العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ

والتأمينات الاجتماعية في الفصل التشريعي الأول للمجلس 2002 - 2006

تقرير لجنة التحقيق في الأوضاع المالية لصندوق التقاعـد

فريد غازي جاسم رفيع comments [at] alwasatnews.com

استجابة لعدد كبير من قراء «الوسط» الذين اتصلوا بي لإلقاء مزيد من الضوء على نتائج لجنة التحقيق البرلمانية التي شكلها مجلس النواب في الدور التشريعي الأول من الفصل التشريعي الأول، على خلفية نشر دراسة قصيرة عن دور مجلس النواب الرقابي والتشريعي في مجال حماية المركز المالي في الهيئة العامة لصندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية التي نشرت بتاريخ 18/3/2006، أجد نفسي أمام مسئولية تاريخية لبيان الحقائق من دون أي انحياز وبمنتهى المهنية، واحتراما لوعدي لقراء «الوسط»، مكررا بعض ما جاء في الدراسة لخدمة الموضوع وإبرازه للقارئ بالشكل المفيد.

المتتبع لأوضاع الهيئتين العامتين لصندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية خلال مسيرتهما منذ التأسيس، يجد أنه أثيرت الكثير من الملاحظات في الشارع العام على أداء الهيئتين فضلا عما أشيع في نهاية التسعينات عن أوضاعهما المالية، إلا أن الذي لفت اهتمامي هو تصريح المدير العام للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية الشيخ عيسى بن إبراهيم آل خليفة للصحف المحلية عن وجود إفلاس اكتواري متوقع للهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية سيحل خلال العام 2006، وكرر ذلك في جلسة مجلس الشورى السابق من دون أن يحرك ساكنا، وفي مجلس النواب في دور الانعقاد الأول السنوي العادي من الفصل التشريعي الأول، الثلثاء 15/4/2003، حينها أدركت أن الأمر يتطلب وقفة برلمانية حازمة ودفع الأمر إلى السطح للتحقيق بشكل شامل فيما أثاره المدير العام السابق نظرا إلى أهمية الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية التي يشترك فيها عدد كبير من أبناء الوطن الذين عملوا وكدوا خلال أحلى سنوات عمرهم لكي يستفيدوا وأهلهم في خريف العمر بما يتبقى لهم من معاش تقاعدي، فلا يعقل أن تتزعزع مكانة الهيئة المالية من دون أن يكون هناك تحرك واضح.

وإذ إنني أدركت أن دعوى المدير العام الصادقة ومطالبته برفع الاشتراكات لن تحظى باهتمام إلا بتسليط الضوء من خلال مجلس النواب على الأوضاع المالية بشكل كامل وشامل، وهو ما حدث في ذلك اليوم بأن قمت فوراً وقبل أن يجلس المدير العام على كرسيه في المجلس بجمع تواقيع أربعة من النواب بالإضافة إلى توقيعي لتقديم طلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية استنادا الى نص المادة (69) من الدستور والمواد (160 - 161 - 162) من اللائحة الداخلية للمجلس، للتحقق فيما أثاره مدير الهيئة العامة للتأمينات، على أن يشمل التحقيق الهيئة العامة لصندوق التقاعد، وتم تشكيل اللجنة بثمانية أعضاء، وشرفت بترؤسها بموجب القرار التنفيذي رقم (5) و(6) 2003، وباشرت اللجنة مهماتها منذ بدء تشكيلها، وانبثقت عنها أربع لجان مصغرة: الادارية، القانونية، الاستثمارية، ولجنة التدقيق. واستعانت اللجنة بفريق عمل مساند متخصص في الشئون المالية والادارية والاقتصادية والمحاسبية والقانونية، وذلك لتحليل البيانات والمعلومات الواردة بالمستندات المقدمة من الهيئتين. كما قامت اللجنة الأم واللجان الفرعية بعقد لقاءات مع المسئولين في الهيئتين سواء في مقر المجلس أو في مقر الهيئتين، كما استمعت إلى رأي الخبراء الاكتواريين بالنسبة إلى الهيئتين كل على حدة.

واستعانت اللجنة بفريق عمل من المختصين لمساعدتها في تجميع وتبويب وتحليل البيانات والمعلومات، كما استعانت بأحد بيوت الخبرة لمساعدتها في إعداد التقرير النهائي ووضعه في صيغة وقالب مناسبين. كما استعدت اللجنة واللجان الفرعية بمنهجية ذات طابع قانوني وفني خلال مراحل التحقيق ووضعت وعرفت في تقريرها ما هو الإفلاس الاكتواري والإفلاس الدفتري، وخلصت المراجعة الاكتوارية للهيئة العامة للتأمينات إلى نتائج وملاحظات. كما اكتملت نتائج التحقيق في أوضاع الهيئتين ووضعت في صورتها النهائية لمجلس النواب بتاريخ 15/12/2003، ووضع التقرير للمجلس في صورة تقرير مفصل بالبيانات والمعلومات الدقيقة وتقرير مختصر استرشادي يسهل على المجلس الوصول إلى نتائج التقرير بشكل مباشر.

وإذ إن هذا المقال لا يتسع لاستعراض ما جاء في مجلد تقرير لجنة التحقيق البرلمانية وخصوصاً أن معظم ما ورد فيه تم استعراضه في الصحف المحلية في ذلك الوقت، فإن ما يهم القارئ المختص هو توصيات اللجنة، وإذا ما استجابت لها الحكومة ومدى نسبة هذه الاستجابة. وكانت توصيات اللجنة بالنسبة إلى الهيئة العامة وضعت في (19) توصية جاء أهمها في توصية اللجنة بضرورة إعادة الاعتبار للشخصية الاعتبارية للهيئة العامة للتأمينات، وإعادة هيكلة مجلس الإدارة والجهاز التنفيذي وتشكيل جهاز أعلى للاستثمار، واسترجاع مبالغ قرض إنشاء مركز البحرين الدولي للمعارض مع الفوائد، ووضع معايير لمدقق الحسابات الخارجي وزيادة نسبة الاشتراكات. كما أوصت بتوحيد المزايا في كل من الهيئة العامة للتأمينات والهيئة العامة لصندوق التقاعد، وأوصت بدمجهما.

وبالمثل وضعت اللجنة توصياتها بالنسبة إلى الهيئة العامة لصندوق التقاعد وجاءت على المستوى التنظيمي الإداري، وعلى المستوى القانوني والاستثماري وعوائدها، وجاءت أهم توصية على المستوى الأول بإعادة هيكلة مجلس الإدارة بغرض تحقيق تمثيل متكافئ لأصحاب المصلحة (الحكومة، المتقاعدين المدنين والعسكريين)، وعلى المستوى الثاني اقترحت اللجنة حلولا قانونية أخذ بها فيما بعد في مشروع قانون الهيئة العامة لصندوق التقاعد. وعلى المستوى الثالث جاءت توصية ضرورة إعادة هيكلة جهاز الاستثمار، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل استجابت الحكومة لهذه التوصيات؟

وفي هذا المقام أدعي وبالمستندات والوثائق، أن نسبة نجاح لجنة التحقيق البرلمانية جاءت 100 في المئة، وان الحكومة استجابت للتوصيات بشكل كامل من دون استثناء، وتمثل ذلك في أربع خطابات موجهة إلى مجلس النواب وموقعة من سمو رئيس الوزراء، وهي الخطابات الآتية: خطاب 16 و23 مارس/ آذار 2004، وخطابان مؤرخان في 7 و10 أبريل/ نيسان 2004، استجابت الحكومة إلى جميع توصيات لجنة التحقيق البرلمانية، جاء أهمها:

أولاً: قامت الحكومة بتعديل كل من أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالمرسوم بقانون رقم (24) لسنة 1976 والقانون رقم (13) لسنة 1975 بشأن تنظيم معاشات ومكافآت التقاعد لموظفي الحكومة، وأحالت مشروعي قانون بتعديل القانونين المذكورين لمجلس النواب، وضمت الحكومة القانونين بناء على توصية لجنة التحقيق بإعادة هيكلة مجلس الإدارة، وهو ما سيضطلع بمهمات تنفيذ بقية التوصيات بما فيها جهاز الاستثمار وتطوير أدواته.

ثانياً: قررت الحكومة إعادة المبالغ المقترضة من الهيئتين كاملة مع فوائدها، وقررت في هذا الصدد تقديم تعويض عيني للهيئتين عن قيمة القرض المقدم لبناء مركز البحرين الدولي للمعارض، والقرض المقدم للشركة الوطنية للفنادق. وعن قيمة التبرعات التي قدمتها الهيئتان للمشروعات المختلفة وذلك بقيمة 8,634,420 ديناراً للهيئة العامة للتقاعد و7,635,602 دينار للهيئة العامة للتأمينات.

ثالثاً: تعويض الهيئة العامة للتأمينات عن كل من الأرض الكائنة في المنطقة الدبلوماسية والتي استملكت للمنفعة العامة، وكذلك تعويض الهيئة العامة لصندوق التقاعد عن الأرض التي تملكها بالمنطقة الدبلوماسية واستملكت للمنفعة العامة، واستجابت الحكومة لجميع التوصيات التي من اختصاصها وتركت التوصيات التي من اختصاص مجلس الإدارة المقبل لكل من الهيئتين لينفذها.

وقد أكد وزير العمل أخيراً في سؤال نيابي أن الحكومة أودعت مبالغ التعويضات في حساب الهيئتين، كما أن الحكومة تتجه أخيراً إلى رفع الاشتراكات في الهيئتين، وأكد ذلك وزير المالية في سؤال عن الموضوع ذاته.

يتبين من نتائج التحقيق أن اللجنة توصلت إلى تأكيد ما أوضحه الخبير الاكتواري في تقاريره وأكد مدير الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية السابق من وجود إفلاس اكتواري للهيئتين متوقع، وهو ما أكده تقرير ديوان الرقابة المالية في تقريره عن العام 2004، إذ جاء فيه أن الهيئة العامة للتأمينات تزيد فيها المزايا المدفوعة على الاشتراكات العام 2008، وان العام الذي يتم فيه الإفلاس الكامل 2031 والهيئة العامة لصندوق التقاعد تزيد فيه المزايا المدفوعة على الاشتراكات العام 2006 وإن العام الذي يتم فيه الإفلاس الكامل 2032. وأفاد التقرير «أنه إذا ما أضيف العجز الاكتواري الى الدين العام للدولة، وكلاهما عبء على الاقتصاد الوطني، فإن إجمالي الالتزام الحكومي يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمملكة».

وفي نهاية هذا المقال أحب أن أنوه بأن لجنة التحقيق البرلمانية أدت مهماتها بمنتهى المهنية والحرفية، ولا ندعي لها الكمال، إلا أن ما نتج عنها من تحقيق أخذ جل الاهتمام الرسمي والأهلي هو الغاية التي تحققت ونتج عنها تعديل شامل وأساسي في أوضاع الهيئتين وإرجاع أموالهما التي هي أساسا حقوق مكتسبة للمشتركين. وبذلك ساعد مجلس النواب وبنجاح كبير في أن يحافظ على حقوق المشتركين في الهيئتين، وتمت تأدية المهمة البرلمانية لهذه اللجنة التي لها السبق التاريخي في التحقيق في موضوع له هذه الأهمية الكبيرة، مع العلم أن لجنة التحقيق البرلمانية هي أداة رقابية دستورية مستقلة عن الأدوات الرقابية الأخرى كالاستجواب وطرح الثقة، قد ينتج عنها الأدوات المذكورة إلا أنه من الناحية الدستورية والقانونية غير مرتبطة بها.

وعليه فإن المهم في هذا الأمر أن هذه اللجنة أدت الدور التاريخي المناط بها بكل اقتدار، وسيثبت التاريخ أن النتائج التي تمخضت عن لجنة التحقيق وما تم بموجبها إصلاح أوضاع الهيئتين ستطيل من عمر الهيئتين وتبعد عنهما شبح الإفلاس الاكتواري، مع تحسن كبير في عوائد الاستثمار، مؤكدا في هذا الصدد أن من وقف ضد لجنة التحقيق من المسئولين في الدولة أدركوا اليوم أن التحقيق قد عاد على الهيئتين بالنفع الكبير في إرجاع المبالغ والأراضي وتعديل الهياكل الإدارية والمالية واستجابة الحكومة إلى مبدأ رفع الاشتراكات، بما لا يضع عبئا إضافيا على المؤمن عليه والقطاع الخاص والعام، وإبراز دور الهيئتين كثقل مالي كبير في الدولة نظراً إلى تحكمهما بمبالغ تزيد على أكثر من تسعة مليارات دولار، وبذلك شكلت لجنة التحقيق البرلمانية ثمرة جيدة من ثمار المجلس التي قطفها الوطن عن جدارة

العدد 1296 - الجمعة 24 مارس 2006م الموافق 23 صفر 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً