العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ

هل تكون الحكومة الفلسطينية في المنفى الحل لإخراج القضية من قبضة الاحتلال؟

خليل تقي comments [at] alwasatnews.com

بمتابعة المنحى الذي تتخذه الدعاية الصهيونية منذ تولي الجنرال السفاح «ارييل شارون» رئاسة الحكومة الإسرائيلية، نلاحظ ان جميع أدوات الصهيونية الدبلوماسية والإعلامية تتمسك بشعار أساسي واحد، هو بمثابة موجز ومختصر يعبر عن السياسة المتبعة، وهذا الشعار يتمثل في العبارة الآتية: «لا مفاوضات تحت ضغط العنف والإرهاب!»، ومثل هذا المنطق يحرر المسئولين الصهاينة من اتخاذ موقف سلبي من «خطة تينت» أو «تقرير ميتشل»، أو أي مسعى سياسي دولي، فهم في حِلٍّ من أي تفاوض ما لم يتوقف (العنف)، وهم يقصدون بالعنف أشكال المقاومة الفلسطينية كافة وفعاليات الانتفاضة كلها لاحتلالهم، وفي الواقع هم لا يريدون التفاوض على أي حل.

وقد غامرت السلطة الوطنية الفلسطينية وجربت، ومارست هدنة معلنة امتدت إلى حوالي أربعة أسابيع، بينما كان الجنرال الجزار «ارييل شارون» يتحدث عن أسبوع واحد من الهدوء، إلا ان ما حدث واقعيا هو ان «إسرائيل» واصلت عملياتها العدوانية عسكريا واستخباراتيا، من دون توقف، وقد دل ذلك بشكل واضح على ان حكومة «شارون» الليكودية المتطرفة لا تريد وقف العنف أو استئناف المفاوضات السياسية، وان الشعار المعلن لسياستها هو شعار كاذب ومخادع.

وكان طبيعيا بعد تواصل العمليات العدوانية الصهيونية في اغتيال وتصفية الناشطين، أو اعتقالهم وتدمير منازلهم، إضافة إلى استمرار حال الحصار، ان يستأنف الفلسطينيون مقاومتهم للاحتلال، فهذه المقاومة هي التي تجعل الموت ليس مجانيا، وهي التي تعطي معنى للصمود، وإلا وجب على الفلسطينيين ان يذبحوا ذبح الشاة على يد الصهاينة الذين تجاوزوا في خبثهم وحقدهم كل الحدود.

لقد قرأت حكومة الجنرال الارهابي «ارييل شارون»، أو هكذا رغبت ان تقرأ (الهدنة) التي أعلنتها السلطة الوطنية الفلسطيني، وتجاوبت معها الفصائل الفاعلة، على انها دليل مادي وملموس على مسئولية السلطة عن عمليات المقاومة كلها، فإذا أرادت أوقفتها، وان لم تتوقف فمعنى ذلك انها هي التي أطلقتها.

وواضح من المناورات الإسرائيلية في الأساس انها كانت تراهن على خلق حال اقتتال داخلي فلسطيني - فلسطيني، وان ضغطها على السلطة إنما يستهدف هذه الحصيلة حصرا، ولذلك فإنها لم توقف ابتزازها للسلطة على نحو يرمي إلى تفجير الاقتتال الداخلي بين الفسطينيين.

وفي غضون ذلك طوّر «ارييل شارون» حربه على السلطة، مستهدفا مقراتها وما تملك ومحاصرا رئيسها في «رام الله»، بل وجعل دباباته ترابط على بعد أمتار من مكتبه، بينما تواصل الطائرات والدبابات والجرافات الإسرائيلية تقويض البنى التحتية للسلطة، ويتم ذلك كله وسط حديث إسرائيلي متزايد عن سقوط اتفاق أوسلو وعن معاودة الاحتلال الكامل للضفة الغربية وقطاع غزة.

والواقع ان هذه التطورات الأخيرة جاءت جميعها بعد نشر تقرير صحافي موجز، ربما لم ينتبه إليه الكثيرون، يقول إن القيادة الفلسطينية تفكر في تشكيل حكومة فلسطينية في المنفى، تكون معنية بإدارة الصراع سياسيا وعسكريا ضد الاحتلال، وانه تجرى دراسة هذه الفكرة عبر اتصالات فلسطينية - عربية فاعلة.

ويبدو أن القادة الصهاينة أخذوا هذا التقرير على محمل الجد، وقدروا ان وصول الفلسطينيين إلى هذه الصيغة يعني تغييرا جديا في قواعد اللعبة، فقرروا محاصرة ياسر عرفات محاصرة الفكرة نفسها.

ولعل أهم ما يفترض تشكيل حكومة فلسطينية في المنفى في المرحلة الراهنة الأمور الآتية:

أولا: أن تكون هذه الحكومة حكومة ائتلاف وطني كامل بأن تشارك فيها جميع الفصائل.

ثانيا: أن تكون هذه الحكومة ممثلة لجميع الفلسطينيين، في الوطن وفي الشتات، وليس فقط لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما يعني عودة الدبلوماسية إلى معالجة القضية الفلسطينية معالجة كلية، والتحلل من قيود اتفاقات أوسلو وتداعياتها السلبية.

ثالثا: تهيئ هذه الصيغة للفلسطينيين إطلاق المقاومة في الداخل كمقاومة مستمرة طالما ان المفاوضات السياسية لم تصل إلى حل مقبول.

رابعا: تمكن هذه الصيغة الطرف الفلسطيني من العودة إلى مبدأ وحدة المسارات مع سورية ولبنان في التفاوض، بعد ان خرج على هذه الصيغة في أوسلو، وورث بالنتيجة المساوئ كلها المترتبة على القبول بحل جزئي منفرد.

خامسا: تمكن هذه الصيغة الطرف الفلسطيني من بلورة شعار يواجه الشعار الإسرائيلي القائل (عدم التفاوض في ظل العنف) بإعلان (عدم التفاوض تحت هيمنة الاحتلال)، وبالتالي فإن الحكومة الفلسطينية في المنفى هي المعنية فقط بإدارة التفاوض، ولابد لهذه العملية من ان تعود إلى صيغة مدريد والمبادئ الأساسية المتفق عليها بصدد هذه الصيغة، وأولها مبدأ الأرض مقابل السلام.

ولاشك انه لو أعيد ترتيب الوضع الفلسطيني على أساس هذه الصيغة، فإن المعطيات بالنسبة إلى مهمة النضال الفلسطيني ستكون أفضل مما عليه الآن.

ولكن هل كان الرئيس ياسر عرفات شخصيا يفكر في هذه الصيغة؟ أم انها فكرة تشكلت لدى أوساط قيادية أخرى على الساحة الفلسطينية، ولم تبلغ بعد مرحلة النضج؟

من المرجح ان الزعيم الفلسطيني «ياسر عرفات» ثابت على اعتقاده بأن انتقاله إلى الداخل على أساس اتفاق «أوسلو» هو خطوة مرحلية على طريق الحل، وبالتالي فهو متمسك بإفرازات هذا الوضع التي أخذت عمليا بالتقلص لتنحصر في (خطة تينيت) و(وثيقة ميتشل) التي تكفل حدا أدنى استمرار سلطته المنقوصة على ما يسمى بمناطق السلطة.

لكن هذه السلطة المنقوصة باتت الآن موضع تدمير منهجي من قبل حكومة الارهابي الجزار «شارون»، وبات الرئيس ياسر عرفات بمثابة المعتقل في مقره في «رام الله»، وهو ما اتضح من عدم تمكينه من الوصول إلى «بيت لحم» عشية عيد الميلاد للمرة الثالثة، وعدم تمكينه من السفر إلى خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وطبيعي في مثل هذه الحال ان يطرح السؤال: هل من المنطقي ان يسهم الرئيس عرفات في مفاوضات أمنية أو سياسية بينما هو معتقل في مقره؟

إن واقعة اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (أحمد سعدات) واستمرار اعتقاله حتى الآن، بذريعة الضغط عليه لكشف أماكن اختفاء أربعة من مناضلي الجبهة كانت «إسرائيل» تطالب باعتقالهم بحجة المساهمة في عملية تنفيذ حكم الإعدام بحق وزير السياحة الإسرائيلي (رحبعام زئيفي)، تبين بشكل لا يقبل الجدل ان القيادة الفلسطينية المحاصرة من قبل قوات الاحتلال، لم تعد تملك مطلق الحرية في قراراتها، فهي تسلم بملاحقة من (قتلوا) الوزير الإسرائيلي العنصري تحت ضغط أميركي - إسرائيلي، لكنها في المقابل لا تستطيع مطالبة «إسرائيل» باعتقال ومحاكمة قتلة الشهيد «أبوعلي مصطفى»، والتي جاءت واقعة إعدام (رحبعام زئيفي) ردا على واقعة اغتياله، وكأنه من حق الإسرائيليين ان يفعلوا ما يشاؤون، وعلى السلطة الفلسطينية ان تمنع الفلسطينيين من ممارسة أي رد.

وهذا وضع غير مقبول، ومن الضروري ان يحفز الفلسطينيين والعرب للتفكير في كيفية تحرير إرادة القيادة الفلسطينية من الخضوع للابتزاز الإسرائيلي، الذي يلقى بشكل دائم تأييدا أميركيا أعمى، حتى لقد بات المسئولون الأميركيون يؤيدون جرائم صهيونية يبادر للاعتراض عليها مفكرون إسرائيليون، أو حتى وزراء في حكومة «شارون»، ما يعني ان هامش الحرية لدى المسئولين الأميركيين في انتقاد الممارسات الإسرائيلية هو أقل بكثير من هذا الهامش في «إسرائيل» نفسها، وهو أمر يدعو - بلا ريب - إلى الأسف، لأنه بالنتيجة يعطي صورة سيئة عن الحرية في دولة تدعي انها تجعل الحرية في قمة أولوياتها، وتدعو الآخرين إلى الاقتداء بتجربتها، فلماذا (يبرك) حصان الحرية الأميركي كلما تعلق الأمر بـ «إسرائيل»؟، وكأن تأييد الممارسات الإسرائيلية مهما كانت عدوانية هو أمر مبرر ولا مفر منها..

العدد 147 - الخميس 30 يناير 2003م الموافق 27 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً