العدد 1387 - الجمعة 23 يونيو 2006م الموافق 26 جمادى الأولى 1427هـ

«تمكين المرأة»... تفكيك المشاهد حين تتكامل

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

مشهدان تعرضت لهما الصحافة المحلية أخيراً، للوهلة الأولى بدا أنهما متناقضان، بيد أن حقيقة الأمر كشفت نقيض ذلك، فهما يكملان بعضهما بعضاً، ويعبران عن حذلقة وتذاكي على المراقب السياسي. شيء واحد يشترك فيه المشهدان، ألا وهو تقزيم الجمعيات النسائية البحرينية كمؤسسات أهلية، وشطبها من المشهد السياسي العام. كيف؟ لنرى.

المشهد الأول

استقبال رسمي ولقاء مهيب لطلائع الصناعة الرسمية لمترشحات الانتخابات البلدية والبرلمانية القادمة، اللواتي أنجزن برنامج التمكين السياسي الرسمي. البعض اعتبر اللقاء تاريخيا ويأتي في سياق مفهوم الأسرة الواحدة بين الراعي والرعية. في اللقاء تم التأكيد على غنى البحرين بكفاءاتها وكوادرها وقياداتها النسائية، وعلى التفاؤل من نتائج البرنامج. الخطاب الرسمي شدد على وجوب استقلاليتهن وطرحهن لبرنامجهن الانتخابي ونصحهن بدقة اختيار مسئولة لمن يقود حملاتهن ويديرها، داعياً الإعلام إلى التعاطي معهن بموضوعية وإيجابية وعقلانية. ثم التنويه لضرورة صمودهن وتجاوز العقبات، في إشارة واضحة إلى أن مركز دعم المرأة الذي افتتحه برنامج التمكين السياسي سيكون احدى الآليات المساندة للمترشحات، فضلاً عن ان المجلس الأعلى للمرأة يدرس إمكان دعمهن فنياً وإيجاد مخرج قانوني ودستوري لذلك الدعم. طريق مفروش بالرياحين والزهور، ولاسيما أن الابتسامة والتفاؤل علت وجوه القيادات الرسمية التي حضرت اللقاء، والاستيعاب من قبل المترشحات للدروس السياسية التي ألقيت عليهن حرفا بحرف.

المشهد الثاني

جاء من طرف متصل في اليوم نفسه من قبل وزيرة التنمية الاجتماعية التي صرحت لإحدى الصحف المحلية ( يونيو/ حزيران )، بأن إجراءات قانونية ستتخذ ضد الجمعيات النسائية التي ستمارس السياسة أو ستفتح مقراتها لدعم مترشحين في الانتخابات النيابية. وان وزارتها ستفتح لجنة تحقيق في حال تم اكتشاف الجمعيات الأهلية التي تمارس العمل السياسي وقت الانتخابات. وان جميع الجمعيات المسجلة تحت مظلة وزارتها هي جمعيات أهلية وليست سياسية، داعية إلى أن يكون العمل الاجتماعي منزهاً عن السياسة، وقالت أنا أدافع عن حق الجمعيات النسائية والأهلية. وهي ليس لديها مانع من عمل بعض الجمعيات في مجال توعية المرأة لحقوقها السياسية.

هكذا أقرأ ما بعد التفكيك

المفكر اللبناني علي حرب يعبر برأي له في كتابه «هكذا أقرأ ما بعد التفكيك» قائلاً: «يفكر المرء لكي يفسر الوقائع والمجريات، ويقرأ النصوص لكي يفهم معاني التوجهات والخيارات، كذلك هو يفكر ويقرأ، لكي يشخص المشكلات ويفكك المعضلات وعلى نحو يسهم في إيجاد الحلول والمخارج للمآزق والأزمات... ص ». ثمة أمر آخر أكثر من ذلك يشير إليه: «الرهان أن نشخص المشكلات ونفضح الممارسات أو نشرح الأزمات ونفكك العوائق والموانع، لكي نصنع إمكانات جديدة نخرج بها من موقع العجز والهشاشة، بقدر ما نتخلى عن عقلية التهمة ولغة الإدانة... ص »! وألمح في موقع آخر: «ومما يصدم العقول من حيث لا يعقلون: التعاطي مع العناوين والشعارات بعقلية الأصل الخرافي، أو الديكور التقدمي أو المتراس الايديولوجي أو الفخ الانتربولوجي أو المنزع النرجسي أو الزمن الفردوسي أو الهدام الانسانوي... ص ».

من طرفه يوضح عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه «خوارق اللاشعور»: «فلا نكران في أن النظام المتفسخ من الناحية السياسية والاقتصادية كثيراً ما يميت المواهب ويمنع الفرد من استثمار قواه النفسية استثماراً صحيحاً... ص »! سقنا المقولات أعلاه لمجرد التذكير بالعبث الذي يتخلل المشهد السياسي العام... كيف يكون ذلك؟

تفسخ علاقة الرسمي بالأهلي

بقراءة متفحصة ومتنورة نتوصل إلى أن الأزمة كامنة في جوهر المشهدين المتكاملين والمتحدين في الغايات مع بعضهما بعضا، هنا يستوجب استحضار آلية التفكيك، لأنهما - أي المشهدين - تعبير فاقع عن التفسخ والتحلل الذي لامس علاقة الطرف الرسمي بالأهلي، خصوصاً على مستوى العمل النسائي. فهناك ممارسة رسمية مقصودة لعدم استثمار الطاقات والمواهب النسائية في صفوف المعارضة السياسية، وتهميش متعمد يمارس بحق القدرات والخبرات والمهارات النضالية التي حفل بها تاريخ الحركة النسائية البحرينية، كل ذلك لأنهن لسن من «البصيمة والمواليات». المشهدان يبرزان للمراقب صفا من المترشحات «صناعة رسمية»، وخطاب رسمي يجاهد لإبراز قدراتهن المتباينة في مشاربها ومهاراتهن ومصالحهن، بيد أن ضعف الأداء هو سيد الموقف، فماذا يعني قيام إحدى المترشحات المتدربات بحصر أعداد من حضرن مجلسها الأسبوعي، فالمترشحة الواثقة من نفسها، تذهب إلى مواقع البسطاء وغير البسطاء بتواضع وتحدثهم عن برنامجها ومشروعاتها ورؤيتها الفصيحة في الواقع، لا مباركة الجهات الرسمية وثنائها أو جلسات الشاي والكعك، ذلك لا يجلب الأصوات النسائية.

أمر آخر، أن يمر تصريح «وزيرة التنمية» من أمام المترشحات المتدربات مرور الكرام لاسيما المنضويات منهن في جمعيات نسائية عريقة أو سياسية، يحتاج إلى إطلاق شياطين الأسئلة عليهن في ساحات الجدل والمناظرات السياسية التي يجاهد الطرف الرسمي على تقليصها إلى حدود المرسوم والمسموح وباسم القانون. إضافة إلى ذلك، ما الذي يجري بشأن شعار «التمكين السياسي للمرأة» وبرنامجه؟

بحسب المراقبين المحللين، ونحن معهم، يلخصونه في سياق طبيعة أزمة الشعار الديكورية التقدمية ذات المنزع النرجسي على النحو الآتي:

المملكة بجميع أجهزتها وقياداتها السياسية ملزمة بتنفيذ بنود الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها، وإيجاد آليات مستدامة لذلك، فضلاً عن إرساء شراكة حقيقة «غير وهمية وشعاراتية» مع مؤسسات المجتمع الأهلي، من تلك الاتفاقات، اتفاق «السيداو»، التي تنص حرفياً: «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وخصوصاً تكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل. ولها الحق فيما جاء في المادة (/ج): (المشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد). وعليه ليس من المنطقي ولا المعقول أن يفاخر المجلس الأعلى للمرأة في المحافل الدولية بتوقيعه الاتفاق وتنفيذ برامج التوعية وعقد الدورات والورش بشأنها، لتأتي وزيرة التنمية وتخالف ذلك الجهد صراحة وعلانية وعلى مسمع من المجلس الأعلى للمرأة وتحجر على الجمعيات النسائية التعاطي بالعمل السياسي وعدم فتح مقراتها للمترشحات، إلا إذا كان هناك أمر مخفي في أجندة الجهتين المشتركة».

الواقع النسائي عالمياً وإقليمياً متقدم، ومؤشر ذلك بارز في زيادة نسب انخراط النساء في الشأن العام، وتنامي دور وأهمية المنظمات الأهلية والحقوقية المعنية بقضية تمكين المرأة ومشاركتها السياسية، لا بل إنها تأتي على سلم أولويات الأجندة الرسمية لبعض تلك الدول. السؤال: ألهذه الأسباب وغيرها، يتسم السلوك الرسمي المحلي بالقلق والتوتر تجاه نشاط الحركة النسائية البحرينية؟ فتقوم المؤسسات الرسمية على إثره بطرح نفسها كبديل قيادي ومخطط للجمعيات النسائية فتهمش أدوارها وتلاحقها وتعاقبها، ومن يدين لها بالولاء والطاعة والمبايعة و«البصم»، يتم الاعتراف به وتتيسر أموره، ومن يرفع الصوت مستقلاً وعالياً ومعارضاً لسياسات الاستحواذ والإقصاء ومطالباً بالحقوق، فمكانه في خانة المغضوب عليه، فأهلاً بتمكين النساء وبعملهن السياسي وبمنظماتهن طالما استقرت تحت المظلة الرسمية وإرشاداتها، ومن يشذ منها عن القاعدة فإن التهديد والتضييق والتهميش مصيره. إنها حقاً أزمة تعكس الهشاشة والعجز!

ثمة أمر لا يمكن التغاضي عنه يتعلق بمظاهر الضعف الذي تتسم به الحركة النسائية البحرينية وتشرذمها، بسبب الفجوة في مستويات وعي النساء بحقوقهن ومسئولياتهن السياسية، وشحة وضعف مهاراتهن في العمل السياسي بسبب القصور المعرفي وشيوع النظرة النمطية بأن العمل النسائي لابد أن ينال مباركة رسمية، فضلاً عن انه خاص بالرجال دون النساء، بسبب الموروثات التي تساهم بها بعض الجمعيات السياسية والتيارات الدينية المناهضة لمشاركة المرأة في الشأن العام، ما يمنح الطرف الرسمي مبررا وفرصاً وساحة مفتوحة لتشطير الجمعيات النسائية بالطول والعرض وخلخلة أوضاعها وتشجيع شخصنة تلك المؤسسات وجعل خطابها أقرب إلى الخطاب الرسمي والبعيد عن مجريات الحراك السياسي الفعلي في البلاد. لم نسمع رأياً من المترشحات المتدربات في برنامج التمكين السياسي الرسمي، في المسألة الدستورية، ولما يحدث من جدل في البرلمان بشأن الاستعجال للبت في موازنة - ، ولا بشأن قانون التجمعات، ولا الصحافة، ولا الفساد وسرقة الأراضي والمال العام، ولا التجنيس السياسي، ولا حتى الباب المتعلق بتنظيم عمل النساء في قانون العمل الذي يدور الجدل حوله منذ ثلاثة أعوام، أين النساء المتدربات المترشحات (نائبات المستقبل) من هذه الملفات؟ أين تحليلاتهن ومواقع خطابهن وبرامجهن من الاعراب مقارنة بالخطاب الرسمي؟

في هذا الخضم، يحق للمواطنين والمواطنات إثارة الأسئلة الموجعة للرأس باستمرار، ومنها: هل موقف وزيرة التنمية الاجتماعية وسعيها إلى افراغ الجمعيات النسائية من مضامينها وأسباب وجودها وتهميشها والمحافظة على مواقعها فقط في إعداد أطباق الخير وعروض الأزياء والحدائق وتوزيع الابتسامات أمام كاميرات الصحافة والتلفزيون، يأتي في سياق قناعة الدولة بأنها أتمت رسالتها وتسديد فاتورتها الإصلاحية للمطالبات الأميركية، سواء المتعلقة بالإصلاح أو إدماج البحرينية في الشأن العام؟ إن كان الأمر كذلك، فهو مصيبة، لا بل قل كارثة حقيقية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 1387 - الجمعة 23 يونيو 2006م الموافق 26 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً