العدد 1469 - الأربعاء 13 سبتمبر 2006م الموافق 19 شعبان 1427هـ

سنوات التخبط والفشل!

صلاح الدين حافظ comments [at] alwasatnews.com

مضت خمس سنوات كاملة على الهجمات الدموية ضد نيويورك وواشنطن، في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، بدأت عملياً بسنوات الرعب، وها هي تدخل سنوات العنف الفائق.

خمس سنوات يمكن أن تسجل في التاريخ على أنها قلبت موازين كثيرة في العالم، وغيّرت معادلات وفرضت قواعد أخرى للتعامل الدولي، فرضتها الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن كسرت تلك الهجمات أنفها، وأصابت بعض كبريائها، فاندفعت في طريق الانتقام والثأر، وهو طريق لا نهاية له في كل الأحوال!

بتركيز شديد نستطيع القول إن الولايات المتحدة، استغلت هجمات سبتمبر، لإطلاق الحرب العالمية الثالثة، والتي أسمتها هي «الحرب العالمية ضد الإرهاب»، ولم يأتِ ذلك مصادفة أو اعتباطاً، بل جاء نتيجة قرار مسبق وتخطيط مدروس جرى على مدى سنوات سابقة، بما يشير إلى أن هجمات سبتمبر لم تكن إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، وبالتالي فإن واشنطن أشعلت الحرب وهي تدرك هدفها وتعد وسائلها وتتطلع إلى نتائجها، ولا بأس أن نضيف هنا أن الشكوك كثيرة ومتداولة، في أن هجمات سبتمبر تمت بإعداد أميركي خفي لاستغلاله في الغرض ذاته!

والواضح أن خمس سنوات من هذه الحرب، لم تحقق لواشنطن حتى الآن هدفها، ولم تترك العالم على حاله، ولم تدفع بالعلاقات الدولية إلى آفاق أفضل، ولم توفر الديمقراطية للشعوب المقهورة، ولا الغذاء للدول الفقيرة، إنما حدث العكس وسط حال شديدة من التخبط... تخبط أحدثته أميركا فأصابها بارتداد النيران، وتخبط إصابتنا بنيرانه العدوة والصديقة على السواء، فساء الحال!

بعد خمس سنوات نتذكر أن الرئيس بوش الابن المهووس بأفكار المحافظين الجدد، المعبأ بمشاعر دينية أقرب إلى التعصب والتطرف، التي استقاها من نشأته في «البيئة الدينية لحزام الإنجيل» في ولايات الجنوب الأميركي، قد أطلق شرارة الحرب بعد شهور قليلة من هجمات سبتمبر 2001، مستهدفاً ثلاثة أهداف رئيسية، وهي أولاً: قتل الإرهابيين في مكامنهم البعيدة والقضاء على شبكات ومنظمات الإرهاب «الإسلامي»، وثانياً محاصرة دول محور الشر ومنعها من امتلاك واستخدام أسلحة الدمار الشامل، وثالثاً تغيير العالم العربي والإسلامي بؤرة تفريخ الإرهاب والتطرف، من حال التخلف إلى حال التقدم، بنشر الديمقراطية وفرض قيمها على النظم الحاكمة الفاسدة والمستبدة.

هكذا دخلت أميركا الحرب «حرب الخير ضد الشر» كما أسموها، ضد «طالبان» في أفغانستان العام 2001، ثم غزت واحتلت العراق منذ مارس/ آذار 2003، ثم توسعت بممارسات خارج القانون وضد قيم الحرية الأميركية ذاتها، في حملات الاعتقال والتعذيب في السجون العلنية والسرية، لكل من تشتبه فيه، وفرضت على الأمم المتحدة السياسات التي تريدها والقرارات التي تساعدها... ولكن!

بعد خمس سنوات من الحرب، أظن أن الساسة الأميركيين أصبحوا الآن أكثر اقتناعاً ومجاهرة، بالحرب قد فشلت، وأنها لم تعد حرب الشعب الأميركي، كما كان الحال في البدايات، بل أصبحت حرب بوش وعصابة المحافظين الجدد، بقيادة نائب الرئيس تشيني، ووزير الدفاع رامسفيلد... فلا استطاعت «القوة العسكرية المفرطة» أن تقضي على الإرهاب، ولا هي فرضت الاستقرار والهدوء في العراق أو أفغانستان، ولا هي وفرت الحماية حتى للطائرات والمرافق المدنية، إنما حدث نقيض ذلك إلى حد كبير، إذ صار العالم أكثر تخبطاً، أكثر فوضى وعنفاً!

اليوم عادت «طالبان» إلى واجهة القتال في أفغانستان، بعد فورة القتال الأولى، وعاد بن لادن والظواهري يهددان ويخططان، وسقط العراق في مستنقع الدم والدمار مندفعاً نحو الحرب الأهلية الشاملة والتقسيم، ودخلت إيران على الخط تستنزف الجهد الأميركي سياسياً وعسكرياً، وإن كان قد سقط نظام صدام حسين، العدو اللدود لإيران وأميركا معاً، فإن هدية النفط العراقي بمخزونه الهائل، لاتزال بعيدة عن الأيدي الإيرانية والأميركية المتصارعة.

اليوم لم يعد العالم أكثر أمناً، كما ادعى الرئيس بوش، بل أصبح أكثر خوفاً وقلقاً من جراء التهديدات الإرهابية المتتالية، ابتداءً من تفجيرات مدريد ولندن، مروراً بما أذيع حديثاً عن ضبط خطة تفجير عشرات الطائرات المتجهة من بريطانيا إلى أميركا، وغيرها كثير مما لم يعلن عنه!

اليوم، لم تكسر «الحرب الصليبية، أو الحرب ضد الإسلاميين الفاشيين»، أو الإسلاموفاشيزم، على حد قول الرئيس بوش نفسه، المد الإسلامي بشقيه الجهادي القتالي، والسياسي المعتدل، بل زادت موجات التطرف وصعود التيارات الإسلامية، من أفغانستان وباكستان شرقاً إلى المغرب والجزائر غرباً، مروراً بما يجري في فلسطين ولبنان ومصر والسودان والصومال وشبه الجزيرة العربية، امتداداً إلى إيران ودول القوقاز والشيشان!

اليوم، فتحت أميركا بمساندتها «إسرائيل» ميداناً جديداً للحرب المفتوحة في لبنان وفلسطين، تحت تصور قاصر، يقول إن القضاء على حزب الله اللبناني و«حماس» الفلسطينية، يحل المشكلات في الشرق الأوسط، بينما الحقيقة أن قمع العدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً، هو أول طريق لحل المشكلات هذه.

اليوم، اتسعت دوائر العداء والكراهية للسياسة الأميركية، بين الدول العربية والإسلامية، عما كانت عليه قبل خمس سنوات بسبب الممارسات الأميركية المتغطرسة والحروب التي تخوضها بمفردها أو مع «إسرائيل»، ضد مصالح شعوب المنطقة وعكس إرادتها، وهي كراهية امتدت إلى شعوب آسيوية وإفريقية كثيرة، بل وصلت إلى أميركا اللاتينية الفناء الخلفي للولايات المتحدة، إذ استطاع خصومها القدامى والجدد الوصول إلى السلطة في ثماني دول على الأقل، هي: فنزويلا وتشيلي والأرجنتين والبرازيل وبنما وأورغواي وبوليفيا والدومنيكان، إضافة إلى كوبا طبعاً، ولم يكن ذلك ليحدث لولا مناخ العداء الذي خلّفته الحرب الأميركية عبر العالم، بما تحمله من نزعات إمبريالية تقليدية أو فوق التقليدية!

اليوم، بعدما اعترف الرئيس الأميركي بوش، بأن أسباب حربه ضد العراق لم تكن سليمة، وخصوصاً أكذوبة أسلحة الدمار الشامل، فإن بحيرة أسلحة الدمار الشامل، وخصوصاً الأسلحة النووية قد تمددت بشكل خطير، لتحكم حصارها من حولنا، ابتداءً من الهند وباكستان، وصولاً إلى «إسرائيل»، وها هي إيران تدخل الحلبة متحدية، بعدما نجحت كوريا الشمالية من قبل في التحدي الأكبر!

وفي حين تصاعدت الأزمة الاقتصادية وضغوطها الاجتماعية على الأميركيين في الداخل، نتيجة ارتفاع الإنفاق العسكري، بسبب الحروب المندلعة، إلى 500 مليار دولار العام 2005، ووصول العجز السنوي إلى 700 مليار دولار أخرى، فإن انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، باسم مكافحة الإرهاب ومطاردة وإجهاض محاولاته، قد أرهقت الأميركيين، وأفقدتهم الثقة في إدارة الرئيس بوش وسياساته ومغامراته العسكرية، من دون أن يحقق هدفاً واحداً من الأهداف الثلاثة، التي وعد الأميركيين قبل سنوات بتحقيقها، وهي القضاء على الإرهاب، ومحاصرة انتشار أسلحة الدمار الشامل، وفرض الديمقراطية على العرب والمسلمين.

بعد خمس سنوات من كل هذا التحدي جرى باسم الحرب الإجهاضية أو الاستباقية، وحرب الأخيار ضد الأشرار، والحرب المقدسة ضد الإرهاب «الإسلامي»، يلخص المفكر الأميركي المشهور واليهودي نعوم تشومسكي، الموقف بقوله نصاً: «إن أميركا أصبحت الدولة الإرهابية الأولى في العالم، وإن إدارة بوش هي الإدارة الأخطر في التاريخ الأميركي كله»... فماذا بعد؟!

مازلنا نذكر، في مطلع مايو/ أيار العام 2003، منظر الرئيس بوش، يهبط من مروحية، على ظهر حاملة الطائرات (لينكولن) قبالة السواحل الأميركية، منتفشاً كأمراء الحرب الرومان، معلناً بكل تجرؤ: لقد انتهينا من الحرب والعمليات العسكرية الكبيرة في العراق... انتصرنا! وقبل ذلك وبعده أدلى هو وكبار معاونيه ووزرائه بمئات التصريحات، عن الانتصار في أفغانستان، والقضاء على «طالبان»، وقتل الإرهابيين، وحصار دول محور الشر، من سورية إلى إيران، ومن كوبا إلى كوريا الشمالية، وإجبار النظم الحاكمة على إجراء إصلاحات ديمقراطية جذرية، وفرض الاستقرار على الشرق الأوسط... إلخ.

فأين هذا كله من الواقع الذي نعيشه ويعيشه العالم، وأين كل هذه الانتصارات المزعومة، من الاعترافات المتتالية، وإن على استحياء، بأن الحروب الأميركية المندلعة قد فشلت وأن أسبابها كانت كاذبة ومضللة، وأن العالم لم يصبح أكثر أمناً من التهديد الإرهابي!

إن وصف السنوات الخمس الماضية بأنها سنوات التخبط، هو أبسط الأوصاف، لأن الفشل كان لصيقاً بكل تلك الأهداف، ولم يعد ممكناً أمام الرئيس بوش إلا محاسبة النفس، عبر ما تبقى له في البيت الأبيض من وقت يجري نحو نهاية في العام 2008، بعد أن تورط وورطه أصدقاؤه من المحافظين الجدد المتعصبين، وصفق له نفاقاً المتأمركون العرب... فأقنعوه بأنه الإمبراطور الروماني الجديد الذي قهر الأعداء وسرّ الحلفاء، فمضى نحو الغرور غوصاً إلى الأعماق السحيقة!

خير الكلام... يقول المتنبي:

وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً

وآفَتَهُ من الفهمِ السقيم

إقرأ أيضا لـ "صلاح الدين حافظ"

العدد 1469 - الأربعاء 13 سبتمبر 2006م الموافق 19 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً