العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ

التجديد ضرورة وطنية

فاضل البدري comments [at] alwasatnews.com

ليس هنالك أسوأ من الركود في إحداث التأسن ومضاعفة الخسارة والتخلف وما يتبع ذلك كله من الندم على الإمكانات والجهود التي هدرت وضاعت للحفاظ على المكاسب الوهمية التي تراءت للمخدوعين والمدافعين عن فلسفة الركود.

تحت أي مبرر كان الدفاع عن الركود أهو الخوف من الجديد القادم؟ أم الألفة مع القديم المعهود؟ أم هي المصالح وما ترفض أو تستقرب في نفس الإنسان؟ فإن الركود موت بطيء محقق يتربص بالأشخاص والأعمال والأفكار ويهدم الأوطان.

لست أدري هنا إن كانت كلمة الموت البطيء تفعل فعلها في الإقلاع بنا عن مستنقعات الركود أم أنها مهضومة في النفس فلا تتوجس منها خيفة ولا تغير فيها ساكنا؟

أقول هذا لانني قبل أيام قرأت طرفة مفادها أن طبيبا أراد أن يوصل رسالة شديدة اللهجة إلى مريضه الذي يدمن التدخين بقوله: هل تعلم أنك بشربك للدخان تموت ببطء؟ فأجابه المريض لا ضير يا دكتور فلست مستعجلا على الموت!

ربما يكون هذا هو جواب الأعم الأغلب من أوطاننا العربية والإسلامية التي تلمس حالات التقهقر والتراجع في كياناتها فتزداد إصرارا على ما هي عليه، وكأن التغيير إثم وخطيئة تسخط الرب وتبدل النعم.

أتصور أن الحاجة ملحة وضاغطة لإحداث الكثير من التغييرات الضرورية والمهمة، وسأكتفي هنا بذكر أمرين فقط مما أعتقد حاجتنا الماسة لإصلاحهما وتغيرهما.

الأول: هو الأفكار التي جثمت على صدور الناس، وعشعشت في عقولهم، ثم فرخت ما يثقل مجتمعاتها ويعيق تقدمها، ويحول بينها وبين آمالها، وأضيف إلى الأفكار أيضا تلك الجهات التي أنتجتها. هذه الأفكار يجب أن تزال وتجتث ويستعاض عنها بالجديد اليافع المناسب للزمان وتحدياته.

فالأفكار نتاج بشري لا عصمة له ولا حماية، والمجتمعات الحية هي التي لا تتردد في التجديد والتخلي عمّا انتهى تاريخ صلاحيته، سعيا وراء الأفضل والأحسن والأنسب لكل ظرف وكل زمان، وإن اضطرت إلى الاستغناء عن الجهات التي تنتجه، ولعل المثال المصغر لذلك هو تناوب الأحزاب اليسارية تارة واليمينية تارة أخرى كما يحصل في الدول التي تعمل بمبدأ الديمقراطية، ليبقى التنافس الإنساني وليحل كل قادم بجديده وتجديده.

هناك متغيرات متسارعة الخطي تلامسها الأجيال الصاعدة عن قرب، وتعيها العقول المنفتحة فتشعر بضرورة مواكبتها وتوجيهها، وإن كانت الأجيال الماضية والقوى العتيقة بأفكارها المتأسنة تحسب الأوضاع جامدة مع أنها تمر مرا السحاب، محملة بما ندعو الله أن يكون خيراً وصلاحا.

يشير الكاتب مصطفى حجازي في كتابه «الإنسان المهدور - دراسة تحليلية نفسية اجتماعية»، إلى أن «الحياة كأمواج البحر، كل موجة تتلاشى عند الشاطئ كي تعقبها موجات تتشكل وتكبر وتتعاظم وصولا إلى ضرب الشاطئ بعنفوانها ومن ثم التلاشي، كذلك الحياة تولد أجيالا متتالية، كل جيل يشكل دورة حيوية تترك المجال لسواها، وأكبر مشكلة تكمن في اعتقاد أية موجة، أو أية دورة حيوية، بأن الحياة تنتهي عندها ومعها، وبالتالي تتشبث بدورتها وتحاول تأزيلها، ذلك ما تصنعه نظم الهدر، إذ تعتقد أنها البداية والمنتهى، مانعة بذلك دورات الحياة من التجدد المستمر، وهو ما يؤسس للغربة في الوطن، إذ تحرم الأجيال الصاعدة من نزوعها إلى احتلال المكانة ولعب الدور».

الثاني: تجديد المفاهيم، فمن هو المواطن الصالح في هذا الوطن أو ذاك؟ ما هي صفاته؟ وما لونه؟ وما هي سلوكياته؟ ومتى يكون جديرا بحمل هذا اللقب «المواطن الصالح»؟ ومتى يغضب عليه لأنه مشاكس، مشاغب، مفسد، مخرب مختزل تحت مسمى «مواطن غير صالح»؟

هذا المفهوم هو محل توتر دائم بين الأنظمة القائمة والشعوب المحكومة، وربما يعود السبب إلى التمسك الرسمي ببعض المفاهيم أو بتفسيرها بما يتناسب مع حقب غابرة لا مجال لتمددها وبقائها إلى هذا الزمان الذي تختلف معطياته وإيقاعاته عن ذلك التاريخ السحيق.

إنه ضرب من الانتحار عن سابق إصرار وعمد من الأنظمة أن ترسم في أحلامها صورة المواطن الصالح بأنه المواطن الصامت الساكت الخانع القابل بكل شيء المتأقلم مع وطنيته المفروضة عليه، والمصفق لها وإن جارت على حقوقه واعتدت عليه.

المواطن المتأقلم مفهوم انقرض بأشخاصه تماما، ولا يوجد منه اليوم في عالم (الوطن والمواطنة) سوى هياكل ومسميات تحتفظ بها الذاكرة كحلقة من حلقات التطور التي ولات وانقضت وتحولت إلى حقيقة أخرى لا يربطها بما مضى إلا الاسم، تماما كمفهوم الأمي الذي تغير اليوم من الشخص الذي لا يجيد القراءة والكتابة إلى مفهوم آخر مازالت الأيام ترسخه في عالم المعرفة.

المواطن الصالح اليوم مغاير تماما للمواطن الصالح الصامت الساكت، إنه يطالب ويشتكي ويعترض وينتزع حقوقه، بعد أن يرفض الخنوع لمن يصادرها تحت مبررات واهية، وإن أظهرها بقشيب اللباس، أو زينها بمقدس التراث.

المواطن الصالح اليوم يرى من واجبه أن يتداخل مع وطنه ويشارك في قراراته ويساهم في بنائه، فهو شريك في كل قرار وعضو بذاته أو بمن يمثله في تشكيلات وطنه السياسية والاقتصادية والدينية والاجتماعية، له حق إقرار الأشياء وله حق رفضها، له حق التصويت لها أو التصويت ضدها.

انه يرى صلاحه في لمساته التي يشهد بها كل شجر وحجر في وطنه، وينطق بها كل صرح شيّد وعلا على ترابه، فذلك ما يشعره بقيمته كإنسان يصنع السياسة وقراراتها، وينمي الاقتصاد ومقدرات البلاد، ويحفظ الدين والقيم والأخلاق جنبا إلى جنب مع بقية المواطنين.

إن التوسعة في مفهوم المواطن لتشمل كل أولئك تقلل أعداء الوطن، وتحد من عمليات الطرد والنفي والسخط على الكثير من المواطنين المحبين لوطنهم

إقرأ أيضا لـ "فاضل البدري"

العدد 1312 - الأحد 09 أبريل 2006م الموافق 10 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً