العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ

ترى عن أية ديمقراطية تتحدثون؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ترى ما الذي دفع وزير الاعلام ووزير الدولة للشئون الخارجية إلى تأبط حقيبته المليئة بملفات الوطن، وترؤس وفد إعلامي بحريني رفيع المستوى وشد الرحال لتدشين «أيام إعلامية بحرينية» في مدينتي واشنطن ونيويورك من 24 إلى 28 ابريل/ نيسان الماضي . وإلقاء محاضرة عن «الأمن الخليجي... السياق الإقليمي... الأسس والتحديات» أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، فضلاً عن تنظيم نشاط إعلامي في لندن مع أعضاء مجلس النواب في بريطانيا، ومحاضرة أخرى في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، ولقاء مع رئيس نادي الصحافة الوطنية جوناثان سالنت، وزيارة كبريات الصحف (واشنطن بوست، واشنطن تايمز ونيويورك تايمز، نيوزويك والتايم وغيرها).

تم ذلك بالتأكيد بعد لقائه بأيام السفير الأميركي والتباحث معه بشأن مجمل القضايا المحلية والإقليمية، ومثله فعل الرئيس التنفيذي للتلفزيون ووكيل شئون الإعلام الخارجي إذ قام بزيارة إلى مصر (20 - 22 ابريل الماضي). وحسب التصريحات الرسمية إن الهدف من هذه الجولات المكوكية، هو التعريف بالإصلاحات الشاملة والتطورات الديمقراطية في البحرين، وجميعها تتمحور حول مجالات الديمقراطية والانتخابات والإعلام والمرأة والتنمية البشرية...الخ. لا تنسوا عند قراءة هذه الأخبار تذكر احتمالية شن حرب على الجارة إيران، والبحرين محطة لطالما زودت الطائرات الحربية بالوقود أثناء خط سيرها للقيام بالهجوم التدميري في الحروب السابقة. لكننا لسنا بصدد معالجة هذه القصة على رغم أهميتها، فالمعطيات تقودنا إلى طرح سؤال آخر مثير: إذا ما كانت ديمقراطيتنا بصحة وعافية، فما حاجة الدولة للحملة الترويجية في الخارج، لاسيما إنها عملت على قطع سبل التواصل ما بين الجمعيات السياسية والقوى المجتمعية الأخرى من الاتصال بالأجنبي؟

هناك لغط واتهامات وتهديدات نالت قوى المعارضة السياسية: من أنها بوق للأجنبي الذي يفرض رؤيته بظواهر الديمقراطية وحقوق المرأة وتمكينها، وأنها تتلقى دعماً أميركيا مشروطاً ومساعدات لتنفيذ برامج تدريبية بما يساهم في تنفيذ إستراتيجيتها التي تؤثر على السيادة الوطنية، وتقحمها في الأجندة الوطنية وما شابه! بيد أن الانطباع هنا يدور حول أمر غريب يتم التغاضي عنه وله علاقة بموضوع الخارج والدعم الأميركي للدولة والاتفاقات الأمنية الثنائية التي تتصدرها القواعد العسكرية والدعم اللوجستي الذي تقدمه للأميركان، فهل هذه الشئون حلال ولا تؤثر على السيادة الوطنية؟ ماذا يعني أن تقوم الدولة بأسبقية الاستقواء بالخارج على المعارضة؟ هل يوجد - لا سمح الله - خلل ما في مسيرة مشروعها الديمقراطي وحوارها مع المعارضة؟

في هذا المقام، أمر واحد نرغب التداول فيه، وهو: «إشكال الديمقراطية».

السوسيولوجي الفرنسي ألان تورين له دراسة بعنوان «ما هي الديمقراطية؟»، هي بمثابة بحث في تاريخ تطور مفهوم الديمقراطية وتطبيقاته، من حيث تعريف المفهوم على نحو إيجابي، يشرح كيف ينبغي ألا نفهم الديمقراطية مجرد حكم للأكثرية، وان عملية الديمقراطية مرشحة لأن يهددها عدم التسامح، وانها لا تنهض بالقوانين وحدها، بل إن تأسيسها يحتاج إلى تربية سياسية قائمة على التعدد.

يقول تورين: «لا نستطيع الكلام عن ديمقراطية في حال تدني المشاركة السياسية»، وإذا كان الناخبون لا يملكون حرية الاختيار، أو هناك أزمة تمثيل سياسية إذ لا يشعر الناخبون بأنهم ممثـلون، وان الوعي بالمواطنة وحقوقها يتعرض للضعف والوهن بسبب التهميش والاستبعاد، نحن لا نريد ديمقراطية تشاركية، ولم نعد نكتفي بديمقراطية تشاورية، إننا بحاجة إلى ديمقراطية تحررية، وهذه لا وجود لها خارج الاعتراف بتنوع المعتقدات والأصول والآراء والمشروعات، إنها لا تقوم فقط على قوانين بل على ثقافة سياسية، قد تصاب بالانحطاط جراء اختزال السستم السياسي إلى سوق سياسية، وتحويل المجتمع السياسي إلى سوق أو بازار تعقد فيه صفقات غامضة المعالم، لا يجب إطلاق صفة الديمقراطية على أنظمة سلطوية لمجرد أنها وضعت يدها على إرث بعض حركات التحرر الوطني وشعاراتها، لا معنى للحديث عنها إذا غابت الرقابة التي تمارس من قبل القوى الفاعلة على السلطة السياسية، وهي تعني الاعتراف بحق الأفراد والجماعات في أن يكونوا صانعي تاريخهم لا أن يكونوا متخلصين من قيودهم وحسب.

«الاعتراف بحق الأفراد والجماعات ليكونوا صانعي تاريخهم لا يكونوا متخلصين من قيودهم»... ألا يذكرنا هذا القول بشيء ما في واقعنا السياسي؟

بالتأكيد، وبأشياء كثيرة، خصوصاً عند مقاربة واقع حراكنا الديمقراطي، وما يضيفه «ألان» على جوهر مفهوم الديمقراطية: «فهي عنده تتحدد بطبيعة الصلات القائمة ما بين المجتمع المدني والسياسي والدولة، وإذا كان التأثير يمارس من فوق إلى تحت فإنها أي الديمقراطية مفتقدة، وإن العدالة لا تقوم على توافق عام بل على تسوية، تسوية يعاد طرحها دائماً على بساط البحث من قبل القوة المجتمعية والسياسية الفاعلة عبر التعديلات التي تدخل على الحقوق، والاعتراف بدور الأحزاب السياسية وباستقلالية المجتمع المدني. ويختتم بأن الحكم الذي يسعى إلى تبرير أعماله وإضفاء الشرعية عليها عن طريق التذرع والتعلل بمتطلبات الوضع وحراجته، يفقد طابعه الديمقراطي حتى ولو كان متساهلاً وليبرالياً»!

لعلنا نتبين بأن من استولدوا الديمقراطية واختبروها بالممارسة في مجتمعاتهم، هكذا يفهمونها ويدرسونها للشعوب والقادة. ترى هل ستضيف الوفود الإعلامية الرسمية بشروحاتها إلى تفاصيل تجربتنا الديمقراطية الوليدة، قيماً ودروساً جديدة لمفاهيم الديمقراطية لدى الشعوب التي سبقتنا؟ هل سيذكرون لوكالات الأنباء العالمية القضايا الخلافية بشأن الدستور، وشكوى الجمعيات السياسية من انعدام الشفافية والمكاشفة، وحجب الحكومة للمعلومات المؤشرة على الفساد والناتج المحلي ومعدلات النمو والبطالة وأرقام التجنيس وموعد الانتخابات، وما إذا كانت الانتخابات البلدية والتشريعية ستدمج وتجرى في الفترة نفسها، وعن تقسيم الدوائر الانتخابية وكشوفات الناخبين، والحديث عن منع المؤسسات الدولية والمجتمع المدني المحلي من الإشراف والرقابة عليها، فضلاً عن طرح الحكومة على مجلس النواب مشروعا لتعديل قانون يمنع أي شخص حكم عليه بجناية أو جنحة لمدة ستة أشهر أو أكثر من مزاولة حقه السياسي (الانتخاب والترشح) لمدة عشر سنوات حتى لو حصل ذلك الشخص على عفو ملكي خاص؟ هل سيحدثونهم عن ترسانة القوانين التي يأملون في إصدارها قبل انتهاء الفصل التشريعي خلال الخمسة شهور المقبلة، ومنها مقترحات قوانين الصحافة والجمعيات الأهلية وغيرها التي يناقشها مجلس النواب وغالبيتها يحال إلى قانون العقوبات، إذ يغلظ العقوبة على الصحافي بالحبس ويجعل من وزارة الإعلام مرجعيته، أم إنهم سيشرحون تجربة المجلس النيابي الذي يتقاسم التشريع فيه نصف من الأعضاء المعينين، والعمل يجرى باتجاه تعزيز «التعين الديمقراطي» باقتراح ضم معينين أيضاً إلى المجالس البلدية المنتخبة لتصيبها عدوى التعيين هي الأخرى، كما البرلمان الذي لم يقو على استجواب أي وزير في الحكومة إلى الآن.

وعليه، لا عجب أن تفضي المقاربة إلى التفكر بما جاء على ذكره تورين، بشأن أزمة التمثيل السياسي، ومجلس النواب الذي أحاله أعضاؤه إلى بازار سياسي، والحصلية ربما نجدها في الإجابة على ما يأتي: ألم يكن من الأجدى أن تكرس الدولة وقتها والأموال العامة التي صرفت على الوفود، لفتح قنوات الحوار مع المعارضة السياسية والقيام بتسويات تتأسس على احترام الطرف الآخر ووجوده وتحقق العدالة والإنصاف؟

أليس من الأسلم والمنطقي معاودة تقييم أسس المشروع الإصلاحي بمسيرته الحالية وتبين ما إذا كان يحقق العدالة؟ أم اننا أمام فكرة سحب المشروع برمته من التداول المحلي وبالتدريج، وعوضاً عن العيش أياما جميلة، نعود ثانية إلى الأقفاص، لاسيما إن سلسلة الهزات الارتجالية قد ظهرت بوادرها في الشارع البحريني

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1352 - الجمعة 19 مايو 2006م الموافق 20 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً