العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ

العدوان على لبنان والطرح الإعلامي الطائفي

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

تكمن الخطورة في هذه المرحلة من الصراع في توجه «إسرائيل» الجديد، إذ قررت كما يبدو إنهاء مرحلة معادلة توازن الرعب التي وجدت بانسحابها من لبنان في 25 مايو/أيار 2000، حتى يبقى الرعب في يدها وحدها، وهذا يعني أن الوضع حاليا مع حزب الله هو الكون أو العدم. وفي سبيل اجتثاث الحزب، لا شيء محرم أمام «إسرائيل»، وفي خضم هذا الصراع لا مكان لمفهوم الإرهاب الذي يعني كما في تعريف الأمم المتحدة «استهداف الأبرياء»، وما تراه «إسرائيل» من ابتزاز حزب الله المستمر لها شيء لا يمكن السكوت عنه واستمراره. ولقد عولت «إسرائيل» سابقا على انقلاب عربي رسمي، سرعان ما يحصل على انقلاب الداخل اللبناني على حزب الله الذي أصبح في منتهى الصعوبة، وذلك عندما جربت العام 1996 بعملياتها التي أطلقت عليها «عناقيد الغضب»، وانطلق الملأ آنذاك يرددون ما ردده كثير من العرب هذه الأيام، من أن حزب الله يغامر في مواجهة القوة الرابعة في العالم. وأخذوا يطرحون المقارنات آنذاك بين ما يمتلكه الحزب من كاتيوشا وكلاشنكوف وما تمتلكه «إسرائيل» من دبابات وطائرات حربية أميركية الصنع... الخ.

الآن، نسمع النغمة الفاقدة للانسجام ذاتها، ويضيف لها البعض متسائلا: كيف يدمر البلد من أجل أسير أو أسيرين لبنانيين في سجون الاحتلال؟، ونسي هؤلاء أن الذي يقوم بتدمير لبنان قد فعلها من قبل من دون الحاجة لمثل هذه الذريعة، ونسي هذا النفر البعدين المبدئي والأخلاقي، فالذي يقيس المسألة بنفر أو نفرين، يستمر قياسه قائما ليصل إلى ألف وألفين، وقرية وقريتين، فكلهم لا يستحقون التضحية بلبنان من أجلهم، بينما مبدئية الحزب التي يفتقدها الصهاينة وحتى بعض الأحزاب اللبنانية، تلك المبدئية قائمة على التضحية والفداء إذا كان في ذلك تحقيق للعزة والكرامة للجميع، ليستديم الأمن وتتحقق التنمية على أساس متين.

وفي الوقت الذي تقف غالبية اللبنانيين مع المقاومة، وبدل أن يعلن اللبنانيون أنهم قد تعبوا إذ إنهم المستهدفون مباشرة، يتعب عنهم المسئولون العرب، مع إنهم لم يقدموا رسميا ولا شهيدا واحدا في سبيل نصرة القضية الفلسطينية أو لبنان، وربما تعني أنهم تعبوا من تقديم فتات أموالهم لإعادة الإعمار، مع انهم لم يقدموا إلى لبنان أو فلسطين في خلال خمسين عاما نصف أو ربع ما قدمه بعضهم إلى أفغانستان في خلال خمسة عشر عاما، والبالغ - كما قال السياسي اللبناني نجاح واكيم - عشرين مليار دولار.

ما يسمى بالمجتمع الدولي كعادته يتفهم الدافع الذي يدفع «إسرائيل» لدك المدن وقتل المدنيين عمدا، والكل يتذكر مجزرة قانا في جنوب لبنان سنة 1996 التي حدثت في مبنى تابع للأمم المتحدة لجأ إليه المدنيون، فتعمد الطيران الحربي الإسرائيلي قصفه وقتل مئة من اللبنانيين، وأما ردة فعل الأمم المتحدة التي ينبغي أن تكون الممثل الحقيقي لما يسمى بالمجتمع الدولي، هو أن طالبت «إسرائيل» بتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمبنى وقيمتها مليون دولار كما يقول رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري.

طبعا هناك من بكى على استثماراته في لبنان، وتأسف على جهود التنمية، أما من زار الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب المهددة دائما وأبداً بالغزو الإسرائيلي، ورأى الحال المتردي منذ عقود، فسيتفهم نظرة الجنوبيين ووقوفهم بصلابة مع حزب الله وتبنيهم لرؤيته، إذ لا مكان لشيء اسمه تنمية وبناء حقيقي من دون أمن، ولا أمن مع وجود كيان صهيوني يتهدد أي بلد مجاور بسبب أي حادث مهما كان بسيطاً لتحطيم البنية التحتية، إلا بخلق توازن يردع الصهاينة.

والمشكلة التي أوقع أنفسهم فيها بعض الحكام، استعجالهم باتهام مقاومة حزب الله والتسبب بجر المنطقة للدمار، والمفاجأة أن وجد هؤلاء أنفسهم في زاوية ضيقة بعد الدعم الواسع من قبل المثقفين العرب ووقوفهم بشدة مع حزب الله، إذ لم يتوان الاتحاد العربي للمحامين العرب عن إصدار بيان أدان فيه التصريحات. هنا بدأ اللعب بالدين، والإيحاء لبعض المتحدثين باسمهم بالزعم أن المسألة لا تعدو كونها مصالح إيرانية وسورية، وإن ما قام به حزب الله له علاقة بالمشروع النووي الإيراني، وتحقيق طموحات طائفية، وهكذا يأمل هؤلاء بجدوى اللجوء للاسطوانة الطائفية المشروخة في تحييد الشعوب العربية والإسلامية خصوصا وقد بدأ الخلط المشبوه والمتعمد واستدعاء ما يجري في العراق.

تواكب ذلك بوجود شريحة من شيوخ التكفير، ممن يعتبرون القاعدة وأتباعها مجاهدين في أفغانستان والعراق، ولكنهم خارجون على ولاة الأمر ومحرم ما يفعلون في البلدان المجاورة التي يعيش فيها هؤلاء المشايخ. هؤلاء المشايخ كانوا قبل أيام يستصرخون المسلمين حيال ما يجري في قطاع غزة، ولكن بعد عملية أسر الجنديين على يد حزب الله وقتل 8 آخرين، تغيرت لغتهم وأصدروا ما أسموه بالموقف الشرعي حيال ما يجري، إذ يتخيلون ما يجري منافسة بين مشروعين، مشروع صهيوصليبي ومشروع صفوي من ورائه إيران وسورية، أما الذراع المنفذة لهذا المشروع، فهو حزب اللات كما في تعبيرهم المخزي. فالمسألة ليست سوى حرب بين كسرى الفرس وقيصر الروم، والروم ملاعين والفرس ملاعين، فما لنا والدخول بين الملاعين، وعلى ولاة الأمر أن تقر أعينهم، فلا ضغوط شعبية تجاه هذا الصراع ولا هم يحزنون.

والبعض تلقف الفكرة ووجد فيها مخرجاً من الحرج أمام شعوبهم بشأن ما يجري على اللبنانيين من جرائم، وتريح ضمائر شعوبهم إذا ما جنحوا للفرجة في حال استطاع هؤلاء في جر شعوبهم نحو المستنقع الذي وقعوا فيه، ولكن هذه المرة باللجوء إلى عنوان الطائفية المقيت. غير أن استمرار المقاومة وصمودها الذي ألهب مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، قاد إلى تقزم هذه الموجة من التصريحات وتبخر أثرها.

الآن وبعد مواقف كبار القيادات الشعبية والمثقفين، ورفضهم الضرب على وتر الطائفية، كزعيم الإخوان المسلمين في مصر محمد مهدي عاكف ومفتي الديار الفلسطينية الشيخ عكرمة صبري وغيرهما من مختلف الاتجاهات ممن أعلنوا وقوفهم ودعمهم للمقاومة واعتبارها آخر حصون العزة والكرامة المهدورة على أيدي الرسميين العرب، ينتظر في الأيام المقبلة تغيرا في الخطاب الرسمي العربي، كما تغير سابقاً تجاه الحزب نفسه، وتحوله إلى مسايرة خجولة لما يحدث، ولكنها تتربص لاقتناص الفرصة حتى تميع قدر الإمكان النتائج التي يمكن أن تخلفها المقاومة، وتحجمها كي لا تدفع بهذه الأنظمة رغما عنها في الدخول في الصراع.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1414 - الخميس 20 يوليو 2006م الموافق 23 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً