العدد 143 - الأحد 26 يناير 2003م الموافق 23 ذي القعدة 1423هـ

الشيخ عبدالأمير الجمري: ضحّى بما لديه من أجل البحرين فأحبّه الجميع

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مع قرب نقل الشيخ عبدالأمير الجمري من ألمانيا إلى المملكة العربية السعودية ازدادت استفسارات المواطنين عن موعد وصوله، وازدادت الأحاديث عن تنظيم رحلات جماعية لزيارته في المستشفى، ما حدا بالمتحدث باسم عائلة الشيخ (الابن الأكبر) محمد جميل إلى توجيه طلب إلى كل المواطنين والمحبين بعدم التوجه إلى الرياض عندما يصل الشيخ هناك.

إن أسلوب تعاطي شعب البحرين مع حال الشيخ الجمري يبين بما لاشك فيه أصالة هذا الشعب الوفي الذي لا ينسى أحدا عمل من أجله. وبحكم انني الابن الثاني للشيخ، ومن ثم شريكه في بعض أنشطته السياسية في السنوات الأخيرة أجد نفسي مدينا لذكر بعض ما تعلمته وعرفته عن الشيخ الجمري.

بدأ الشيخ حياته العملية في سن مبكرة في الخمسينات يعمل في المنامة في دكان أحد التجار، وفي الوقت نفسه كان يمارس الخطابة الحسينية ويدرس العلوم الدينية على يد عدد من علماء الدين. وأشار أحد أولئك العلماء (الشيخ عبدالله محمد صالح) عليه بمواصلة دراسته في النجف الأشرف. وهكذا انتقل إلى النجف في العام 1962 والتحق بالحوزة الدينية هناك وأنهى المقدمات (المرحلة الأولى)، والسطوح (المرحلة الثانية) ودخل لأقل من سنة واحدة البحث الخارج (أعلى مراحل الدراسة الدينية في النجف) ودرس على يد الإمام محمدباقر الصدر.

إلا ان بدء الحياة البرلمانية العام 1973 واتصال أهالي المنطقة به للعودة إلى البحرين لترشيح نفسه جنبا إلى جنب مع رفيق حياته الشيخ عيسى أحمد قاسم أدى إلى قطع دراسته والعودة إلى البحرين ودخول الانتخابات واشتراكه مع الشيخ عيسى قاسم والمرحوم الشيخ عباس الريس والشهيد عبدالله المدني في تأسيس الكتلة الدينية (الاسلامية) داخل المجلس الوطني. ومنذ دخوله المجلس الوطني - وحله لاحقا - والتحاقه بسلك القضاء وممارسته نشاطه العام، فإن حياته مليئة بالأنشطة المختلفة التي تتنوع وتتعدد من التحرك السياسي والاجتماعي إلى توزيع الأموال على المحتاجين شخصيا، إذ كان يقوم بزيارتهم في منازلهم بين الفينة والأخرى.

وكان يوصي دائما بحفظ أموال الناس والابتعاد عن المال الحرام وعن الممارسات التي تبعد المرء عن الناس وخدمتهم، لان «رضا الله في خدمة الناس» كما كان يردد. وعلى رغم تعرضه شخصيا لمضايقات أجهزة الأمن ابتداء من العام 1981 حتى العام 2001، إذ كانت ترابط حول منزله على الأقل سيارتان تتابعانه أينما ذهب، وتقومان بمراقبة من يلتقيهم وتستدعيهم وتؤذيهم وتتنصت على ما يقوله داخل المنزل، فإن كل ذلك لم يكن يؤذيه بقدر ما كان يؤذيه ما كان يسمعه من آلام يتعرض لها الناس. وهكذا أصبح ملجأ لكل فقير ومحتاج ولكل مظلوم ولكل من أراد ان يعبر عما يختلج في نفسه. وعندما أغلقت الحكومة جمعية التوعية الإسلامية في العام 1984 واختفت بذلك أماكن الاجتماعات قام بفتح مجلسه لاستقبال الشباب الذين كانوا يتنقلون بين المجلس والمعتقل، ومع ذلك يصرون على الالتجاء إليه دائما والاجتماع في مجلسه.

وفي حوار حضرته في الثمانينات مع عدد من الشخصيات الذين كانوا يطلبون منه الابتعاد عن «الناس العاديين» لكي يأمن من انتقام وزارة الداخلية، أجابهم: «هؤلاء ليسوا أولاد العَبْدة، واحنا وهم مصير واحد».

وبسبب ذلك كان أول من استُهدف من قبل أجهزة الأمن بإثارة الشائعات ضده (مثال ذلك: انه تسلم هدايا مثل غيره، وسيبتعد عن الناس) إلى الملاحقات والمضايقات إلى اعتقال ابنه الأكبر عشر سنوات وزوج ابنته سبع سنوات (والاثنان كان يطلق عليهما جناحاه اللذان يطير بهما) إلى اعتقال ابنته وزوجة ابنه إلى تشريد ثلاثة آخرين من أبنائه إلى دخوله السجن ثم السجن الانفرادي إلى تعرض قريته للسبت الأسود (1 ابريل/ نيسان 1995)، إلى محاصرة منزله ومنازل المحيطين به لسنوات، إلى كل الآلام التي كان يحمد الله انه يتعرض لها كما يتعرض لها «الناس العاديون»، لانه اعتبر نفسه واحدا منهم، ومازال وسيبقى كذلك حتى لحاقه بالرفيق الأعلى.

وبعد الانفتاح السياسي مطلع العام 2001 خرج بعد ان اتعبته الحوادث الواحدة تلو الأخرى ليشارك في قيادة أنشطة سياسية واجتماعية. وعلى رغم اصرار العائلة عليه بأن «يتقاعد» لأنه واجه في حياته من المتاعب ما قد يعجز عنه أفراد مجتمعون، فإنه واصل نشاطاته حتى أصيب في قلبه ثم في ظهره ثم في رأسه بانتكاسات وجلطات الواحدة تلو الأخرى.

«الناس العاديون» لم يتوقفوا يوما واحدا عن الاتصال به وزيارة مجلسه وأصروا على إحياء برامجه في مكتبه ومدرسته الدينية، ومكتبة مجلسه ومجلسه على رغم غيابه عنهم جسديا منذ مايو/ آيار العام الماضي عندما اضطر إلى الذهاب إلى ألمانيا مع ازدياد أمراضه الجسدية.

«الناس العاديون» الذين كان البعض يحذرونهم منه مازالوا هم الناس الذين حملوا ويحملون همّ الوطن والمواطن، وهم الذين ضحوا ويضحون بالغالي والنفيس من أجل سعادة الآخرين ومن أجل بحرين متوادّة ومتحابة، وبعيدة عن الفساد وعن الذين لم يرحموا الناس «العاديين» و«غير العاديين»

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 143 - الأحد 26 يناير 2003م الموافق 23 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً