العدد 1379 - الخميس 15 يونيو 2006م الموافق 18 جمادى الأولى 1427هـ

متى صرخ الغرب... وبكى؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

قبل أكثر من عقد من الزمان، شاهدت برنامجا تم عرض أكثر من حلقة منه على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، لو تم عرض برنامج على شاكلته يخص الأميركان لأقامت أميركا الدنيا ولم تقعدها.

البرنامج عبارة عن لقاءات مع القائمين على بعض ما كانت تسمى المدارس الإسلامية الأهلية في باكستان آنذاك، وهي مدارس أشبه بالخربات المهجورة، وجوه القائمين عليها عابسة مكشرة، وملامح القسوة بارزة على قسمات وجوههم. يتحدث أحدهم ببرودة دم، وكأنه يتحدث عن ذبح شاة حين يقول بصريح العبارة إن المدرسة هدفها تربية جيل لقتل ومحاربة (الـ...) الكفرة في باكستان وغيرها، واصفا بذلك طائفة من أهل القبلة.

هكذا بكل صراحة ومن دون أدنى مواربة أو لف ودوران، وفعلا فالأخبار كانت آنذاك تترا بلا توقف عن مذابح في محاريب الصلاة ومساجد العبادة، وخصوصا أثناء صلاة الفجر، عن طريق قصف المسجد بقذيفة أو إلقاء قنابل يدوية والهروب بسرعة على دراجات نارية، أو حتى اقتحام المسجد وإطلاق نيران الأسلحة الرشاشة مباشرة على المصلين وهم يقومون بأداء الواجب أمام رب العالمين، وتركهم أشلاء متناثرة وأجسادا مضمخة بالدماء. فهل سمع أحد كلمة إدانة من الغرب تجاه هذه الجرائم الفظيعة؟ هل تحرك الغرب لإيقاف هذه الممارسات الإرهابية؟

جهات معروفة كانت تصب الأموال على هذه المدارس التجهيلية. دول عربية صديقة للغرب، شجعت بالمال هذه الفوضى في دول نائية عنها، كباكستان وأفغانستان، والغرب لم يجد غضاضة عن عرض البرامج التشجيعية عن مدارس تعليم التعصب والتربية الظلامية، لماذا؟ لأن ألسنة النيران كانت وبكل بساطة بعيدة عن فساطيطه، لذلك لا نستغرب تعمده ليس مجرد التغاضي عن هذه الجرائم في حق الإنسانية، بل رغبته في استمرار النيران تشتعل ولا يخفت أوراها حتى يتسنى له الاستمتاع بما يصل إلى سرادقه من دفء منها، حتى وإن احترق المجاورون لها.

ومتى صرخ الغرب وبكى؟ حينما تمادى ساسته في محاولة الازدياد من الدفء على حساب الآخرين. فمن أجل مزيد من الدفء، نقل الساسة الغربيون محاولاتهم في صناعة الاحتراب الداخلي إلى إثارة القلاقل بين الدول، فتم دعم حركة مغمورة أسمت نفسها حركة طلبة المدارس الدينية (طالبان)، وفي العام اصطفت مجاميع الأمية ووجوه الجهل في طوابير يسلمون مبايعين الملا محمد عمر أميرا للمؤمنين تحت دعوى تغري البسطاء من الأمة، ألا وهي إحياء الخلافة النبوية التي انتهت منذ مئة عام بانتهاء دولة الخلافة العثمانية في تركيا التي كانت مع مساوئها، حجر عثرة أمام مصالح الغرب وخططه للتمدد في الشرق الإسلامي. فجمعت الحركة الجديدة من حولها أنصاف المتعلمين وأشباه المثقفين والبسطاء المخلصين وأعدادا غفيرة من الجهلة والأميين وزرافات من الفاشلين واليائسين، ممن يودون اختصار الطريق إلى المجد أو الوصول بسرعة البرق إلى الجنة، فتوافد هؤلاء على أفغانستان من كل حدب وصوب، ترعاهم آلهة المنفعة وعقلية المصلحة المادية الغربية، وكان الطريق نافذاً والدرب سالكاً عن طريق باكستان ومخابراتها في ذلك الحين.

سيطرت الحركة على أفغانستان وطردت الحركات القديمة التي جاهدت الغزو السوفياتي الشيوعي منذ مطلع الثمانينات حتى اندحار الغزو سنة ، فلما خلا لها الجو، باضت وصفرت ونقرت ما شاءت أن تنقر، ففرخت حتى زاد عدد فراخها عن الحاجة الداخلية، وذلك كله بعد أن بسطت الحركة سيطرتها الكاملة على أفغانستان سنة ، عندها صارت تصدر فراخ التكفير والتفخيخ إلى خارج الحدود.

اتضحت هذه الحقيقة في وقت متأخر جدا، فقد صب ساسة الغرب من الوقود أكثر مما ينبغي على النار التي أشعلوها، حينها أوصلت الرياح ألسنة اللهب إلى وسط دارهم، فسمع بنفسه شهيقها والرعب الذي يطلقها زفيرها وذلك في تفجير برجي التجارة في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بعد فترة وجيزة من انتهاء معارك الداخل في أفغانستان، عندها صرخ الغرب صرخة مدوية، أخرج على إثرها قوة نيرانه المجنونة كما يخرج تنين الأساطير الغاضب حممه التي لا ترحم.

لقد أخطأ ساسة الغرب ومازالوا ولن يزالوا يخطئون ويتخبطون مادامت العقلية البهيمية التي تبيح لهم بيع وشراء أرواح البشر من أجل مزيد من التخمة المادية هي سيدة تفكيرهم. ولحسن حظ الشرق أن الغرب احتضن ذئبا حسبه كلبا وفيا، فما أن كبر واشتد عوده، لم يتردد في نشب مخالبه في من رعاه، وما الزرقاوي سوى جزء ونتيجة للرعاية السابقة التي أولتها الولايات المتحدة للحركة التكفيرية المتخلفة التي تطلق على نفسها اسم (طالبان)، والتي صنعتها لتحقيق مآرب كثيرة في آن واحد، منها مزيد من التشويه لصورة التطبيق العملي للإسلام، ولدفع المسلمين في حرب طاحنة لا تنتهي، إذ أصبحت أولوية الحركة القضاء على ما أسمته مظاهر الشرك بين المسلمين، وكادت الحرب الطائفية تنشب على مستوى دولي وذلك على إثر استفزازات طالبان المستمرة لجارتها إيران. وكفى الله المسلمين شر فتنة قد يطول أمدها لو اشتعلت، وذلك حين غير الغول التكفيري ناظريه إلى جهة الغرب

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1379 - الخميس 15 يونيو 2006م الموافق 18 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً