العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ

على العرب مساعدة الفلسطينيين لمواجهة الإسرائيليين

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

في المشهد الفلسطيني، يتحرك المجتمع الدولي بقيادة دولته العظمى (الولايات المتحدة الاميركية) إضافة إلى دولة الاحتلال «إسرائيل»، ليفرض على الشعب الفلسطيني العقوبات المالية والاقتصادية والسياسية في انتخابه الديمقراطي مجلسه التشريعي الجديد، مانحاً أكثريته المطلقة لحماس التي لم تعترف بـ «إسرائيل» الغاصبة للأرض والقاتلة والمدمرة للإنسان، والتي لم تنفذ أياً من قرارات المجتمع الدولي، ولم تلتزم بتنفيذ ما أعلنت تنفيذه، هذا إضافة إلى الجريمة الكبرى لحماس لدى المجتمع الدولي، وهي مقاومتها لاحتلال «إسرائيل» الأرض والإنسان بحجة الدفاع عن النفس.

والسؤال الذي يطرحه الشعب الفلسطيني على ما يسمى المجتمع الدولي، ولاسيما اميركا وأوروبا واللجنة الرباعية، لماذا لم يطالب «إسرائيل» بـ:

1 - الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة وإزالة الاحتلال المنافي لحقوق الشعوب في الحرية.

2 - الاعتراف بحقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 194 في الوقت الذي يقف هذا المجتمع مع كل يهود العالم في القدوم إلى فلسطين وطرد الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم.

3 - التأكيد على «إسرائيل» حكومةً وشعباً بالامتناع عن العنف في الاغتيال والاعتقال وتدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني.

4 - اعتبار القضية الفلسطينية قضية سياسية وليست أمنية.

5 - اعتبار مجاهدي الفصائل الفلسطينية مقاومين للاحتلال لا إرهابيين، بل هم مدافعون عن شعبهم بحسب القوانين الدولية.

6 - الدخول في المفاوضات السياسية مع حركة حماس من دون قيد أو شرط كأي فريقين متحاربين.

إن مطالبة حماس بإلغاء ميثاقها من دون مقابل، والتهديد بالعقوبات الاقتصادية للشعب الفلسطيني، يمثلان ابتعاداً عن القيم الإنسانية وعن الديمقراطية، في الوقت الذي يُقدَّم فيه لـ «إسرائيل» كل الدعم المالي والعسكري والسياسي. ومن اللافت ما نسب إلى رئيس السلطة محمود عباس، أنه لن يكلف حماس بالحكومة إذا لم تعترف بـ «إسرائيل»، فإذا كان ذلك صحيحاً كان مستغرباً، لأن رئيس السلطة الفلسطينية في تجربته مع العدو، يعرف أن العدوّ تنكّر لكل الاتفاقات مع السلطة، واستهان بحقوق الشعب الفلسطيني، وعمل على إذلاله وإذلال حكومته... ثم إن ذلك يمثل خروجاً عن إرادة الشعب كله.

إننا نعتقد أن على العالم العربي والإسلامي الوقوف مع إرادة الشعب الفلسطيني، وتقديم المساعدات المالية له رفضاً للتهديد الاميركي والأوروبي والإسرائيلي، ودفاعاً عن خياراته الحرة، والتدخل مع العالم للقبول بها، وامتناعاً عن الضغط على العدالة الإنسانية. وعلى الشعوب أن تضغط على أنظمتها ليكون الموقف العربي والإسلامي واحداً في هذا الاتجاه.

وإذا كان العدو، إلى جانب اميركا، يهدد بقطع الطريق على حقوق الفلسطينيين من الضرائب والمساعدات، فعلى الشعوب العربية والإسلامية أن تضغط بكل قوة على حكامها، وأن تعود إلى الشارع لترفع الصوت عالياً بوجوب مقاطعة البضائع الإسرائيلية والاميركية، وأن توضع القرارات العربية بهذا الشأن موضع التنفيذ، ولا تبقى كغيرها مجرد حبر على ورق.

وفي جانب آخر، فإن على المسلمين في العالم أن يتابعوا تحركهم ضد الإساءة إلى شخصية الرسول الأعظم محمد (ص)، ليعلم العالم أن هذه المسألة لا تمثل تفصيلاً من تفاصيل حرية التعبير، بل هي حرب على الأمة الإسلامية في مقدساتها، وإساءة إلى كل القيم الروحية. ولذلك، لابد من ممارسة كل الضغوط السلمية في هذا الاتجاه، وأن تنطلق المقاطعة في حركتها الفاعلة والمواقف الإعلامية والسياسية وحركة الاعتراض الحاسمة في الشارع وفي الأوساط العلمية الكبرى، لمنع هذا الامتداد في حركة الجريمة التي تمثّلت في الإساءة الكبرى إلى النبي (ص)، وفي حملات التشويه المستمرة للإسلام في أكثر من موقع غربي.

ونبقى في العراق الذي يتحدث عنه الرئيس الاميركي باعتباره إنجازاً من إنجازاته في الديمقراطية، لنلاحظ أن الاحتلال الاميركي قد حوله إلى ساحة العنف والفوضى التي بشر بها كجزء من مشروعه مما سماه الفوضى البناءة في العالم، ولنطلب من العراقيين الخروج من الدوامة السياسية في الجدل القائم والتوصل إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، تحقق مصالح الشعب العراقي، وتعمل على إزالة الاحتلال، وتقضي على الإرهاب التكفيري الذي يستهدف حياة العراقيين المدنيين الأبرياء، وتؤكد أن النصر هو نصر الشعب كله، لا نصر أميركا الذي يبحث عنه الرئيس بوش في اعتبار الاحتلال حرية وتأكيداً للديمقراطية خلافاً لكل القيم الإنسانية الحضارية.

ومن جانب آخر، لانزال نتابع التهديدات الموجهة إلى إيران من قِبَل اميركا وأوروبا في ملفها النووي السلمي، وإعلان اميركا أنها ستقف عسكرياً ضد إيران إذا اعتدت على «إسرائيل»، في الوقت الذي يعرف الجميع أن «إسرائيل» هي التي هددت إيران بقصف مفاعلها النووي، وأن إيران أعلنت أنها ستدافع عن نفسها ضد ذلك العدوان، ولكن الرئيس الأميركي يرى في سياسته أن «إسرائيل» هي يدها الضاربة في مشروعاتها العدوانية التي تعمل لإيجاد حال من الاهتزاز في المنطقة من أجل مصالحها ومصالح «إسرائيل» الاستراتيجية ضد العالم كله.

إننا نتوجه إلى الدول الأوروبية أن تراعي مصالحها في المنطقة، فلا تخضع للسياسة الاميركية في مخططاتها التي قد تتحول إلى ما يشبه اللعب بالنار، وذلك في استخدام الأمم المتحدة للضغط على إيران وعلى المنطقة كلها... ونريد للعالم الإسلامي أن يقف الموقف القوي الحاسم في رعاية مصالحه، لرفض هذه الاستباحة الغربية في التحالف ضد الشعوب الإسلامية لمنعها من الدفاع عن نفسها، ومن التخطيط للحصول على الخبرة العلمية المتقدمة في تطورها العام.

أما لبنان، فإننا في الوقت الذي نرحّب بالإجراءات والمواقف التي جرى اتخاذها لحلّ الأزمة الحكومية، فإننا نؤكد رفدها بخطوات عملية تؤدي إلى تعزيز الثقة بين الأطراف اللبنانية كافة، وخصوصاً الممثلين في الحكومة، الأمر الذي يؤكد أن على المعنيين الالتزام بما تحدثوا به عن المقاومة ودورها، لأن من شأن ذلك أن يحمي الساحة الداخلية من خلال تعزيز الثقة داخل مجلس الوزراء نفسه، وانعكاس ذلك إيجاباً على الساحة كلها.

إننا نرحّب بالتفاهم الجديد الذي نريده أن ينعكس إيجاباً على الواقع السياسي والاقتصادي للناس، وأن يوقف حملات التراشق الإعلامي والاهتزازات السياسية، وأن يؤسس لمرحلة تفاهم جديدة تمنع الاختراقات الخارجية للبلد، وخصوصاً الاختراق الاميركي الذي كان المسئول الأساسي عن الانقسام الداخلي الذي انعكس شللاً وجموداً في الجوانب الاقتصادية والسياسية وأوحى إلى اللبنانيين بالقلق في جوانب أخرى، منها المسألة الأمنية. هذا، في ظل اقتراب المسألة الاقتصادية من حافة الهاوية على المستوى الاقتصادي العام، بعدما صادر النافذون ثروات البلد وأملاك الدولة واستغلوا مواقعهم لإدخال محاسيبهم إلى إداراتها بما لا تحتاجه من موظفين. هذا، إضافة إلى الصفقات الخفية التي لايزال اللبنانيون يدفعون أثمانها الباهظة في سلسلة الديون المتراكمة وآثارها المدمرة.

إننا نحذر من أن كل الضرائب القادمة لن تسد العجز، لأنها ستذهب إلى جيوب حراس الفساد وجماعات الهدر، وستبقى الخطة هي تنظيف جيوب الفقراء وتجويع المحرومين ومصادرة حقوق العمال والموظفين، ولاسيما المعلمين... ويظل الهمس في مسألة التوظيف الذي يتحدث فيه الناس عن الطائفية والمذهبية، على طريقة كلما دخلت أمة لعنت أختها.

أيها اللبنانيون، أيها المسئولون، أيها السياسيون، ارحموا بلدكم وارحموا المواطنين الذين أتخموا بالتصريحات العنترية والأساليب الإنشائية ليأكلوا كلاماً وكلاماً، وليبقى الجوع والحرمان يفرض نفسه على الواقع كله...

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1249 - الأحد 05 فبراير 2006م الموافق 06 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً