العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ

مع الإيجابية في مشاركة الإسلاميين في العملية السياسية

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

أراد الإسلام للإنسان أن ينفتح على الحياة كلها، وألا يتعامل مع الأمور بطريقة تشاؤمية، ليتطلع دائماً إلى إشراقة المستقبل، والتفاعل الإيجابي الذي يؤدي إلى خدمة مصلحة الإنسان. وهكذا لا نجد مانعاً من أن يمد المسلم يده إلى الآخر ليتشاركا معاً في رحلة الحياة، بما يخفف من ضغط الظروف والأوضاع القلقة عليهما، ومن هنا نشجع على التعاون العلمي والاقتصادي والتربوي والاجتماعي بين الكيانات الإسلامية وغيرها من الكيانات، بما يفضي إلى خدمة المصلحة الإنسانية العامة.

بل إن النظرة الإيجابية تمتد إلى الجانب السياسي ليكون المسلم فاعلاً في المشاركة السياسية، ولا يكون دوره هامشياً يستهلك ما ينتجه الآخرون من مصطلحات ومفردات ويتحرك وفق المنهج الذي رسمه الآخرون. ولذلك، نرفض السلبية المطلقة في أداء الإسلاميين، بل ندعوهم إلى المرونة والإيجابية في التعاطي شريطة أن يتنبهوا إلى ما قد ينصب لهم من فخاخ وما قد يراد لهم من الوقوع في الشباك والأحابيل السياسية، فلا يجوز أن نكون ساذجين في التعاطي مع الآخر الذي ينطلق من خطط مرسومة ومشروعات معدة، والذي يتحرك وفق مصالحه أكثر مما يتحرك ضمن منظومة قيم محدودة، وقد قال الإمام علي (ع): «إذا استولى الفساد على الزمان وأهله فأحسن رجل الظن برجل فقد غرر».

وهذا ما يفرض على الإسلاميين الذين يدخلون المعترك السياسي والتحدي الحضاري أن يعيشوا الاستنفار الشامل لما يحيط بهم من حركة إعلامية وثقافية وفكرية وسياسية، فيلاحقوا ذلك ملاحقة تفصيلية ليستطيعوا أن يكسروا هذا الطوق الذي يراد له أن يحاصر الإسلام. والأمر الآخر الذي لابد من التنبه إليه هو أن المرونة المطلوبة في المشاركة السياسية وغيرها مشروطة بألا تؤدي إلى حال من الميوعة، بحيث يغدو الإسلام لا لون ولا طعم له ولا رائحة، ويتنازل المسلم عن ثوابته وقيمه، بل علينا أن نعمل على اختراق الآخر وتقديم فكرنا الإسلامي إلى العالم. وهذا ما يفرض علينا أن نتحرك في صناعة القوة، إن في الجانب السياسي العسكري والأمني أو في الجانب الفكري، من خلال تأصيلنا للمفاهيم الإسلامية وإدخالها في صلب العملية السياسية بعيداً عن اللغة الخشبية التي يستعملها بعض المسلمين والتي لا تجد لها آذاناً صاغية في هذا العالم، لأنها تنتمي إلى زمان تصرم وآذن بالرحيل.

إن معنى أن تكون، كداعية وكإسلامي، إيجابيا لا يعني الضعف والذوبان في الآخر، كما أن رفض السلبية لا يعني الهروب من الواقع والابتعاد عن مواقع التحدي. ولذلك كانت دعوتنا المستمرة إلى الإسلاميين إن في العالم العربي والإسلامي أو في بلاد الاغتراب، ليدخلوا في صلب العملية السياسية، ولا يعزلوا أنفسهم عن المواقع وإن أدى ذلك إلى أن يرجمهم الآخرون بالحجارة بذريعة استغلال الدين وتوظيفه في العملية السياسية، لأننا نعرف أن العالم المستكبر يسعى دائما كي يقيدنا بقيمنا أو يضعنا أمام خيارين: الإيجابية التي تعني الخضوع لإرادته ومصالحه، أو السلبية التي تمثل حالاً من حالات النفي والإقصاء بحجة عدم انتمائك إلى العالم المتحضر وقيمه، لأنك تدافع عن بلدك في مواجهة الاحتلال، ما يعني أنك إرهابي مطرود من رحمة هذا العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء.

وفي هذا الإطار، يمكن فهم الحملة التي تعرضت لها حركة «حماس» لمجرد تسجيلها أرقاماً ناجحة في الانتخابات الفلسطينية، الأمر الذي أثار الإدارة الأميركية وحتى الاتحاد الأوروبي الذي هدد ممثله (سولانا) بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية رافضا مشاركة من لا ينبذ العنف، ليقال لحماس والفصائل الفلسطينية: ممنوع عليكم أن تقاوموا الاحتلال أو المشاركة في العملية السياسية والانتخابية، وإن مصيركم يا من تمثلون الأكثرية هو الطرد والإقصاء.

إن معنى ذلك أن أميركا والاتحاد الأوروبي يمارسان عملية إرهاب سياسي بامتياز ضد الشعب الفلسطيني ليتدخلا في خياراته وانتخاباته ويفرضا ضغوطا جديدة عليه قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، وليقدما إلى العالم نموذجا جديدا في صورة الديمقراطية الغربية القادمة إلى المنطقة تحت وابل من الضغوط السياسية والهجمات العسكرية والإعلامية.

إن أميركا التي حاورت الفيتناميين وتحاور بعض فصائل المقاومة العراقية تريد أن تقطع كل مجالات وخيارات الحوار مع «حماس» وغيرها من فصائل الانتفاضة نزولا عند الرغبة الإسرائيلية وخوفا من النتائج السياسية التي قد يعكسها الحوار، وهذا يعني أن أميركا ليست جادة في كل دعوات الديمقراطية والحرية. إن هذا الموقف يمثل اعتداء جديدا على الشعب الفلسطيني وعلى الفصائل والتيارات التي تحظى باحترام كبير في العالمين العربي والإسلامي، ما يعني استمرار مشكلة أميركا مع الشعوب العربية والإسلامية، بل ازديادها تعقيدا، ونحن نستغرب كيف أن أوروبا التي تعاين المأزق الأميركي في المنطقة تنزلق إلى المنحدر نفسه ما قد يجعلها تقطف النتائج نفسها.

إننا أمام هذا المشهد وأمام الاعتراضات الغربية غير المسبوقة في رفض حديث الرئيس الإيراني عن المحرقة اليهودية ودعوته إلى استكشاف الحقيقة بشأن الأرقام الحقيقية لعدد القتلى من اليهود في هذه المحرقة نسأل: أين هي حرية التعبير التي تتغنى بها الأوساط الغربية، وأين هي منظمات حقوق الإنسان الغربية؟ ولماذا تثور الدنيا أمام علامات استفهام ترسم حول مسألة كهذه، فيما يراد للمسلمين بأجمعهم أن يسكتوا عن حملات التشويه التي تطاول دينهم وعن الإهانات التي تتعرض لها رموزهم، وخصوصاً في التهجم والتطاول على النبي الأكرم (ص)؟ إن هذا العالم ينافق حتى وهو يثير الإيجابيات في هذه العملية الانتخابية أو في هذا التحرك الشعبي هنا وهناك، وعلينا ألا ننهزم أمام حملاته وضغوطه، لأن القوم فشلوا في هزيمتنا أمنيا وسياسيا، ويراد لنا أن ننهزم في المعركة الإعلامية والنفسية، وعلينا أن نعد العدة الثقافية والإعلامية للمواجهة حتى لا نخسر على جبهة ما قد نربحه في الجبهات الأخرى

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1274 - الخميس 02 مارس 2006م الموافق 01 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً