العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ

الضمان الاجتماعي وتأهيل المواطن: ضرورات أولية لإعادة هيكلة سوق العمل

منى سكريه comments [at] alwasatnews.com

.

تطرح أسئلة كثيرة عن دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية. فبينما يرى البعض أن القطاع الخاص يبحث عن الربح فقط ولا يعطي أهمية لمسئولياته الاجتماعية، تتحدث رموز هذا القطاع بلغة مختلفة. فبالنسبة إلى عدد من محركي القطاع الخاص أنهم قطاع تجاري يبحث عن نمو ثروته ولكنه جزء مهم من المجتمع، ويتحمل مسئولياته الانسانية والوطنية، وان المشكلات التي تواجهها سوق العمل البحرينية لا ترجع بالأساس إلى جشع القطاع الخاص، كما يقول البعض، وانما إلى عوامل أخرى متداخلة.

فعلى رغم وجود «جشعين» في القطاع الخاص. فإن هناك كثيرا من اصحاب الشركات يودون توظيف البحريني ولكن هناك معوقات هيكلية تمنعهم من ذلك. فأصحاب الشركات يتم لديهم تسهيل التعامل مع العمالة الأجنبية لأن هذه العمالة، وهي في غالبها غير ماهرة، توفر لأصحاب العمل اطمئنانا بانتظام العامل وطواعيته للقيام بالأعمال المنوطة به. ومن جانب آخر فإن العامل الأجنبي يحافظ أكثر على سرية العمل من البحريني الذي يرتبط بعلاقات اجتماعية واسعة قد تؤدي إلى فقدان القدرة على اتخاذ قرارات إدارية.

بالنسبة إلى طواعية العامل الأجنبي فإن الحديث يحمل وجهين. الوجه الأول سلبي ويوحي للمراقب وكأن العامل شخص أقرب منه إلى الاستعباد. ولكن الوجه الآخر واقعي، فصاحب العمل لن يتمكن من إدارة اعماله إلا إذا اطمأن أن المنفذين للأعمال يلتزمون بواجباتهم ولا يفاجئونه كل يوم بأعذار مختلفة. فالعمل يجب أن يكون مقدسا لأنه مصدر الرزق الحلال، ولا يمكن للمرء التعذر بأسباب من هنا وهناك لعدم القيام بواجباته.

غير أن الحديث عن هذا الموضوع لا ينطبق على كل الوظائف، وانما هي مشكلة في الأعمال التي لا تتطلب مهارة. فالبحريني لا يستطيع أن يتحمل الظروف القاسية التي يتحملها الأجنبي القادم من شبه القارة الهندية أو الدول المماثلة عندما يتعلق الأمر بوظيفة مثل التنظيف أو البناء والتشييد. كما أن البحريني يطمح إلى القيام بأعمال أعلى مستوى من التنظيف (مثلا).

ثم ان البحريني يبحث عن الاستقرار الوظيفي، ولذلك فإنه يحبذ العمل في الوزارات حتى لو كان المعاش أقل لأنه مرتبط بمستقبل عائلي، وعليه واجبات تجاه عائلته، ولا يستطيع أن يعرّض نفسه إلى تهديد التسريح المستمر إذا لم يتحمل الظروف القاسية للوظائف الدنيا. ولهذا فإن البحريني لا يستقر في هذه الوظائف نفسيا وماديا. وعندما تمت خصخصة أعمال التنظيف طرحت الحكومة برنامجا يوفر معاشا أعلى للبحريني. ولكن المقاولين الذين تسلّموا مالا أكثر من الوزارة مقابل كل بحريني لم ينقلوا تلك الزيادة إلى المواطن، والمقاول أيضا أصر على معاملة البحريني مثل الأجنبي، وأصبح البحريني يعمل من دون عقد إلزامي يحفظ له بعض حقوقه. ولذلك فإن البحريني يعاني كثيرا لأنه لا يستطيع منافسة الأجنبي خصوصا ما يسمى «بالفري فيزا»، أي العمالة الأجنبية السائبة. وحتى في الوظائف الأكثر مهارة، فإن البحريني لديه متطلبات عقلانية. فهناك الكثير من البحرينيين العاملين في المدارس الخاصة التي تدفع معاشات أكثر من الحكومة، لكن البحريني ينتقل إلى وزارة التربية بأسرع ما يمكن حتى لو كان معاش وزارة التربية أقل من المدرسة الخاصة، لأن الوزارة توفر ضمانا وظيفيا واستقرارا نفسيا حتى لو لم توفر زيادة في المعاشات. وهذا يطرح موضوع هيكلة سوق العمل مرة أخرى. إذ يجب أن يتساوى القطاع العام مع القطاع الخاص على أسس أكثر دوامية ومرتبطة بالتنمية. فالموظف في القطاعين العام والخاص يجب أن يخضعا لعقود عمل متشابهة، وهذه العقود يجب أن توفر الضمان الاجتماعي المتساوي الشروط.

ثم أن البحريني الذي سيتم تقليل عوامل استقراره الوظيفي في القطاع العام (عندما يتم تقريب اسس العقود الوظيفية)، فإنه بحاجة إلى ضمان اجتماعي يسهل عليه حياته فيما لو لم يحصل على وظيفة. فالصناديق الخيرية فامت بدور جبار لمنع حدوث مجاعة لدى الفقراء، ولكنها لا تستطيع أن توفر برنامجا لمساندة الباحثين عن العمل. ونحن بحاجة إلى فرض ضرائب على مستوردي الأيدي العاملة الأجنبية، واستخدام تلك الضرائب لتدريب البحرينيين وتوفير معاشات، حتى لو كانت رمزية، أثناء التدريب، ثم استخدام الأموال المستحصلة من الضرائب المدفوعة مقابل كل عامل أجنبي لمساعدة البحريني للحصول على عمل. ومقدار هذه الضريبة يمكن مناقشته وتحديده من خلال هيئة مختصة بإشراف البرلمان واقراره لاحقا وعندما نوفر للبحريني ضمانا نفسيا ومساندة مهنية لتدريبه وتأهيله لسوق العمل، وعندما نفرض ضرائب مستمرة مقابل كل أجنبي يتم جلبه للبحرين، يمكننا البدء باتجاه القضاء على البطالة. ويجب أن يكون القطاع الخاص هو الذي يدير برامج التدريب والتأهيل لأنه هو الذي سيمول تلك البرامج. أما إذا تسلمت الوزارة تلك الأموال فستختفي في البيروقراطية المتضخمة التي تمتص كل الامكانات من دون أن تهتم بأثر ذلك على القطاع الخاص

العدد 136 - الأحد 19 يناير 2003م الموافق 16 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً