار بين الفرقاء في الإعلام بمختلف أجهزتها، وفي المجلس النيابي، ولكننا نلاحظ أن الكل قد استنفد كل طروحاته بحيث لم يعد هناك ما يملك الحديث عنه في جلسات الحوار، وأن المسألة لم تكن مسألة تحريك الحوار للوصول الى قاسم مشترك بل كانت عملية تسجيل النقاط هنا وهناك، الأمر الذي يُراد منه إثارة الضجيج على طريقة ما يقترب من حوار الطرشان من خلال سياسة الغالب والمغلوب، أو التهرّب من الاعتراف بتوقيع اتفاق هنا وهناك تحت تأثير بعض المواقف والمواقع المتأرجحة. والمشكلة أن الحكومة الجديدة التي اعتبرت أنها تصنع العصر الجديد لم تبدأ بالتخطيط الاقتصادي الذي يحل مشكلة البلد في قضاياه المعيشية والصناعية والزراعية، أو بمحاسبة الذين سرقوا البلد في الماضي ممن قد يملكون بعض المواقع في الحاضر، أو الذين انطلقوا في عملية الهدر التي أدخلت البلد في المديونية والإفلاس والجوع والحرمان، لأن الجميع مشغولون بالتراشق الكلامي والحوارات التلفزيونية والصحافية بما يقترب من جنس الملائكة والدخول في كهوف التعليمات المتنوّعة للسفارات هنا وهناك... ثم يحدّثونك عن لبنان الجديد والحرية والاستقلال؟ * مرجع ديني

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1234 - السبت 21 يناير 2006م الموافق 21 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً