العدد 1244 - الثلثاء 31 يناير 2006م الموافق 01 محرم 1427هـ

صعود التيارات الدينية ومستقبل نظم الحكم

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

اهتزت المنطقة وارتجت على وقع الفوز المفاجئ لحماس بالغالبية في الانتخابات الفلسطينية، التي جرت قبل أيام وحصلت على شهادة النزاهة. وبعد 40 عاماً من تأسيس حركة فتح 1965 ­ ،2006 وهيمنتها على قيادة الكفاح الفلسطيني ثورة وسلطة، تراجعت إلى مراكز الأقلية «43 مقعداً من مجموع 132» وانتقلت بعد طول بقاء في مراكز السلطة إلى الصفوف الخلفية للمعارضة، في وضع جديد لم تتعوده، ما يطرح عليها مزيداً من التحديات. غير أن التحديات الرئيسية هي تلك المطروحة على حماس «حركة المقاومة الإسلامية» التي فازت بغالبية 76 مقعداً في المجلس التشريعي، فإذا بالفوز يفاجئها هي بقدر ما فاجأ منافستها حركة فتح، ومعها كل الأطراف الأخرى... فها هي حركة إسلامية «اخوانية الجذور» تؤمن بالكفاح المسلح وتمارسه لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وترفض الاعتراف بـ «إسرئيل» مثلما كانت ترفض المشاركة أو الاعتراف باتفاقات أوسلو 1973 ­ 1975 بين السلطة الفلسطينية و«إسرائيل»، تصل إلى الحكم عبر الانتخابات. وها هي حركة إسلامية تصنفها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بأنها منظمة إرهابية، تقتحم العملية الديمقراطية وتفوز بانتخابات نظيفة، تصل إلى قمة السلطة الفلسطينية لتواجه أكبر وأخطر التحديات. وبداية... فإن صعود حماس بهذا الشكل المفاجئ، لا يشكل السابقة الأولى ولا الأخيرة، في الساحتين العربية والإسلامية. فثمة حركات إسلامية كثيرة فعلت ذلك، وثمة مؤشرات كثيرة توحي بأن المزاج العام بين الشعوب يميل إلى التغيير الجذري، من خلال التصويت لأطراف أو أحزاب راديكالية ترتبط بالدعوة الدينية، بعد أن احبطتها تجاربها السابقة مع أطراف وأحزاب ليبرالية أو مدنية أو علمانية، ما يعني أن الأحزاب الدينية تطرح نفسها بديلاً لنظم الحكم القائمة. المهم أننا امام ظاهرة سياسية جديدة، تتمثل في اقتحام الأحزاب والتيارات الإسلامية لساحة السياسة وخوض الانتخابات والفوز بها. ومواجهة كل الصعاب وتخطي العقبات التي طالما وضعت امامها وحولها، وهذا ما يستدعي صوغ موقف جديد برؤية جديدة لمثل هذه الظاهرة، طالما أنها جاءت عبر عملية ديمقراطية سليمة، في وقت تتهم فيه أطراف أخرى كثيرة، هذه التيارات الإسلامية، بأنها معادية للديمقراطية، وإن كانت تستغلها مرحلياً للوصول إلى الحكم، بديلاً لنظم طال جمودها على مقاعد السلطة من دون تغيير أو تطوير، والحقيقة أننا أمام مشهدين يتحدثان باسم الإسلام بلسانين واضحين، وبلغة متناقضة، يطرحان أفكاراً وسياسات وممارسات تدّعي أنها ترجمة لجوهر الإسلام، وحكمه ولكن بطرق تثير كثيراً من الأسئلة. ­ مشهد تنظيمات ما يسمى بالإسلام الجهادي أو القتالي، التي تمتد بفروعها من أفغانستان والعراق شرقاً إلى المغرب والجزائر غرباً، عبوراً في عمليات إغارة مفاجئة إلى شواطئ أوروبا وعواصمها، وهنا تبدو الرموز، القيادات واضحة المعالم، بن لادن والظواهري والزرقاوي، وقد لاحقتهم الإدانة بالإرهاب والعنف الدامي، وجلبوا على الإسلام والمسلمين الهجوم الضاري والدعاية السوداء والسمعة السيئة، ­ مشهد تيارات الإسلام السياسي، الاجتماعي، التي قبلت الخوض في المعترك الرئيسي للعمل العام وشروطه وقيوده، وأهمها طبعاً جماعة الأخوان المسلمين في مصر والخليج والأردن «جبهة العمل الإسلامي»، وجبهة الإنقاذ الجزائرية في بداياتها، وحزب النهضة التونسي المحظور، وجماعة حسن الترابي في السودان قبل تحولاتها، وغيرها كثير. وفيما بين المشهدين الأول والثاني، تقفز حماس الفلسطينية بصورة متميزة، لأنها الحركة الإسلامية ذات الجناحين السياسي والعسكري، التي تمارس العملين معاً ولا تفرّط في أحدهما على حساب الآخر، حتى الان على الأقل، ولذلك اعتبرها الغرب الأوروبي الأميركي حركة إرهابية، بينما اعتبرها كثيرون وأنا من بينهم، أنها حركة تحرير وطني، نتفق معها أحيانا ونختلف، ولكن هذا لا يسقط وجودها طرفاً أصيلاً في حركة الكفاح الفلسطيني، ولذلك فإن اكتساحها للانتخابات الأخيرة، لا يشكل مجرد انتصار سياسي، بقدر ما يشكل مأزقاً تحوطه التحديات والأعباء الثقال، إذ ينتظر الجميع، من فتح المتراجعة إلى «إسرائيل» القلقة، ومن أميركا الغاضبة إلى العرب الواجفة، ماذا ستفعل حماس فور انتقالها من المعارضة إلى الحكم. ومن الحوار بالسلاح إلى الحوار بالسلام، على غير توقع أو انتظار، في الليلة السابقة ليوم الانتخابات الفلسطينية، كانت كل أو معظم المراجع السياسية والإعلامية محلياً وإقليمياً وعربياً، تتحدث بثقة عن فوز فتح بالمركز الأول وحماس بالمركز الثاني... في الليلة التالية لإعلان النتائج المفاجئة للانتخابات، شلت الصدمة كل الأطراف، فإذا بهذه المراجع ذاتها، تقول حسنا، دعونا ننتظر ونعرف ماذا ستفعل حماس بالسلطة والحكم، والحقيقة أن الكل يترقب كيف ستتصرف حماس في الملفات الملغومة، التي عليها أن تتدبر أمورها رسميا، بعد أن كانت تناوشها من بعيد، وأهم هذه الملفات طبعاً، هو سرعة التأقلم في مرحلة الانتقال من المعارضة والمقاومة المسلحة ورفض «للمسيرة السلمية» إلى إدارة هذا كله وتحمل مسئولياتها السياسية والعسكرية، الفلسطينية والدولية، بما في ذلك طبيعة علاقاتها مع «إسرائيل»، وهل تظل على رفضها وعدم الحوار معها، في ظل رفضها السابق لاتفاقات أوسلو وكل ما نتج عنها. ولا يقل عن ذلك أهمية، ملف مواجهة الواقع المرير للشعب الفلسطيني، من حفظ الأمن إلى توفير العمل ولقمة العيش اليومية، في ظل ضغوط اقتصادية رهيبة طالما انتقدتها حماس وهي في المعارضة، وخصوصاً الفساد، غير أن التهديدات الأميركية والأوروبية بوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية إذا تولت حماس الحكم، يضيف عبئا في هذا الملف لا يسهل احتماله إلا إذا خرجت حماس بحلول عبقرية جديدة... ولا نظن أن تحدي الوحدة الفلسطينية في الداخل، وصوغ أقوى العلاقات مع الدول العربية، خصوصاً مصر والأردن والسعودية وسورية، وتهدئه المخاوف الإقليمية والدولية، على أهميته، فضلاً عن طريقة إدارة العلاقات مع «إسرائيل»، حواراً أم صداما، لا يعفي حماس وهي في الحكم بعد عقود من المعارضة، من التحدي الأخطر والأهم، وهو ما ينتظره الجميع هنا وهناك، ونعني، إلى إي مدى سيتمكن تيار إسلامي راديكالي، من إدارة دفة الحكم بعد أن فاز في انتخابات حرة، لشعب في شبه دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي، تفتقد حتى الان كل عناصر السيادة والاستقلال الكامل... هل ستحول حماس غزة والقطاع إلى إمارة طالبانية على النموذج الافغاني. أم تقيم فيها سلطة وطنية عاقلة، تثبت فيها عكس ما يروجه الاسرائيليون والأميركيون والمتأمركون العرب، والحقيقة أن هذا التحدي والاختبار ليس مطروحاً اليوم على حماس الفلسطينية وحدها، ولكنه مطروح بصيغ مختلفة وأشكال متعددة، وبجوهر واحد، على تيارات الإسلام السياسي المختلفة، التي قبلت بالعمل السياسي العام وشرعيته، وبدأت الاندماج في العملية الديمقراطية بقرار واضح وقلب سليم ونية أكيدة وبرنامج سياسي معلن، ونخص بالذكر هنا، ألوان الطيف المختلفة، ابتداء من الاحزاب الشيعية في العراق وقد حصلت على المركز الأول في الانتخابات الأخيرة، مروراً بحزب الله في لبنان، والاحزاب الإسلامية في الأردن والجزائر والسودان والبحرين، انتهاء بجماعة الأخوان المسلمين في مصر وفروعها وتنويعاتها الكثيرة. بعض هذه الأطراف الإسلامية التوجه، الحديدية التنظيم، حققت اختراقاً واضحاً في الاندماج في العملية السياسية، مثل جبهة العمل الإسلامي في الأردن، جماعة الاخوان، التي طالما شاركت وتشارك بوزارة في الحكومات المتعاقبة، عبر برامج سياسية واضحة معلنة، وبعضها الأخر مثل جماعة الاخوان في مصر ما زالت غامضة البرامج السياسية المحددة الأهداف والوسائل ما يثير هواجس الليبراليين والمثقفين والسياسيين، مثلما يثير مخاوف الأقباط خصوصا. ولان الاخوان دخلوا بقوة تحدي الانتخابات المصرية الأخيرة، وفازوا بـ 88 مقعداً، أي 20 في المئة من المجموع العام، في سابقة مهمة، واكتسبوا بذلك وجودا سياسياً على رغم عدم اكتسابهم اعترافا قانونيا، فانهم أكثر أطراف التيارات الإسلامية السياسية، الذين يجب عليهم ممارسة «الإفصاح» من خلال برنامج سياسي محدد، يتحاور حوله الكل في شفافية وصراحة وقبول متبادل. ولقد سبقهم وتفوق عليهم فصيل من شباب الاخوان انشقوا عن الجماعة قبل سنوات، وانشأوا «حزب الوسط» ببرنامج سياسي ينبع من العقيدة الإسلامية. لكنه يطرح رؤية سياسية منفتحة تتخطى حواجز الجماعة وقيود مكتب الإرشاد، وتحاول أن تتأقلم مع التيارات المدنية الأخرى المندمجة في العملية الديمقراطية... وفي الوقت الذي اقتحم فيه الأخوان البرلمان بمقاعدهم الحالية، من دون إعلان برنامج سياسي واضح، ومن ثم دون اعتراف قانوني بهم، فإن حزب الوسط الذي يملك البرنامج السياسي الأقرب للأحزاب السياسية المدنية، هو الذي يعجز حتى الان من كسب معركة الاعتراف القانوني به امام المحاكم، وعلى رغم أنني من أنصار الدولة المدنية القائمة على أسس الديمقراطية الحديثة ومبادئها في الحرية والعدل والمساواة واحترام حقوق الانسان، من دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو العقيدة، فإن واقع صعود التيارات الإسلامية السياسية، في منطقنا من العراق إلى المغرب، وأحدثها فوز حماس في فلسطين، فضلا عما يجري في مصر، يفرض علينا ضرورة دراسة هذا الواقع والاهتمام بتطوراته الايجابية والسلبية والعمل على ترشيدها، وفق أسس قانونية وسياسية واجتماعية واضحة المعالم والأهداف والوسائل. ومن عجب أن الأكثر اهتماما بهذا الواقع الجديد، ونعني ظاهرة صعود التيارات الإسلامية السياسية، هم الأميركيون والأوروبيون، ربما لأنهم الأكثر دراية بحقيقة ما يجري داخل مجتمعاتنا، التي تطمح إلى التغيير لكنها لا تستطيع، فتعطي أصواتها وتمنح تأييدها، لمن يتحدى جمود الحال وبلادة الأحوال، إضافة إلى عجز الحركة والخيال!

خير الكلام

يقول المتنبي:

يرى الجبناء أن العجز عقل

وتلك خديع

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1244 - الثلثاء 31 يناير 2006م الموافق 01 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً