العدد 1260 - الخميس 16 فبراير 2006م الموافق 17 محرم 1427هـ

حوادث المطار وحزمة القوانين المتوجسة أمنيّاً

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

سنتان هو الحكم الذي صدر بحق متهمي المطار الذين تم إيقافهم منذ 25 ديسمبر/ كانون الأول 2005 على خلفية توقيف الشيخ محمد سند، والتهمة هي التجمهر لأكثر من 5 أشخاص وفقاً لقانون التجمعات. فبعد أن اطلعت المحكمة على الأشرطة المسجلة، وسماع الشهود، برأت المعتقلين من تهم التكسير وتخريب الممتلكات العامة وترويع الناس والاعتداء على قوات الأمن، وهي التهم الأبرز التي ركزت عليها بعض الصحف المحلية وكررتها بقوة حتى ساد اعتقاد بأنها التهم الوحيدة من دون تهمة التجمهر. واتضح أن كل فترة التوقيف ورفض القاضي إطلاق سراح المعتقلين إلى حين المحاكمة، لم يكن وراءه سوى تهمة التجمهر لأكثر من 5 أشخاص، وقد قضى أحدهم موقوفاً لمدة شهر كامل ثم برأته المحكمة!

وبهذا الحكم انتفت التهم الأبرز التي رقص على أنغامها طويلاً بعض كتاب الفتنة، وطالب الحكومة بإنزال العقاب الشديد بهؤلاء الشباب.

الأدهى أن بعض هؤلاء الكتاب استبق احتمال صدور عفو ملكي، وزعم بخطأ ذلك لو حصل، زاعماً أن العفو يعد حافزاً يدفع للجرأة على الدولة وتكرار هذه الأعمال، وكأنما من بيده إصدار العفو غائب عن ذهنه مثل هذا الأمر.

ويثير اللجوء إلى قانون التجمعات، واقتصار المحاكمة على مجموعة محدودة من بين الأعداد الكبيرة ممن حضروا الاعتصام أكثر من سؤال، فهذا الحادث يعيد إثارة الإشكالات القانونية والدستورية بشأن القانون نفسه، وكذلك يعمق توجسات المعارضة بشأن أغراض السلطة من هذه الخطوة.

المعروف أن هذا القانون يتعارض مع مبادئ الدستور العامة وروح الحق فيها، وقد صدر بعيون مرتابة أمنياً في ذلك الحين، وهذا ما جعله قانوناً للتقييد بدل أن يكون لمجرد تنظيم استخدام حق التجمعات. هذا القانون صدر قبل وجود حياة دستورية وقبل خروج دستور 73 للنور، فقد صدر بمرسوم بقانون رقم «18» في سبتمبر/ أيلول سنة 1973 بينما صدر دستور 73 في ديسمبر من العام نفسه، إلا أن المادة 105 من الدستور القديم حمته من الإلغاء، كما حمت المادة 121 من دستور 2002 المراسيم التي صدرت قبل انعقاد المجلس الوطني المكون من غرفتي مجلس النواب ومجلس الشورى من الإلغاء.

وقانون التجمعات هذا لم نكن نعرفه على المستوى العملي حتى ما قبل حركة التسعينات، إلا أن السلطة لما أرادت الاستفادة من وجود هذا القانون المعلق على الرفوف، نفضت عنه الغبار، فظهر كم هو سيئ، إذ وصل الأمر أثناء أزمة التسعينات إلى الحد الذي يتطلب إعلام مركز شرطة المنطقة بـ «زفة» الأعراس، بل حتى تشييع الجنازات يستوجب إعلام المركز. وتحريك السلطة لقانون ميت منذ أمد بعيد، ومحاولة نفخ الروح فيه بواسطة معاقبة ثلة من الشباب بالسجن سنتين، يضع علامة استفهام بشأن الرسائل التي تود السلطة التنفيذية إيصالها.

من الصعب استيعاب تطبيق هذا القانون المجحف في هذا العصر، وبالذات بالكيفية التي حصلت في حوادث المطار، فمع العلم أن الكثير من التجمعات حدثت من دون ترخيص وحتى من دون إعلام للجهات المعنية، فإن السلطة لم تحرك الادعاء العام ضدها.

هذه الانتقائية في تحريك القانون من قبل السلطة التنفيذية، وتلكؤها في تعديل القوانين غير الدستورية يعيد اليقظة إلى الكثير من التوجسات النائمة، وخصوصاً أن الحكومة مازالت تشغل المجلس الوطني بمشروعات قوانين أقل أهمية من إصلاح القوانين المقيدة التي تتناقض ومبادئ الدستور، مستفيدة في ذلك من تفوقها المكرس دستوريا والذي يعطيها حق الأولوية في مناقشة ما تطرحه أمام المجلس النيابي كما جاء في المادة 81 من الدستور: «على أن تعطى الأولوية في المناقشة دائماً لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة».

إن البلد مملؤ بالقوانين التي تحتاج إلى تعديل، فقانون الصحافة - مثلا - لو تم تطبيقه لدخل كل الصحافيين السجن بحسب بعض القانونيين، وكثير من هذه القوانين صدر في الفترة التي تم فيها حل المجلس الوطني سنة 1975، ولو تم تفعيل بعض هذه القوانين لعاش الشعب في حقبة جديدة تضاف إلى أكثر من ثلاثين عاما من حقبة قانون أمن الدولة.

غير أن الحكومة كما يبدو مصرة على بقاء حزمة القوانين هذه تلوح بها ساعة تشاء في وجه المعارضة، وتقوم بتنفيذها وفق مزاجها، فتحرك الادعاء العام لهذا الغرض متى أرادت، إذ لو كانت المسألة مجرد تطبيق للقانون، فلماذا يقتصر الأمر على عدد ضئيل ممن شاركوا في اعتصام المطار، كيف تتم إدانة 12 شخصا بينما من توجهوا للمطار يعدون بما لا يقل عن مئتين؟ إن تدخل الملك من أجل إطلاق سراح هؤلاء الشباب ضرورة ملحة، وذلك لأكثر من سبب، منها انتقائية تطبيق القانون القائم حاليًّا، ولعدم وجود قانون منصف للتجمعات يتناسب مع هذا العصر.

وتتأكد أهمية تدخل الملك لأنه وفقاً للدستور يرأس كل السلطات، فهو الوحيد القادر على حفظ التوازن بين السلطات في ظل اختلالها، وهو اختلال يعود إلى دستور 2002 نفسه الذي كرس تفوق السلطة التنفيذية على باقي السلطات.

وستبقى الحاجة إلى تدخل الملك قائمة في الكثير من المفاصل والحوادث إلى أن يتم تعديل الدستور بما يجعله قادرا على التصحيح التلقائي لأي خلل في التوازن، وحتى يتم إصدار قوانين منصفة يتم تنفيذها بعدل، ومنها قانون للتجمعات غير هذا القانون البالي الذي أكل عليه الزمن وشرب طويلاً.

كاتب بحرين

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1260 - الخميس 16 فبراير 2006م الموافق 17 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً