العدد 1372 - الخميس 08 يونيو 2006م الموافق 11 جمادى الأولى 1427هـ

قبل أن تحل الكارثة... فالمسألة ليست مجرد تكفير

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

الحرب الفعلية تبدأ بألفاظ متشنجة واتهامات متبادلة، والمسألة ليست لعباً ولا تهويلاً، فما يحدث في الكثير من البلدان الإسلامية ومنها بلدنا يثير الهواجس ويبعث على الخوف. وإذا كانت الحكومات غير عابئة بما يحدث، فعلى العقلاء وخصوصا علماء المسلمين اللجوء إلى ما يحد من آثار التكفير، وهي عبارة عن ضوابط موجودة في المذاهب الإسلامية المعتبرة سنتطرق إلى أمثلة بسيطة منها، وهي مما تسالم على صحتها العلماء من كل المذاهب. ولو تم الرجوع إلى هذه الضوابط لما كان للتكفير مع وجوده هذه الآثار التي تدمي قلوبنا كل صباح ومساء.

طبعاً مع عدم التقليل من دور التكفير في خلق هذا الكم من المآسي بين المسلمين، إلا أن المسألة لا تتعلق بمجرد التكفير، وإلا بماذا نفسر التعايش السلمي بين مختلف الأديان حتى عبدة الأوثان في الكثير من البلدان الإسلامية، ولماذا لا تقع آثار التكفير الإجرامية سوى بين المسلمين أنفسهم من دون أن تطال في الغالب غير المسلمين؟ لماذا نحن متوجسون من احتراب بين طوائف المسلمين وفتنة دخلت على خطها مباشرة موجة تكفيرية مجنونة، بينما لا يعيش أتباع الديانات الأخرى هذا الهاجس؟ أم أنهم في نظر التكفيريين مسلمون؟

والحق، أن التكفير موجود في كتب المسلمين وغيرهم، فكما يصف بعض المسلمين أتباع الأديان الأخرى بوصف الكفار، فإن بعض كتب المبشرين تصف المسلمين بالوصف نفسه، فمثلا جاء في أحد هذه الكتب التي كانت تدرس للصف الخامس في مدارس بيروت أثناء الوجود التبشيري: «ودخلت فلسطين في سلطان الكفرة منذ القرن السابع للميلاد»، ما في كتاب «التبشير والاستعمار في البلاد العربية»، لمصطفى خالدي وعمر فروخ. وستبقى مسألة التكفير عصية على الحل الجذري بين المسلمين أنفسهم، فلا فتوى شيخ الأزهر شلتوت بجواز التعبد على المذاهب الخمسة الرئيسية ولا غيرها قادرة على إيقاف موجات التكفير، وسيظهر بين فترة وأخرى من يكفر طائفة من المسلمين، وسيجد له أتباعا ولو بعد أو قرون من وفاته، كما نشاهد حالياً من أتباع بعض أفكار أحد علماء القرن الثامن الهجري.

في الماضي، من يقوم بقمع الطرف الآخر ويسفك دمه، هم الحكام والولاة، واستطاع بعض حكام الجور استصدار الكثير من الفتاوى الجائرة في حق بعض طوائف المسلمين، أدت إلى سفك دماء عشرات الآلاف منهم واستباحة أموالهم وأعراضهم، ووصل الأمر إلى حد حصول مثل هذه الفواجع من قبل حكام كسليم الاول العثماني، فأباد من رعاياه وفي عقر داره في منطقة الأناضول في القرن العاشر الهجري ما يقارب السبعين ألف مسلم، من دون تفريق بين شاب وطفل وامرأة. ولكن في هذه الحال وغيرها، يضعف خطر انفجار حرب أهلية وصراع مجتمعي طائفي، فالمتهم الأول والأخير هو الحاكم مهما كانت الأيدي التي يستعين بها والطائفة التي ينتمي لها.

وبما أن المشكلة الأساسية تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير، وليس من السهل حلها جذرياً لأنها تتعلق بقناعات فكرية، كان لابد من التركيز على الحد وبشكل كبير من آثار التكفير العملية وذلك عن طريق اللجوء إلى ضوابط موجودة في الفكر السياسي الإسلامي سواء السني أو الشيعي، لأن عدم وجود ضوابط تعمل على منع التصرفات الفردية العدوانية في حق الطرف الآخر، هو الذي يحول التكفير إلى أفعال إجرامية فردية.

ومن هذه الضوابط - على سبيل المثال لا الحصر - حرمة التصرفات الفردية في إقامة الحدود الشرعية، بل لم يجز بعضهم استخدام اليد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا في حدود ضيقة، كمسك يد من يرفع سكينا لقتل آخر، وقصر تطبيق الحدود على دولة الخلافة النبوية عند السنة أو الفقيه الجامع للشرائط كما عند الشيعة، وذلك حفاظا على النظام العام ومنع عامة الناس من الوقوع في حال من الهرج والمرج. إن إقامة الحدود الشرعية لا تصح إلا بوجود خليفة نبوي عند أهل السنة أو فقيه جامع للشرائط عند الشيعة، فلا تقطع يد السارق في ظل وجود حكم غير إسلامي أو من قبل الأفراد مثلا. وكذلك لا تجوز الحرب الابتدائية إلا بوجود الخليفة النبوي، أما في الفكر الشيعي وبحسب فتاوى الغالبية من الفقهاء، فحتى الجهاد الابتدائي غير جائز إلا بحضور وتوجيهات الإمام المعصوم. ونتيجة إلى حرص الفقهاء على ضمان صيانة النظام العام من خلال تطبيق الضوابط الشرعية في العمل السياسي الذي عادة ما يجر البعض إلى تجاوز الكثير من ثوابت الشريعة المقدسة، يحرم الفقهاء كالسيد الحائري - مثلا- عمل الأحزاب من دون غطاء من فقيه متصد فعليا لإرشاد الحزب.

وتوجد الكثير من الضوابط في كل المذاهب الإسلامية تحرم على الأفراد التعدي على الآخرين بحجة تكفيرهم، لذلك نادراً ما يقوم بعض الموتورين بالتعدي على أتباع الديانات التي تخالفهم بحاجة أنهم كفار، بل أكثر ما يحدث حاليا، عبارة عن قيام مجموعات تكفيرية تنسب نفسها إلى الإسلام وتستهدف فئة من أهل القبلة فقط من دون بقية (الكفار!) من الديانات الأخرى.

إن أي بلد لا يخلو من تنوع في الديانات، مع ذلك لا يوجد من يبيح التعدي على الآخرين بحجة أنهم كفار، ولو ساد منظور جماعة الزرقاوية وبن لادن فإن مجرد تجنيد بضع عشرات من الأشخاص من كل طائفة، مستعدين لتنفيذ العمليات الإجرامية في حق الطوائف الأخرى يعني تحويل البلد إلى فوضى ونشر الهلع والخوف لا يستثني أحدا من الشعب.

ولهذا تقوم هذه الجماعات التكفيرية التي تمارس القتل والإرهاب على تعمية أتباعها عن مثل هذه الضوابط التي تحرم أفعالهم الإجرامية، وما يصيب الغزاة معشار ما يناله الأبرياء من أهل بلد كالعراق - مثلا - على أيدي هؤلاء الحمقى.

إن الواجب على علماء المسلمين كافة التأكيد على هذه الضوابط من أجل الحيلولة دون الوقوع في الفتنة الطائفية، فهذه نار قد يسهل إشعالها ولكن يصعب إطفاؤها. ومن النقاط المهمة، أن يبادر علماء وأتباع كل طائفة بالتصدي قبل غيرهم للمحسوبين عليهم ممن يقومون بالممارسات الطائفية، لأن هذه النار قد يصل أوراها لمن يشعلها ومن يتغاضى عنها ابتداءً أيضاً

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1372 - الخميس 08 يونيو 2006م الموافق 11 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً