العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ

مياه الشرب في البحرين... نحو وعي أكبر

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

لوحظ حديثاً أن كثيراً من سكان البحرين لا يستخدمون المياه المزودة خلال الشبكة للشرب، ويعتمدون بشكل كبير على المياه المعبأة المباعة في الأسواق بسبب عدم استساغة الكثيرين لملوحة المياه المزودة بالشبكة و/أو عدم ثقتهم بصلاحيتها للشرب، ما جعل سوق المياه المعبأة تمثل فرصة استثمارية كبيرة في البحرين وتلقى رواجاً كبيراً بغض النظر عن نوعية هذه المياه المعبأة أو مصدرها، خصوصاً في بداية التسعينات بسبب تأخر بناء محطات التحلية الحكومية. وعند التفكير في اتجاهات الطلب التي تولدت حديثاً على مياه الشرب يشار إلى القيمة التصاعدية للأنواع المتاحة، تدرجاً من مياه الشبكة الحكومية إلى المياه المعبأة في القناني التي تتساوى في سعرها مع قيمة النفط، فبحسابات مقارنة بسيطة يتضح أن المواطن البحريني يدفع مم 25 إلى 200 فلس للمتر المكعب من المياه المزودة لمنزله عن طريق الشبكة الحكومية بحسب الشريحة الاستهلاكية التي يقع بها (للتعرف على الشرائح يمكن النظر خلف فاتورة الكهرباء والماء)، بينما نجد أنه عندما يشتري المياه من السوق فإنه يدفع للمتر المكعب الواحد لما يسمى بمياه «البيلر» 5 دنانير (100 فلس لسعة عشرين لتراً)، وأكثر من 30 ديناراً للمتر المكعب من المياه المعبأة في قناني سعة 19 لتراً (600 فلس شاملة خدمة التوصيل للمنزل)، بينما يدفع من 130 ديناراً (عبوة ثلث لتر بـ 50 فلس) إلى 200 دينار (لعبوة لتر ونصف بـ 200 فلس) للمتر المكعب من قناني المياه المعبأة، ويلاحظ هنا أن سعر لتر الماء من المياه المعبأة في القناني يساوي أو يفوق لتر البنزين (100 فلس للتر الممتاز و80 فلساً للجيد)، كما أنه يذكر أن المتر المكعب الواحد من النفط الخام يباع حالياً بـحوالي 140 ديناراً (بافتراض سعر البرميل 60 دولاراً أميركياً، المتر المكعب يساوي 6,3 براميل) مقارنة بحوالي 120 ديناراً بحرينياً للمتر المكعب لعبوة 19 لتراً، و130 ­ 200 دينار بحريني للمتر المكعب لعبوات ثلث إلى واحد ونصف لتر، أي أن مياه الشرب تتساوى في السعر أو يزيد سعرها عن النفط الخام حتى في أعلى مستويات أسعاره، أما من ناحية النوعية ومصادر هذه المياه، فنجد أن المياه المزودة في الشبكة الحكومية هي أصلاً مياه البحر أو مياه جوفية شبه مالحة تتم تحليتها من قبل محطات التحلية الحكومية (محطات الحد وسترة وأبوجرجور والدور، بالإضافة إلى محطة ألبا التي تقوم الحكومة بشراء المياه منها)، ومن ثم تعقيمها باستخدام مادة الكلور. وتعمل محطتا الحد وسترة بتقنية التبخير (التقطير) وينتج عنها مياه شبه خالية من الأملاح أو مقطرة، بينما تعمل محطتا أبوجرجور بتقنية التناضح العكسي وينتج عنها مياه بها نسبة معقولة من الأملاح. ويتم خلط هذه المياه المحلاة مع المياه الجوفية لسببين رئيسيين، الأول هو لتعويض النقص في مياه الشبكة بسبب زيادة الطلب على المياه البلدية عن طاقة محطات التحلية المحدودة حالياً، وثانياً لتعديل نوعية المياه المقطرة وإعطائها نسبة معقولة من الأملاح ليتم استساغتها للشرب وكذلك لتقليل طاقتها التآكلية والتذويبية. ولكن، وكما هو معروف، فإن نسبة ملوحة المياه المزودة إلى المنازل تعتبر مرتفعة نسبياً في بعض مناطق البحرين ومتغيرة من موسم لآخر. ويرجع ذلك إلى محدودية طاقة الإنتاج لمحطات التحلية بالمملكة واضطرار المسئولين للجوء إلى المياه الجوفية مرتفعة الملوحة نسبياً لتعويض النقص في الطلب المنزلي المتزايد باستمرار. ويقوم المسئولون بجهود حثيثة ومكلفة مادياً لتوفير مياه بالشبكة لا تتعدى نسبة الملوحة فيها في غالبية الأحيان ما يتراوح من 1000 إلى 1500 ملليغرام في اللتر، وهي النسبة القصوى للأملاح الكلية الذائبة الموصى بها عالمياً وخليجياً للاستخدامات المنزلية والشرب. وبالنظر إلى مصادر ونوعية المياه المعبئة المباعة حالياً في الأسواق فإننا سنجد أن معظمها، أيضاً، هو عبارة عن مياه بحر أو مياه جوفية شبه مالحة، تقوم شركات تعبئة المياه بتحليتها في الغالب باستخدام محطات تناضح عكسي، وتعقيمها بالكلور أو بالأوزون أو بالأشعة فوق البنفسجية، ومن ثم تعبئتها وتوزيعها بالأسواق. ويلاحظ أن القليل منها هو مياه طبيعية (أي مياه ينابيع أو جوفية)، ومع ذلك تتم تسميتها، تجاوزاً ولأسباب تجارية، مياه معدنية. وتتراوح نسبة الملوحة في المياه المعبأة من 100 ­ 500 ملليغرام في اللتر، أي تصل نسبة الملوحة بها إلى أقل من ثلث مستوى الأملاح بالشبكة الحكومية. وقد يكون ذلك من أهم المبررات لتفضيلها على مياه الشبكة على رغم سعرها العالي. ولكن هناك أيضاً مخاطر من استخدامها، إذ إنها تتم تعبئتها في قناني بلاستيكية من نوع البولي ­ إيثيلين تيريفثالات (ذش) القابلة للتدوير والتحلل البيولوجي، تصل فترة صلاحية المياه فيها إلى سنة واحدة من تاريخ التعبئة، وهناك بعض الشركات تتمادى في فترة الصلاحية لتصل إلى السنتين، ويشترط حفظها في مكان بارد وعدم تعرضها للشمس والحرارة. ولهذه المواصفات والاشتراطات أسباب إذ إن تعرضها للحرارة يؤدي إلى تفاعل المادة البلاستيكية المصنوع منها القناني القابلة للتحلل وقد ينتج عنها مواد مضرة بالصحة. ولذلك ينصح الخبراء بعدم شرب هذه المياه إذا كانت قد تعرضت للشمس (يمكن بزيارة للأسواق الشعبية مثل السوق المركزي أو سوق واقف بمدينة حمد التعرف عن كثب على الطرق «المتخلفة» لحفظ هذه المياه،)، كما ينصح المختصون لزيادة الحيطة عدم شرائها إذا كان عمرها أكثر من 6 أشهر. وفي هذا السياق، هناك معلومة مهمة أخرى ذات علاقة بالمخاطر الصحية لهذه القناني البلاستيكية المستخدمة لتعبئة المياه مرتبطة بالسابقة وأجد بأنه من الواجب ذكرها، وهي أن هذه القناني البلاستيكية آمنة للاستخدام مرة واحدة فقط بافتراض عدم تعرضها للشمس والحرارة، والسبب بحسب بعض الدراسات العلمية التي أجريت في الولايات المتحدة الاميركية هو احتواء المادة المصنوعة منها هذه القناني على عنصر محتمل مسبب للسرطان يسمى داي ­ إثيل ­ هيدروكسيل ­ أمين (بء)، وأن غسل وشطف هذه القناني أكثر من مرة يمكن أن يؤدي إلى تحلل مادة البلاستيك ودخول هذه المادة المسرطنة إلى الماء أو المادة المحفوظة بها، ويساعد على ذلك ارتفاع درجة الحرارة. وللأسف نجد أن البعض يعيد استخدام قناني المياه المعبئة أكثر من مرة أو لحفظ مواد مختلفة بها، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة مخاطر دخول هذه المواد المسرطنة في جسم الإنسان. وللأمانة العلمية، فإن هذه المعلومة مازالت مثار جدل بين الباحثين العلميين وأنصار البيئة والصحة من جهة وبين الاتحاد العالمي للمياه المعبئة (ةطء) والشركات المصنعة للبلاستيك من جهة أخرى، إلا أنه من الواجب اتخاذ الحيطة والحذر في التعامل مع هذه القناني. * أستاذ إدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العرب

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1243 - الإثنين 30 يناير 2006م الموافق 30 ذي الحجة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:30 م

      زينب

      يعطيك العافية على هذا المقال.. ولكن عندي استفسار.. هل لديك فكره عما اذا يتم اضافة مادة الفلورايد لماء الشرب المحلي "البيلر" أم يضاف فقط في المياه المعبأة ؟

اقرأ ايضاً