العدد 1393 - الخميس 29 يونيو 2006م الموافق 02 جمادى الآخرة 1427هـ

تشريع الإسلام الاقتصادي يساهم في عولمة الإسلام

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

منذ أن دخل الاستعمار البلاد العربية والإسلامية دخلت معه مستلزماته وآلياته ومناهجه، فكان ما استجد في قاموس العرب والمسلمين مفردة المصرف ومصطلح البنك وهما لفظان مترادفان في المعنى، على أن الأخير معرب من أصل كلمة لاتينية شاع استخدامه في المعاملات النقدية والتجارية وبات معناها جزءاً لا يتجزأ من حاجة الإنسان المعاصر. والمعاملات المصرفية والبنكية لم تقتصر في ضرورتها على المؤسسات المالية والاقتصادية والصناعية وأصحاب الأموال والأصول الثابتة فيما يتعلق بالحاجة إلى الخدمات البنكية؛ بل تعدت الضرورة إلى كل فرد في المجتمع، حتى أولئك الذين لا يملكون المال أصلا ليودعوه في البنك، فهم بحاجة إلى الاقتراض والتمويل المالي لتلبية بعض احتياجات ومتطلبات الحياة المعيشية، وخصوصاً عند انعدام القروض الحسنة من المحسنين، فلا يوجد أمامهم خيار غير النظام البنكي الذي يقدم هذه الخدمات بالنظام الربوي المحرم في الإسلام.

وقد اقتضت طبيعة المعاملات الحديثة بين المنتج والمستهلك وبين الدولة ومواطنيها وبين الدولة والدول الأخرى وبين الأفراد وبعضهم بعضاً وكل التعاملات المالية والاقتصادية بمجملها ومفصلها إلى خدمات المصارف أو البنوك كآلية متقدمة في أداء دور الوسيط أو الطرف الآخر المفيد والمستفيد في المعاملات المالية في هذا العصر، في حدود العلاقة التكاملية بين طرفي العجز والفائض. من هنا يعد تحديد أصناف البنوك أمرا في غاية الأهمية كمدخل للخلاصة التي يراد لهذا المقال الوصول إليها.

تصنف البنوك إلى تصنيفات تفرعت عن التقادم الفني والنوعي للمعاملات البنكية فصارت كالآتي: البنك المركزي، بنك الادخار، بنك الاستثمار، بنك التنمية الصناعية، بنك التنمية الزراعية، البنك العقاري، وبنوك الافشور، البنك التجاري والبنك الإسلامي وغيرها. على أن البنك التجاري يعتبر - عند المتخصصين - من صنف البنوك التقليدية وعندما تضاف إليه كلمة «إسلامي» ففي ذلك احتراز من ادراجه في البنوك الربوية.

ونظراً للضرورة الحتمية الواقعة على الانسان المسلم في حاجته إلى التعامل مع المؤسسات البنكية المرتكزة على تعاملات ربوية، مقطوع حرمتها شرعاً في الإسلام بنص القرآن الصريح، انبرى مفكرون وفقهاء اسلاميون ودرسوا هذه الحالة المعاصرة تحت عنوان القضايا المعاصرة والمسائل المستحدثة، في جانب المعاملات من قضايا التشريع الإسلامي.

وكان لماليزيا قصب السبق في أسلمة العمل البنكي وتطويره بما يتوافق مع التشريع الاقتصادي الإسلامي في العام كصندوق للادخار يعمل بلا فائدة، وفي تطور المشروع إلى أن ظهر في باكستان بصورة أكثر تطوراً مراعياً الأصول الشرعية في المعاملات البنكية. وفي بداية الستينات كانت مصر واحدة من أوائل البلدان التي لعبت دوراً في هذا المضمار. ومما قدمه المفكرون والفقهاء أن قدم إلينا المفكر الكبير والمرجع الديني الشهيد السيدمحمد باقر الصدر كتابه الرائد «البنك اللاربوي في الإسلام» قبل أكثر من ثلاثة عقود، وقدم عدد من الفقهاء والباحثين في قضايا العصر صوراً للمعاملات البنكية خارج إطار الدائرة الربوية. فاعتمدوا في وضع النظرية البنكية الإسلامية على أبواب معاملات ترجع أصولها في التشريع إلى ما قبل قرناً من الزمن، أي منذ عصر الرسالة الأول، كأبواب المضاربة والمرابحة والجعالة والشركة والضمان وغيرها من القواعد الشرعية التي أسست لمعاملات مالية بنكية مشروعة.

فكان لهذا التوظيف الجديد لحيثيات تشريع المعاملات في التعاملات اليومية للمسلمين أثر ذو طابع ايجابي على نظام التشريع الإسلامي في حركة الإنسان والحياة؛ كما كان له اثر سلبي على عمليات المصارف التقليدية - البنوك الربوية - المرتكزة في عملياتها على خلاف التشريع الإسلامي، ما حدا بعدد من عواصم المال والأعمال كسويسرا وبريطانيا وغيرها من حاضنات من البنوك العالمية كبنك إتش إس بي سي وسيتي بنك إلى أن كان النبأ الأخير عن عزم اليابان تأسيس بنك إسلامي للقيام بعمليات بنكية وفق الشريعة الإسلامية. هذه الرغبة تكشف أنها لم تعد قادرة على فرض خدماتها بالأسلوب التقليدي مجردا عن دخول مجال المنافسة في أسواق البلاد الإسلامية بنظام البنك الإسلامي وتقديم الخدمات البنكية بجميع أنواعها على أساس النظرية البنكية الإسلامية غير الربوية، ما أتاح لها فرصة تعويض خسائرها جراء نزوح عدد غير قليل من عملائها الذين يبحثون عن المعاملات المالية والاقتصادية المبنية على أساس الشرع الإسلامي.

والخلاصة؛ هي أن التشريع الإسلامي بات يثبت يوماً بعد يوم تجدد صلاحيته في أنه قادر على معالجة قضايا الإنسان المعاصر، وأن العولمة كما أنها جسر للوافد من الايديولوجيات والفكر الآخر فإنها بوابة واسعة للاسلام للانتشار في العالم في عصر العولمة، ولكنه يعتمد في ذلك على همم المتشرعين من فقهاء ومفكرين وعلماء متخصصين في استنباط الحكم الشرعي من مضانه لتقديمه للمكلفين، في كل قضايا الحياة، فما عليهم إلا أن يضعوا عيناً على المجتمع المعاصر وحاجاته وعيناً أخرى على التشريع الذي لن يخذلهم في استنباط الحلول والمعالجات من جهة أخرى

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 1393 - الخميس 29 يونيو 2006م الموافق 02 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً