العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ

أسباب الهجوم... وهواجس التغيير!

مراجعات نقدية ضرورية

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

تكاثرت العواصف السوداء حولنا، وتكثف الهجوم، وصارت الحرب العراقية واقعة لا محالة في المنطقة، أما الحرب السياسية الاقتصادية الاعلامية فهي مستمرة بتصاعد رتيب. لقد اختصر الفلسطينيون البؤساء المقهورون، الموقف كله، من خلال صيحاتهم صباح مساء، أين العرب؟، أين الزعماء؟، أين العروبة؟، أين المسلمون؟! العروبة يا سادة في مأزق رهيب، تحت قصف «مدفعي حضاري» مكثف قادم من الغرب البعيد، يستهدف خوض المعركة الأخيرة، لتصفية هذه القومية المقلقة والمثيرة للمتاعب، والتي تهب بين كل فترة وأخرى، تعلن التحدي والمجابهة، وتخوض الصراع تلو الصراع، وتعمد بغرابة، أمام حرب الابادة الصهيونية، المدعومة بكل امكانات الغرب الاوروبي الاميركي، وتلد على رغم القتل المنظم وتتكاثر!

أحسب أن جميع الأطراف قد قررت الآن، ألا يمر العقد الأول من الألفية الثالثة، من دون أن تكون قد اجهزت بكل الوسائل على هذه الأمة - القومية المشاغبة، بعدما تسببت عبر بعض ابنائها في إزعاج الأمن الاميركي وتهديد الترف الأوروبي، سواء من خلال هجمات المتطرفين، أو من خلال التحكم في ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط، والتهديد، عفوا التلويح، بمنعه او حرقه.

وعلى رغم ان جميع الأطراف المعنية هذه، تعلم أكثر من غيرها، أن هذه الأمة - القومية، المتهمة بالشغب، لم تعد قادرة على الشغب، ولم يعد في إمكانها منع تدفق النفط من أراضيها وبحارها، لأنه أصبح في قبضة الغرب، وأنها لم تتعمد تفريخ الإرهابيين وتصديرهم إلى نيويورك وواشنطن

إلا ان الاطراف المعنية هذه قررت الانتهاء فورا وبحسم واضح، من الملف الملغوم، ومن برنامج زمني عاجل، يبدأ بتحطيم رأس كبير المشاغبين، وتهذيب واصلاح باقي المارقين، ثم إعادة تشكيل ارضية جديدة بفكر جديد، على النموذج الذي يرضي غرور الغرب ويحقق مصالحه ويحميها من عبث العابثين العرب.

فإن نجح هذا البرنامج أو فشل حتى جزئيا، فالمسئولية الاولى لا تقع على اهل لندن او واشنطن او باريس الذين يقودون حرب التصفية ضد العروبة، ولكن المسئولية الاولى تقع على أهل العروبة، الذين فشلوا فشلا ذريعا، حتى في إدارة أصغر صراعاتهم وأتفه خصوماتهم، فما بالكم بفشلهم المزري، في إدارة الصراع الأكبر المستهدف تصفية قوميتهم ودينهم ووجودهم ذاته!

ربما يكون الاعتراف بالتقصير، بداية لتدارك الموقف المتدهور وقد تصلح المراجعة النقدية الصريحة، اعوجاج الحال وفساد الوضع، الذي أدى في النهاية إلى ما نحن فيه الآن...

فما الذي نحن فيه إذن؟...

نحن في موقف تجمعت فيه واتفقت عوامل التقصير والفساد والتخلف الداخلي المحكوم ببيروقراطيات عجوز عاجزة، مع عوامل الهجوم والاكتساح الخارجي، المزود بكل عناصر التقدم والتفوق والهيمنة والاطماع المشروعة وغير المشروعة...

ولا أدري كيف نخدع انفسنا، ونلوم الغرب الهاجم الطامع المهيمن، على تفوقه وتقدمه، ولا نلوم انفسنا على تخلفنا وعجزنا وتراجعنا، كيف ندين ونشجب التفوق العسكري الصهيوني في مجالات التسليح التقليدي والنووي، ولا نشجب، أو حتى نبحث ونكشف اسباب قصورنا وتخلفنا إلى الدرجة، التي جعلت الآلة العسكرية الاسرائيلية، تمارس كل انواع القتل والابادة ضد الشعب الفلسطيني الاعزل - اطفاله قبل رجاله - على مدار الساعة، بينما نحن نكتفي بإطلاق رشاشات التصريحات وقنابل الشعارات...

والحقيقة الواضحة للجميع الآن، ان البرنامج الغربي لتصفية العروبة، يمضي وفق الخطوات الموضوعة، من دون ادنى مؤشر على المقاومة... ودعونا نقول إن «الهمود العربي» الراهن يساعد الآخرين على تصعيد هجومهم، تنفيذا للبرنامج الذي بدأت ملامحه تتضح على الارض العربية.

لن يأتي العام المقبل 2004 إلا وتكون الاطراف الغربية المتحالفة - بقيادة التحالف الاميركي الصهيوني - قد خلقت واقعا جديدا تماما في فلسطين، قوامه تدمير كل رمز فلسطيني - بشرا وحجرا وشجرا - مقابل إحكام القبضة الاحتلالية الاستيطانية على كل - او معظم - الارض والمواقع ومصار المياه والشواطئ، وساعتها تصبح غاية المنى امام العرب، تسول دويلة فلسلطينة الاسم والشكل، تقوم على معازل وكانتونات ممزفة، لا سيادة ولا جيش ولا سلطة، وإنما لعبة كارتونية في القبضة الاسرائيلية، تتسول فتات المساعدة الغربية!

لن يأتي العام 2004، إلا وتكون الاطراف الغربية بزعامة الولايات المتحدة الاميركية قد انتهت تماما من تصفية الملف العراقي، سلما او حربا، والحرب صارت الآن اقرب... المهم اغلاق ملف مشاغب اتخذت منه السياسة الاميركية والعسكرية الاميركية، هدفا عاجلا للتدمير الساحق الماحق بتكنولوجيا السلاح الجديدة، الباحثة عن ميدان للتجربة والاختبار...

لم يعد احد في العالم شرقة وغربه - اللهم إلا بعض العرب - يصدق ان هدف الحملة العسكرية السياسية الاعلامية الاميركية البريطانية، هو اسقاط نظام الحكم في بغداد، وتخليص العراقيين من شرور صدام حسين وحزب البعث، أو مجرد تنظيف العراق من اسلحة دمار شامل مشتبه بوجودها لديه...

لكن العقلاء جميعا يعرفون جيدا ان الهدف ابعد من ذلك وأعمق، وخلاصته اتخاد العراق - الغرابة ليس كوريا الشمالية المتحدية - نموذجا لدولة مشاغبة مارقة، تستحق العقاب القاسي وصولا إلى التدمير الشامل، لتكون درسا لكل من تسول له نفسه مجرد الايماء بالمعارضة أو الاختلاف، أو الخروج على النص المقدس.

لن يمر العام 2004 إلا وتكون تجربة العقاب الساحق الماحق، قد زلزلت الارض العربية من شرقها إلى مغربها، ليسمع الجميع ويعي ان العصا لمن عصى، والعصا هذه المرة ليست للتأديب والتهذيب، لكنها للقتل والتدمير، ومن ثم فلا بأس ان تطول العصا، عربا آخرين، ربما اقل وزنا في مجال المشاغبة والمناكفة، وبالتالي فإن اسلوب عقابهم يختلف عما تم تجريبه في فلسطين والعراق أو لا يختلف وفق الظروف...

ومن دون استبعاد اسلوب التدمير والقتل الشامل، فإن عرب اليوم مخيرون بين القتل والقتل، بين الابادة والإفناء... ونعني انهم مخيرون بين اسلوب العقاب العراقي والفلسطيني، او قبول الانكسار والخضوع والانصياع لصاحب سلطة العقاب القادر على تنفيذه وإنزاله في اي وقت يشاء.

ونحسب انه في ظل التغيرات الرهيبة في «الجينات» العربية، وتعطل عقول النخبة السياسية عن العمل، وانتقادهم لغدة المقاومة، فإن العام 2003 - 2004 سيشهد تغيرات دارماتيكية في الساحة العربية، لكنها تغيرات سياسية ثفافية ستأتي معلبة من عواصم القرار الاوروبي الاميركي، ليتم تجهيزها وإعادة تغليفها في العواصم العربية، لتبدو عربية، فمن اخذ بها كان بها، ومن اعترض أو حتى امتعض سيرسل إلى غرف العقاب او يطير على السحاب!

من مناهج التعليم الابتدائي في القاعدة إلى مناهج الحكم في القمة، ينطلق صاروخ التغيير القسري المفروص غربيا، بصرف النظر عن قصائد النفي العربي في كل عاصمة، فقد حملت الرياح الغربية مقررات التغيير المطلوب إلى كل العواصم من دون استثناء، حتى ولو تشكلت بأزياء براقة او بألوان مختلفة، إنما يظل المضمون واحدا، هو ضرورة تغيير مناهج التعليم ومناهج الحكم التي ادت إلى نمو الارهاب وتفريخ الارهابيين، الذين تجرأوا في سبتمبر/ ايلول من العام 2001 على اقتحام وتدمير رموز قدس الاقداس، في الامبراطورية الاميركية العظمى.

والمؤكد اننا نؤمن جميعا بحتمية التغيير في كل المناهج والنظم التعليمية والثقافية والسياسية والاقتصادية، لأنها تخلفت وهرمت وترهلت، شرط ان يكون التغيير نابعا من إرادة وطنية، وفق مفاهيم وطنية وتلبية لاحتياجات وطنية، طالما طالبت بها القوى السياسية والنخبة الثقافية العربية من دون اصغاء من احد.

أما ان يأتي التغيير مفروضا بإرادة اجنبية، حاملا مفاهيم غريبة عن واقعنا - ربما متصادما مع تاريخنا وحضارتنا - فهذه هي الكارثة، التي جلبناها على انفسنا، حين تقاعسنا عن التحديث والتطوير وتعامينا عن ضرورات التغيير، فإذا به يفرض علينا اليوم فرضا، في ظل الاساطيل والطائرات والصواريخ والقوات، التي من هول تكاثرها في المنطقة، سممت علينا حتى الهواء الذي نتنفسه!

وأما الاخطر والادهى، فهو ما صار يطرح علينا في وسائل الاعلام ومراكز البحوث وعلى ألسنة فقهاء السياسة في الغرب الاوروبي الاميركي، عن ضرورة «تحديث الاسلام، او تعديل الاسلام» ليتخلص من ثقافة الجهاد وعقائده، وليتماشى مع العصر الحديث، وليتوافق مع قيم ومفاهيم الحضارة الغربية الحديثة والديمقراطية...

نحن لا نبالغ أو نغالي، ولا نضع ألفاظا على ألسنتهم، ولكننا نقرأ ونتابع بقدر الامكان، وبالتالي لا ندعي عليهم بغير ما يقولون ويصرحون به علانية في كل مكان، باعتباره الهدف الاستراتيجي الاكبر...

الهدف الاستراتيجي الاكبر هو تصفية العروبة - القومية وشل حركتها وإلغاء قوامها ونظامها ورموزها وأفكارها، وهو تعديل الاسلام - الدين السماوي- ليلبي مطالب القانون الغربي الموضغي، وما إبادة الشعب الفلسطيني وتدمير الوطن العراقي، وتهذيب العاصي وتأديب المارق في النظام السياسي العربي، إلا خطوة أولى نحو الهدف الاستراتيجي الاكبر...

نعرف ان طابور المتأمركين العرب، لن يعجبهم هذا الكلام، وسيتهموننا كالعادة بالشوفونية القومية والدينية، بل بالانغلاق وبهوس الخوف من الغرب والتوجس من الرسالة التبشيرية الاميركية الحاملة للحداثة والثقافة والديمقراطية والحضارة الغربية...

لكننا نعرف، كما يعرف كثير من الاميركيين والاوروبيين اصحاب الضمير والعقل، ان دولهم تشن الآن هجموما كاسحا على بقايا الحضارة العربية الاسلامية في هذه المنطقة المتوترة من العالم، المعبأة دائما بأسباب الصدام وعوامل الصراع...

والهجوم الكاسح هدفه التصفية - وليس مجرد التأديب والتهذيب والتحديث - استغلالا لكل عناصر التفوق الحضاري الغربي، حتى لو انكروا في كل حين انه صراع حضارات...

فهل بعد ذلك، إلى خروج من سبيل امامنا...

نعم... بشرط إعادة تشغيل ماكنة العقل وتنشيط غدة المقاومة، وهذه قصة أخرى...

خير الكلام: يقول السهروردي:

ما أرى نفْسي إلا أنتُمُ

واعتقادي أنكمْ أنتمْ أنا

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً