العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ

المقاومة وضرورة العودة للشعوب

عبدالهادي مرهون comments [at] alwasatnews.com

ما قامت به المقاومة اللبنانية وأسود حزب الله من تصدٍ للعدوان الصهيوني هو حلم كل مواطن عربي، وقد استطاع المجاهد النبيل السيدحسن نصرالله والمقاومين البواسل فعلا كسر إيقاع الهزيمة والصمت العربي.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يجترح فيها حزب الله مثل هذه الأعمال البطولية، فقد اجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من معظم أراضي جنوب لبنان في 2000، وكذلك فرض على هذا العدو تبادل الأسرى في الماضي القريب، إذ كسر هيبة «إسرائيل» وأذاقها طعم المرارة والهزيمة، وتعود هذه الانتصارات إلى أن حزب الله درس واستوعب لغة العدو وكيفية التعامل معه، مضافا إلى ذلك النفس الطويل الذي يتحلى به الحزب وقائده، اذ أسقطت المعركة الراهنة أسطورة احتكار «إسرائيل» التفوق العسكري التقليدي، وقدرتها على تحقيق أهدافها بوقت سريع، ومثلت المعركة الحالية أطول معركة خاضها طرف عربي بمقاومة شعبية ضد العدو الصهيوني من دون أن تحسم لصالح العدو في أيام معدودة. فبعد خمسة أسابيع من القصف المدفعي والصاروخي المركز، وطلعات جوية فاق عددها طلعات العدو في حربي 1967 و1973، واستخدام أكثر التقنيات العسكرية تطورا، فشلت قوات العدو في تحقيق أهدافها العسكرية وأهمها: تدمير الهيكل التنظيمي لقوات المقاومة ومقار قيادتها، واختراق ارضي استراتيجي والسيطرة على مواقع داخل العمق اللبناني باستثناء سيطرة جزئية ومؤقتة على بعض مناطق الشريط الحدودي، على رغم أن القوات المحتلة لم تنجُ من الضربات الخلفية لرجال المقاومة.

من الملاحظ أيضاً أنه بعد أكثر من شهر من هجمات عسكرية عدوانية شرسة، ومقاومة وطنية مسلحة باسلة، بات جلياً أن القيادة العسكرية «الإسرائيلية» واجهت حال مقاومة شعبية لم تألفها في حروبها السابقة، بعد أن فشلت في تسجيل أي انجاز عسكري يعتد به على قوات مقاومة ذات قدرات تسليحية متوسطة لا يمكن مقارنتها بالقدرات التسليحية المتفوقة كماً ونوعاً للعدو الصهيوني.

غير أن ما يؤسف له هذا الصمت العربي الذي برز بنوعين: الأول صمت الأنظمة، وأما الأنظمة التي تنطق فهي تنطق لخدمة أميركا والصهاينة، والثاني صمت الشعب العربي، وهذا تحقق بجهد ومثابرة الأنظمة العربية المتسلطة على رقاب العرب، وبعض هذه الأنظمة، وصل إلى دفة السلطة بشعارات أغوت وأوهمت جماهيرنا بأن أصحابها قادة ثوريون جاءوا لخدمة قضاياهم الوطنية ولتحرير فلسطين.

أما التجمعات ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات العربية فلاتزال غالبيتها تدور في فلك النظام الرسمي العربي، فلا يخرج منها سوى مواقف «أضعف الإيمان» ولا تتجاوز ردة فعلها دائرة الاجتماعات والندوات والتصريحات الرنانة والبيانات وهي بلا طائل، وبلا فعل يحقق شيئاً على الأرض.

إن افتعال الأزمة في لبنان، وشن العدوان الإسرائيلي الهمجي عليه، خطط في واشنطن ونفذ من قبل قوات الاحتلال الصهيونية، التي وظفت كأداة لصناع القرار في واشنطن، إذ إن اللعبة الأميركية انكشفت للعيان، فواشنطن بيتت النية لشن هذه الحرب بالاتفاق المسبق مع الصهاينة بهدف تخفيف الضغط الممارس عليها في العراق، وصرف الأنظار عن الإخفاقات الأميركية في بلاد الرافدين، وخصوصاً أن الرأي العام الأميركي بدأ يسأل عن جدوى احتلال العراق وبقاء القوات الأميركية فيه وتعرض أفرادها إلى القتل هناك، إذ إنه يمكننا من هذا المنطلق أن نتفهم هذا الرد العدواني الذي يتمثل في تدمير لبنان وتشريد مئات الآلاف من شعبه، إذا أخذنا في الاعتبار تقاطع المصالح الأميركية - الإسرائيلية، أي قيام جيش الاحتلال بعدوانه السافر على لبنان لمساعدة الأميركيين في العراق وإنهاء وضع الساحة اللبنانية كساحة ممانعة. والضوء الأخضر الذي حصلت عليه تل أبيب من واشنطن لم يأت من فراغ ولا يدور في فراغ، فإدارة بوش تريد أن تخفف من سهام النقد اللاذعة ضد سياساتها في العراق. و«إسرائيل» ترغب في الثأر من حزب الله الذي كنسها من معظم الجنوب اللبناني المحتل في مايو/ أيار من العام 2000، ومعاقبة الدولة اللبنانية، لأنها الدولة العربية الوحيدة التي اضطر فيها الجيش الإسرائيلي للانسحاب، من دون أن توقع حكومتها على صكوك استسلام ومعاهدات صلح مذلة مهينة. وعلى ذلك، نستشف أن العدوان الصهيوني على لبنـان ليس، كما تحاول الدعاية الصهيونية الإيحاء بأنه حرص على سلامة جنودها ومواطنيها للدرجة التي تبدو معها مستعدة للدخول في حرب كبيرة في سبيل إنقاذ الجنديين الأسيرين، بل إن الهدف هو تحريك الموقف الدولي باتجاه تفعيل القرار الدولي 1559 ونزع سلاح حزب الله واستلام الحدود اللبنانية مع القوات الصهيونية من قبل الجيش اللبناني، ويضاف إلى ذلك محاولة تلميع صورة بوش عند الناخب الأميركي واللوبي الصهيوني في أميركا من خلال وقوف الولايات المتحدة الأميركية مع الكيان الغاصب ضد العرب وخصوصاً أنها مقدمة على الانتخابات في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وخلق مناخ يصبح من الممكن فيه جذب انتباه الرأي العام العالمي إلى حوادث لبنان من اجل تمرير ما يمكن تمريره على الساحة العراقية خصوصاً وصرف الأنظار عن الصعوبات الجدية التي تواجهها القوات الأميركية هناك أمام ضراوة الضربات التي تواجهها. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن احد أهداف هذا العدوان التحريض على إيران، عبر التركيز على دورها في لبنان، بغية خلق مبررات بالإضافة إلى توجيه ضربة إليها. وقد بانت هذه المعالم من خلال تصريح الصهاينة بأن الصواريخ التي قصفت البارجة التي أغرقتها المقاومة كانت إيرانية الصنع وأن هناك نحو 100 جندي إيراني يشرفون على إطلاق هذه الصواريخ. ولا يستبعد أن يكون كل ذلك مقدمة لدور إسرائيلي محتمل في قصف المفاعلات النووية الإيرانية وتدميرها بغطاء أميركي في وقت لاحق. وبالنسبة إلى مستقبل المنطقة فإن المؤكد أن المقاومات الثلاث، في العراق ولبنان وفلسطين هي التي ستلعب الدور الأكبر في تحديد هوية المنطقة في المرحلة المقبلة، فالأولى أفشلت مشروع الاحتلال الأميركي، والثانية أكدت نهاية زمن الحروب الإسرائيلية السهلة، والثالثة فضحت زيف التسويات المنقوصة والمفروضة وفق الشروط الإسرائيلية، لأن صمود الشعب اللبناني، غيّر قواعد اللعبة في المنطقة، وكرس وقف إطلاق النار بحسب قرار مجلس الأمن الأخير 1701 واقعاً بدت فيه «إسرائيل» ابعد ما تكون عن تحقيق أهدافها المعلنة من وراء الحرب، فلا الجنديان الأسيران عادا إلى بلدهما، والاهم من هذا فإنه على رغم الدمار الكبير الذي ألحقته آله الحرب والمعتدين بلبنان، وحجم التضحيات الكبيرة التي قدمها اللبنانيون، فإن البنية العسكرية والتنظيمية لحزب الله ظلت متماسكة، وكانت صواريخ المقاومة تنهمر حتى اللحظات الأخيرة السابقة لوقف إطلاق النار على المدن والبلدات الإسرائيلية.

إن وضعاً جديداً نشأ في المنطقة خلاصته أنه لا يمكن تجاهل إرادة المقاومة لدى الشعوب العربية، وخصوصاً لدى الشعبين اللبناني والفلسطيني، وأن هذه الإرادة كفيلة بمنع الاندفاعة الأميركية الصهيونية في اتجاه إعادة تشكيل الوضع في المنطقة العربية بما يخدم مصالح أميركا و«إسرائيل».

إن تجربة الحرب الأخيرة أظهرت أن هناك طاقات كفاحية جبارة لدى شعوبنا يمكن لها أن تشكل سداً في وجه المشروعات الرامية إلى إخضاع المنطقة وشعوبها للعبودية الأميركية الصهيونية

العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً