العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ

البحرين بين حربين... ما الذي تغيّر فينا؟

غسان الشهابي comments [at] alwasatnews.com

لم يخب ظن الأمير خالد بن سلطان حينما أبدى في كتابه «مقاتل من الصحراء» تخوفه من أن المنطقة وشعوبها لم تهضم تماما ما حدث في حرب تحرير الكويت، وبالتالي فإنهم ربما عاشوا حلما (أو كابوسا) استمر سبعة أشهر وانقشع، وكفى التحالف الخليجيين القتال.

فالقتال قادته - أساسا - شاشات التلفزيون، وأدارته سي.إن. إن بجدارة، فصار الناس إنما يشاهدون فيلما أميركيا يظهر التفنن في استخدام الآلة العسكرية والتكنولوجيا لضرب «العدو» بقوة لا ترحم... يثور الغبار ليبدو بعد هنيهة البطل الأشقر الذي يتكلم بسرعة مستخدما تقنية «الإدغام» ويبلع معظم الحروف، وهو يشق هذا الركام، واثق الخطى، معلنا انتصار «الحق والخير» على «الباطل والظلم».

فالحال التي يعيشها الناس في البحرين - وفي أكثر من قطر خليجي - لا تشي باستيعابهم لما قد يحدث من ضربة عسكرية محتملة ووشيكة قد تقع على العراق غدا أو بعد غد، وبالتالي، لا تراهم في أدنى قلق مما يجري حولهم وكأن الأمر لا يعنيهم البتة، وحتى إن كان يعنيهم في البحرين، فأين منه ما حدث في شارع المعارض، والجمعيات المعارضة، وعروض وعرائض أخرى؟

وإذا كان الناس في حرب تحرير الكويت انقسموا بين عودة الشرعية إلى الكويت ووجود القوات الأجنبية في المنطقة أيهما أعظم على النفس والعقل والمنطق، وبين الخطأ الذي ارتكبه النظام العراقي من جهة وتمركز قوات التحالف في الخليج، وجدل أي الأمرين أهون وأي الضررين أخف؛ فإن الشريحة العظمى من الناس الذين يطوفون الشوارع هنا جيئة وذهابا لا تلقي بالا - بشكل جدي - لما يمكن أن تجره واشنطن ولندن من تدمير للعراق، أرضا وبنية وشعبا وحضارة، وما الذي يمكن أن ينسحب على المنطقة من ويلات، وإمكان تفكيك الدول الخليجية، الكبيرة منها والصغيرة، وتغيير المنطقة بشكل كامل على غرار ما جرى بعد الحرب العالمية الأولى.

وفي المقابل، فإن الدنيا قائمة لا تقعد في الدول الغربية، وفي أميركا ذاتها ضد «مبدأ» الحرب، وانتصارا للإنسانية، وتوطيدا للسلم البشري، فتوقد الشموع، وتسير المظاهرات، وترسل خطابات الاستنكار والمعارضة إلى القيادات المتعطشة لحلم السيطرة للكف عما هم سائرون فيه، بينما نناقش هنا «الحلقة الأضعف»، ومن ذا الذي قذف الحجر الأول في شارع المعارض.

ما لا شك فيه أن الاجتماعات التي يجريها مسئولون كثر في المنطقة مع العسكريين الأميركيين - تحديدا - يتم فيها «تبادل وجهات النظر» عن كثير من القضايا، ومن بينها القدرة العراقية على الرد، وربما هذه القدرة شبه المفتقدة اليوم، قياسا بما كانت عليه في العام 1991، هي ما يجعل الأجهزة الإعلامية والأمنية تتصرف ببرود حيال قضية مهمة، كقرب نشوب حرب كبيرة تستخدم فيها عشرات الآلاف من أطنان القنابل، فلا أحد يتحدث اليوم عن الغرف الآمنة، ولا عن أقنعة الغاز، ولا عن تخزين الطعام، ولا عن الملاجئ وصفارات الإنذار.

ربما تشير هذه التقارير السرية البينية إلى أهمية عدم «إثارة مخاوف» الناس هنا، لأن الأمر أسهل من «شكة دبوس»، ولن يستغرق سوى أيام، فما علينا إلا أن ننظر إلى الجهة الأخرى حتى لا تدور رؤوسنا من رؤية «الإبرة الأميركية» وهي تغوص في لحمنا، ومن بعدها، ينزع الطبيب الأميركي لثامه ويقول بابتسامة تعلمها في المعهد: «هل رأيت؟ لقد كانت بسيطة جدا»

إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"

العدد 134 - الجمعة 17 يناير 2003م الموافق 14 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً