العدد 1463 - الخميس 07 سبتمبر 2006م الموافق 13 شعبان 1427هـ

إثارات حول نقاباتنا العمالية في عصر العولمة... حوادث داينكورب نموذجاً

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

داينكورب شركة أميركية عالمية، «وهي من الشركات ذات الحظوة لدى البنتاغون، فلديها عقد يعادل عشرات الملايين من الدولارات لتدريب قوة بوليسية عراقية»، كما جاء في تقرير (الغارديان) البريطانية بتاريخ 10 ديسمبر/ كانون الأول 2003. وقد قامت هذه الشركة - فرع البحرين - حديثاً بفصل 41 من موظفيها البحرينيين أي 25 في المئة دفعة واحدة من مجموع الموظفين، وذلك بعد «أن أضربوا لمدة يوم واحد احتجاجاً على عدم منحهم (علاوة الأكل) وقدرها 51 ديناراً شهرياً»، التي يحصل عليها العمال الأجانب في الشركة نفسها.

وبعد قبولها إعادة المفصولين بشروط وعقود جديدة، رفضت إرجاع ثلاثة، من بينهم رئيس النقابة.هذا الإجراء له دلائل ومؤشرات خطيرة على دور ومصير النقابات المستقبلي في بلد كبلدنا، خصوصاً مع تكاثر فصل بعض النقابيين في بعض المؤسسات، والعجز عن إرجاعهم لحد الآن.

والواقع أن العمالة الوطنية ولأسباب سياسية تم ضربها منذ زمن طويل، عن طريق سياسة إغراق السوق المحلية بعمالة آسيوية رخيصة، سواء ماهرة أو ليست ماهرة، شاملة كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية، حتى بلغت القوى العاملة الأجنبية أكثر من 60 في المئة من مجموع القوى العاملة.

وبذلك اختلت موازين المنافسة بين رب العمل وبين العمالة المحلية، وأصبحت أكثر أوراق اللعبة بيد رب العمل، وتم تكريس ذلك بتعديلات على قانون العمل الأهلي منذ التسعينات، فمثلا - جاء في المادة 80 من قانون العمل في القطاع الأهلي ما يلي... ولصـاحب العمل تشغيل العامل في يوم راحته الأسبوعية إذا اقتضت ظروف العمل ذلك بأجر إضافي يعادل 150 في المئة من أجره العادي أو يمنحه أياما أخرى لراحته... «بينما كان في السابق، قبل التعديل الذي تم في التسعينات، الخيار للعامل بين الأجرة الإضافية أو أيام راحة بديلة». إن إغراق السوق بعمالة رخيصة في مختلف التخصصات والأنشطة، فيه إخلال كبير بنظام اقتصاد السوق الحرّ الذي يعتبر قوة العمل سلعة، كلما زاد عرضها قلّ أجرها، وفي المجالات التي يندر وجودها، يرتفع الطلب عليها، وبذلك يرتفع أجرها.

ثم أتت موجة عولمة اقتصاد السوق الحر لتكرّس الوضع الحالي غير المتوازن بين أرباب العمل وقوة العمل الوطنية، وهذا الوضع يلقي بظلال ثقيلة على مستقبل النقابات، وقد تصبح في منتهى الضعف، وأعجز من أن تحمي نفسها والعمال التابعين لها.

المشكلة الأساسية في عولمة اقتصاد السوق الحر تكمن في عدم إنصاف العالم الغربي في تطبيقه هذا النظام، ففي الوقت الذي تحمي الدول الغربية القوى العالمة الوطنية لديها حتى تخلق منافسة نزيهة على قيمة قوة العمل بين أرباب العمل والعمالة الوطنية، يتحكم فيها قانون العرض والطلب، في الوقت ذاته، تفرض عن طريق شركاتها العابرة للقارات عولمة القوى العاملة، فتفتح لها فروعا في الدول الأخرى من دون شروط تصب في صالح العمالة الوطنية في هذه البلدان، لا من حيث تحديد حد أدنى للأجر، ولا حد أدنى لنسبة العمالة الوطنية.

في بعض الدول، كالهند مثلا، إذ يتدنى أجر القوى العاملة، مع توفرها بشكل كبير، فإن الشركات العابرة للقارات من مصلحتها الاستعانة بالهنود من دون الأجانب، وفي الوقت نفسه ستنتقل الخبرات الأجنبية المتقدمة إلى أبناء البلد، وفوق كل ذلك، فإن الرواتب ستكون جيدة ومقبولة، وهذا الوضع يعزز من دور النقابات العمالية هناك.

أما في بلد كالبحرين، إذ ترتفع كلفة المعيشة أضعاف الهند، فإن رب العمل سواء كان من المواطنين أو عبارة عن شركة عابرة للقارات، سيستعين بالعمالة الرخيصة من الهند وغيرها من الدول الآسيوية مادام لا يوجد ما يدفعه بشكل تلقائي لتفضيل المواطن على الأجنبي ولو بنسبة معينة.

والوضع السائد في النقابات حاليا لا تُحسد عليه، يضغط خياراتها ويقلصها لأدنى حد، فمن الخيارات المطروحة في بعض المؤسسات التي تتناصف فيها قوة العمل الوطنية مع الأجنبية، أن تقبل النقابة بالعمالة الأجنبية التي تحمل العضوية النقابية، وتعمل على حمايتها من الفصل التعسفي وغيرها من صنوف التهديد الوظيفي، وبذلك تكسب هؤلاء الأجانب إلى صفها في حال الإضراب والمواقف المنعطفية الأخرى.

في سنة 1973 كما يذكر لي بعضهم، قام عمّال شركة فيليب هولمزمان ََفٍ»ٌُو ِِىٌىوِ الألمانية التي كانت تقوم بانشاء محطة سترة للمياه والكهرباء، بإضراب من أجل رفع رواتبهم.

ويُقال إن هذه الشركة من أوائل من قاموا باستيراد العمالة الأجنبية بهذه الأعداد، إذ كان عدد الموظفين الأجانب لديها من العاملين في انشاء محطة سترة ما يقارب 450، اغلبهم من الجنسية الباكستانية، و350 من البحرينيين.

الشركة قابلت بالرفض مطالب العمّال البحرينيين برفع رواتبهم 500 فلس يوميا، إذ كانت الرواتب آنذاك في حدود 2,5 دينار للبحرينيين و 1,5 دينار للأجانب عن كل يوم عمل. وقد أدرك قادة العمال بأن الإضراب غير مجدي من دون إشراك العمال الأجانب، فأقنعوهم بالاشتراك في الإضراب من أجل أن يشملهم التعديل في الرواتب.

استمر الإضراب ما يقارب الخمسة عشر يوما، بعدها ضجت الشركة، واجتمعت مع بعض قيادة العمّال البحرينيين المؤثرين. وقد حاول مسئولو الشركة أن يوجدوا شرخا بين العمال الأجانب والمواطنين عن طريق قصر تحقيق المطالب على البحرينيين فقط، غير أنهم فشلوا، فتم رفع رواتب جميع العمال.

ولكن لأسباب كثيرة، فانه ليس من السهل تكرار مثل هذه الصورة في الوضع الحالي الذي جعل من عمل بعض النقابات ودورها في منتهى التعقيد، والثقة في دور النقابات أصبح على شفا جرف هارٍ، ففي ذلك الزمن لم تكن توجد مشكلة بطالة بين المواطنين، أما الآن فإنه ونتيجة لوجود البطالة كمشكلة وطنية، يصعب على النقابة ذات القيادة البحرينية تكرار ذلك المشهد إلا في نطاق محدود، ما يدفع العمّال الأجانب لعدم التجاوب مع النقابة، خاصة في حال الإضراب عن العمل، وهذا هو الواقع الذي تعيشه النقابات.

بل في ظل إغراق السوق بالعمالة الأجنبية مع تفاقم الأزمات المعيشية وارتفاع وتيرة البطالة وتدني الأجور، فان مؤسسات المجتمع بما فيها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مشغولة عن الحديث عن الظروف الإنسانية القاسية التي يعاني منها الكثير من فئات العمالة المستقدمة من امتهان لكرامة الإنسان قد تصل لحد يساوي عملياً الاسترقاق، خصوصا في ظل وجود عمالة سائبة تصل إلى نحو خمسين ألف معظمها تقع تحت قبضة متنفذين. وعموماً، يشعر المراقب بأزمة النقابات المستعصية جدا في ظل وجود عمالة أجنبية تنافس العمالة الوطنية بلا قيود، وفي نفس الوقت لا يمكن أن تتفاعل مع شيء اسمه مصلحة وطنية، وهي معذورة في ذلك، ما يقود لانفصال العمال الأجانب عن البحرينيين في المنشأة الواحدة، وهذا يؤدي إلى تقويض الدور المؤمل من عمل النقابات، ويضعها في مهب الريح خصوصاً مع إطلالة عصر العولمة وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على السوق

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1463 - الخميس 07 سبتمبر 2006م الموافق 13 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً