العدد 1393 - الخميس 29 يونيو 2006م الموافق 02 جمادى الآخرة 1427هـ

اقتداءً بالغرب.. لِمَ لا يتم فرض ضريبة تصاعدية؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

«التطور غير المنظم للنظام الرأسمالي أدى إلى كوارث اجتماعية واقتصادية تمثلت في حدوث أزمات اقتصادية وما تبعها من بطالة وعدم استقرار سياسي...». هذا ما يذكره الكويتي عبدالرضا أسيري في كتابه «النظام السياسي في الكويت». الآن الحكومة تبنت التحول إلى نظام اقتصادي قائم على إيكال الأنشطة الحياتية للأفراد، احتذاء بالدول المتقدمة التي تتبنى اقتصاد السوق الحرة. يأتي هذا القرار في خضم الدعوات للعودة إلى الليبرالية الاقتصادية القديمة التي أدت إلى حصول المشكلات التي أشار إليها عبدالرضا في الفقرة السابقة، وهي فكرة تدعو إلى قصر دور الدولة على الأمن الداخلي والخارجي وتقليص الخدمات التي تقدمها في مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية.

غير أن الواقع الذي مرت به الدول الرأسمالية المتقدمة نسف هذه الفكرة نسفا، فبعد الحرب العالمية الأولى، واجهت الدول الرأسمالية، وخصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا الكثير من المشكلات بمختلف الأبعاد، فظهرت مشكلة النقابات العمالية وكثرة الإضرابات، وارتفاع الأسعار...الخ. حينها ارتفعت دعوات للتخلي عن مفهوم الليبرالية القديم والمتعلق باقتصاد السوق الحرة والذي كان سائدا حتى ما قبل الحرب، خصوصاً في بريطانيا وأميركا، وتعالت أصوات تدعو إلى تدخل الدولة من أجل دعم وتوفير الخدمات للمواطنين، وخصوصاً ذوي الدخل المحدود، إذ إن خدمات كالتعليم والصحة وغيرهما عادة لا تكون مربحة بوجود شريحة عظمى غير قادرة على شراء هذه الخدمات، وهذا ما قامت به الدول الثرية فعلا.

فبجانب عدة أهداف، أبرزها التقريب بين طبقة الأغنياء القليلة وعامة الناس في المستوى المعيشي وما يتطلبه من خدمات شتى، وليس في مستوى الدخل الذي من الطبيعي سيتفاوت، وحتما سيكون تفاوتا فاحشا في ظل النظام الرأسمالي بالذات، سعت الدول الغربية لفرض ضريبة تصاعدية على الدخل، فكلما زاد الدخل زادت النسبة المقتطعة، حتى أصبحت هذه ضريبة تمثل مصدراً مهماً من الإيرادات في موازنة الدولة، وزاد كثيراً الاعتماد عليها كمصدر للإيرادات الحكومية: ففي الولايات المتحدة، بينما كانت ضريبة الدخل تغطي , في المئة فقط من الإيرادات الضريبية العام ، أي قبل الحرب العالمية الأولى، قفزت هذه النسبة وواصلت الارتفاع حتى وصلت إلى في المئة العام . وفي بريطانيا أيضاً زادت نسبة الإيراد المحقق من ضريبة الدخل -بين العامين -، من في المئة إلى في المئة من جملة الإيرادات الضريبية.

ومنذ ذلك الحين، تم استخدام جزء كبير من الإيرادات في دعم الخدمات لمواطني الدول المتقدمة، ولاتزال هذه الدول تضخ نسبة كبيرة من مجمل الدخل المحلي لدعم الخدمات يفوق بعض الدول النامية حتى النفطية كما تشهد بذلك تقارير التنمية البشرية السنوية التي تصدر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. ومع تبنيها اقتصاد السوق الحرة، إلا أن مساهمة القطاع الخاص في غالبية الدول المتقدمة في بعض القطاعات الخدمية تشكل نسبة منخفضة من إجمالي الناتج المحلي وخصوصاً في قطاع الصحة، فحسب تقرير التنمية البشرية للعام ، على سبيل المثال، يشكل إنفاق الحكومة النرويجية على الصحة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يساهم القطاع الخاص بـ , في المئة فقط، وتنفق الحكومة هناك أكثر من في المئة من موازنتها على التعليم أو , في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل النسبة إلى , في المئة من إجمالي الناتج المحلي في الدنمارك. وهذه الظاهرة تشمل غالبية الدول المتقدمة، إذ يزيد الإنفاق على الخدمات، وخصوصاً التعليم والصحة، ويقل لأدنى حد الإنفاق على القطاع العسكري.

وبما أن حكومتنا قد تبنت طريق الخصخصة كخيار استراتيجي لهذه الحقبة، ولأن الانتقال من نظام اقتصادي إلى نظام اقتصادي آخر يمر بمرحلة مخاض عسير سيطال غالبية الناس ذوي المداخيل المتدنية أصلا، لذلك يجدر بالحكومة أن تحذو حذو الدول المتقدمة الغربية في ضخ مزيد من الإنفاق على بعض قطاعات الخدمات كالصحة والإسكان والتعليم، والمحافظة على مساهمة الحكومة في البعض الآخر، وعدم السماح بجعل مصير الناس في هذا المجال وفق قانون العرض والطلب والربح والخسارة الآنية، فهذه الفكرة الكلاسيكية، مع محاولات إحيائها، إلا أن الدول المتقدمة الكبرى قد تخلت عنها منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى ولحد الآن فيما يتعلق بالخدمات كالآنفة الذكر، وذلك من خلال فرض مزيد من الضرائب التصاعدية على الأثرياء لصالح عامة الناس.

فلماذا لا يتم الاقتداء بالغرب هنا، ويتم فرض ضرائب على الدخل تصاعدية، تستهدف في حقيقة الأمر أصحاب المداخيل العالية من شخصيات حقيقية أو اعتبارية، حتى تساهم هذه الضرائب في رفع مستوى الرفاه لعامة المواطنين، وعدم تضررهم من الخصخصة والانتقال إلى نظام اقتصاد السوق الحرة. وحتى ندرك وجاهة الضريبة التصاعدية في حال الخصخصة، والتي تطبقها بعض الدول العربية مثل لبنان، وإنها الطريق لإشراك القطاعات الأخرى في المساهمة في الاقتصاد ورفع مستوى الرفاه العام، علينا بملاحظة الآتي:

منذ العام على الأقل ومساهمة القطاعات غير النفطية في موازنة الدولة تعتبر في انخفاض مستمر نسبيا، ففي سنة شكلت الإيرادات غير النفطية في المئة، ثم بدأت الإيرادات النفطية تتفوق عليها وترتفع بشكل كبير حتى وصلت حالياً إلى في المئة من الإيرادات، وبذلك هبطت الإيرادات غير النفطية إلى في المئة أو أقل. وإذا أخذنا في الاعتبار مسئوليات الحكومة عن الخدمات المتنوعة من تعليم وصحة ونظافة وسكن... الخ، حينها نطرح السؤال الآتي: أين دور القطاع الخاص وأين الهيكل الاقتصادي السليم الذي يعتمد تنويع مصادر الدخل؟ وأين برامج التنمية الاقتصادية وآثارها التي ملأت الصحف بالمشروعات التنموية طيلة عقود مرت، وبعد كل هذه المدة مازلنا نعيش على الريع النفطي بل زادت نسبة اعتمادنا على سعر البرميل في السوق العالمية، ومازالت المواد الأولية تشكل ما نسبته في المئة من الصادرات (حتى سنة ) (انظر تقرير التنمية البشرية للعام )وتزداد مشروعية الأسئلة السابقة إذا علمنا أن الإيرادات الحكومية باستثناء العجز في الموازنة، تشكل نسبة لا يستهان بها من إجمالي الناتج المحلي تصل إلى نحو من في المئة أو أكثر، والذي وصل حديثاً إلى , مليارات دينار، وهذا الرقم تم استنتاجه من تصريح وزير المالية بتاريخ يونيو/ حزيران عندما تحدث عن مساهمة طيران الخليج وقال إنها وصلت مليون دينار وتشكل , في المئة من الناتج المحلي الإجمالي

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1393 - الخميس 29 يونيو 2006م الموافق 02 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً