العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ

الوعي المائي في المجتمع البحريني

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

تعد الموارد المائية في مقدمة الموارد الطبيعية التي تؤثر بشكل كبير ومباشر في مختلف جوانب النمو الاقتصادي والاجتماعي. وتشهد هذه الموارد في معظم أنحاء العالم تناقصاً مستمراً بسبب تزايد الطلب عليها بشكل كبير، إذ تضاعف استهلاك المياه مرتين خلال نصف القرن الماضي، وتشير الإحصاءات إلى أن شح المياه في العالم سيرتفع بنسبة 50 في المئة في البلدان النامية، وبنسبة 18 في المئة في البلدان المتقدمة بحلول العام .2025 وقد أدت الزيادة السكانية في العالم، والمقدرة بحوالي 6,2 مليارات نسمة إلى استغلال حوالي 54 في المئة من إجمالي الموارد المائية العالمية في الوقت الحاضر، وإن الاستمرار على النهج ذاته قد يزيد من معدل الاستهلاك بنسبة 90 في المئة من الموارد المتاحة بحلول العام .2025وفي جميع دول مجلس التعاون الخليجي تبرز المشكلة المائية بوضوح أكثر لوقوعها في المناطق الجافة الصحراوية التي تعاني من ندرة الموارد المائية بسبب قلة معدلات الأمطار وعدم انتظامها مكانياً وزمانياً من جهة وارتفاع معدلات البخر من جهة أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى استحالة وجود مياه سطحية دائمة، وتعتمد هذه الدول بشكل كبير على موارد مياه جوفية غالبيتها غير متجدد (91 في المئة)، ومياه محلاة (7 في المئة) وبشكل أقل وعلى مياه الصرف الصحي المعالجة (2 في المئة) لتلبية متطلباتها المائية المتزايدة. وفي مملكة البحرين، تظهر المشكلة المائية أكثر حدة من دول مجلس التعاون الأخرى وتحمل معها تحديات أكبر وأعلى نظراً إلى محدودية الموارد الطبيعية والمالية من جهة، والكثافة السكانية ومعدل نمو السكان العالي من جهة أخرى. وحالياً توجد قناعة قوية في المجتمع الدولي المختص بالمياه بأن مستوى الوعي المجتمعي بالمياه وقضاياه يلعب دوراً حاسماً في حل المشكلة المائية التي تمر بها الدول ويساهم بشكل كبير في تخفيف حدتها، وبأن المجتمعات التي تثمن الماء وتقدر قيمته هي الأكثر قدرة على التكيف مع شح الماء. ولذلك يعتبر رفع الوعي من أهم أدوات الإدارة المائية ذات الأهداف والنتائج بعيدة المدى، فمن دون رفع الوعي المائي بالمجتمع ككل ومشاركة المجتمع بمختلف فئاته في المحافظة على المياه والمساهمة في حل المشكلات المتعلقة بها، تصبح جميع الأدوات الأخرى المستخدمة من قبل المسئولين عن إدارة المياه ذات صفة فوقية وتمثل ما يسمى بنظام «الأمر والتحكم»، والتي عادة ما تكون فعاليتها وتأثيراتها في تحقيق أهداف الإدارة المائية البعيدة المدى محدودة وموضع تساؤل، وهي على نقيض ما يسمى بالمنهجيات التشاركية. وعلى رغم أن مصطلح الوعي هو مصطلح مبهم وعام، إلا أنه مفهوم بديهي لمعظمنا ويستعمل في الكثير من المواقع، ولكن الموضوع هو أكثر تعقيداً من ذلك وله علاقة وثيقة بالمعرفة، والموقف، والسلوك، وتأثير الاتصال على السلوك، والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة. فعلى سبيل المثال لماذا يبدأ شخص ما في المحافظة على المياه وترشيد استخدامه لها بعد تعرضه لأنشطة حملة توعوية في مجال ترشيد المياه، بينما نجد شخصاً آخر لا يقوم بعمل أي شيء يذكر في هذا الاتجاه؟ في أدبيات «الاتصال الجماهيري» هناك الكثير من النماذج التي تصف هذه العمليات. وتمثل «نظرية التصرف المنطقي» أحد أبسط النماذج في نظرية الاتصال. وتنص على أن تصرف الإنسان يمكن التنبؤ به من خلال النية للقيام بالسلوك، وهذه النية تحدد بواسطة موقف الشخص والمعايير الذاتية السائدة وعلاقتها بهذا السلوك، والفاعلية المتوقعة. فموقف الشخص يصف الطريقة التي يفكر بها بشأن التصرف المقترح وفائدته، أما المعايير الذاتية السائدة فهي تصف تأثير الناس والمؤسسات والمنظمات على الفرد، وتشمل القيم والمعايير للمجتمع ككل وللفئة الاجتماعية التي ينتسب لها. والإحساس بالانتماء مهم في الكثير من الثقافات المجتمعية، ومنها المجتمع البحريني، والقرارات ستعتمد بشكل كبير على القيم الاجتماعية والثقافية والتوجهات السياسية السائدة في المجتمع أو في الشريحة المحيطة بالفرد. أما الفاعلية الشخصية فهي التقدير الشخصي لسهولة أو صعوبة تنفيذ السلوك. ولذلك يعتقد أنه لإنشاء مجتمع واع مائياً وفعال في المحافظة على المياه فإن هناك ضرورة أساسية لإدماج «المعرفة والجانب التعليمي» في عملية رفع الوع ، وذلك من خلال تزويد المواطن البحريني بالمعلومات الأساسية لقضايا المياه بالمملكة والمنطقة بشكل دائم لتذكيره باستمرار بالمشكلة المائية التي تعاني منها المملكة، وبيان دوره المحوري والمهم في كيفية المساهمة في حلها بطرق عملية وملائمة ومعقولة، وعدم الاقتصار على حملات التوعية القصيرة الزمن والتي عادة ما تزول تأثيراتها بزوال الحملة الإعلامية، وكذلك يجب صوغ هذه المعلومات بشكل محفز بحيث تساهم في تغيير سلوك الفرد اليومي في مجال المحافظة والترشيد لتصبح بعد فترة من الزمن سلوكاً بديهياً يقدر قيمة الماء ويثمنه، وتهدف في النهاية إلى رفع فاعلية الفرد في المجتمع البحريني. إن عملية رفع الوعي المجتمعي بالمياه عملية معقدة وذات مدى طويل، وتمثل هذه السلسلة من المعلومات المائية مساهمة جزئية متواضعة وصغيرة نسبياً لما هو مطلوب لهذه العملية، راجياً أن تحقق ما هو مرجو منها بالتكامل مع المبادرات الأخرى التي تقوم بها الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد، ألا وهو الوصول إلى مجتمع بحريني واع وموجه مائياً، ليستطيع التكيف مع مشكلة ندرة المياه في المملكة، وليكمل الجهود الإدارية والفنية التي يبذلها المسئولين عن هذا القطاع المهم بالمملكة، والله الموفق. * أستاذ إدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العربي

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1235 - الأحد 22 يناير 2006م الموافق 22 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً