العدد 1476 - الأربعاء 20 سبتمبر 2006م الموافق 26 شعبان 1427هـ

ليبيا تدخل مرحلة توزيع «النعمة»

سمير صبح comments [at] alwasatnews.com

.

مع عملية تحرير الاقتصاد الجارية في جميع الاتجاهات، أصبح من الصعب بمكان إخفاء التناحر بين مختلف أجنحة «النظام الجماهيري». فكل فئة تحاول رسم حدود «مقاطعتها»، ما دفع بالعقيد معمر القذافي إلى التدخل بهدف تحديد قواعد جديدة للعبة من جهة، ومن جهة أخرى إفهام الجميع بأنه لايزال الأول والأخير صاحب القرارات.

عندما وصل قائد الثورة الليبية إلى مدينة البيضاء، الواقعة في قلب منطقة الجبل الأخضر المتمردة على الدوام - معقل الملك السابق إدريس السنوسي الذي أبعده عن الحكم منذ عاماً - كان محاطاً بابن عمه نائب مؤتمر الشعب العام (البرلمان) والرجل الأقوى في اللجان الثورية أحمد إبراهيم، كذلك بابنه العقيد المعتصم بالله. أما ابنه، الذي يرشحه البعض لخلافته سيف الإسلام، فكان غائباً هذه المرة. ويشار في هذا السياق إلى أن الأخير قد عمد قبل نحو عشرة أيام إلى توجيه سلسلة من الانتقادات الحادة إلى النظام خلال اجتماع شبابي في مدينة سرت، معقل قبيلته «القذاذفة» ضم نحو ألف نسمة. في هذا اللقاء، دعا سيف الإسلام إلى الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة. مع ذلك، يرى المراقبون الأكثر اضطلاعاً على الوضع الليبي وتوازناته، أن غياب سيف عن المشاركة في احتفالات ثورة الفاتح من سبتمبر/ أيلول لا يعني فقدانه الحظوة. كما أن ذلك الغياب لم يكن قط بسبب المشروع الذي أطلقه ويحمل عنوان: «معاً من أجل ليبيا الغد»، الذي دعا فيه أيضاً إلى فتح جميع القطاعات في الاقتصاد الليبي أمام الاستثمار الأجنبي. من ناحية أخرى، يرى المحللون السياسيون أن الأب والابن يتبادلان الأدوار، وخصوصاً أن الثاني أوضح بشكل جازم أن تحرير الاقتصاد لن يمس على الإطلاق أهم الحقول النفطية ولا صناعة البتروكيماويات التي تثبت يوماً بعد يوم بأنها واعدة، وخصوصاً بعد أن عمدت الدولة إلى استثمار نحو ثلاثة مليارات دولار لتحديثها.

ففي خطابه الأخير بالمناسبة، حسم «أبوالثورة»، كما بات يطلق عليه اليوم أعضاء اللجان الثورية في مسألة «نزاعات المصالح» الدائرة حالياً بين تيار الإصلاحيين بقيادة نجله سيف الإسلام الذي التحق به حديثاً الابن الثاني الساعدي وبين «الحرس القديم»، المؤلف من رفاق الدرب الذين قاموا معه بالثورة، والجيش، إضافة إلى اللجان الثورية. ويظهر هؤلاء معارضة شديدة للتحول السياسي - الاقتصادي الذي يمكن أن يُفقدهم امتيازاتهم.

وترى بعض الأوساط المقربة من «القيادة الليبية» أن القذافي نجح في تحقيق «المصالحة الداخلية»، ضامناً من خلالها مصالح كل طرف مستقبلاً. كما تمكن، والحال هذه، من وضع حد للمناكفات التي تشتد مع الزيادات الاستثنائية في العائدات من النفط. فمن أجل العودة إلى التذكير بمقولة «السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب»، الشعار الأبرز في «الكتاب الأخضر» الشهير، دعا القذافي الحكومة إلى تخصيص ستة مليارات دولار لإيداعها في صندوق للمحتاجين من الليبيين. كما طالب في الوقت نفسه بإعطاء الشركات النفطية الفرعية التابعة للدولة إلى الفقراء. فبغض النظر عن هذه اللفتات الاجتماعية بامتياز المترافقة مع الموقف القائل بإغلاق القطاع النفطي أمام الاستثمار الأجنبي، عمد القذافي إلى الإشارة إلى أن عملية الانفتاح الاقتصادي الجارية على قدم وساق لا رجعة فيها، وأن الإصلاحات في هذا الاتجاه يجب أن تكمل طريقها. هنا تتقاطع هذه التوجهات مع تلك التي أعلنها ابنه سيف في اللقاء مع الشباب الليبي.

كثير من الثروات... والرهانات

ان التدفق الذي لم تشهده ليبيا قط للشركات الأجنبية والتدافع الهائل من قبل الوسطاء حوّلا جزءاً كبيراً من ممثلي النظام الجماهيري إلى رجال أعمال، ما أنعش نزاعات المصالح وتضاربها بين مختلف أجنحة السلطة التي تركز اهتماماتها على العائدات النفطية التي يمكن أن تصل إلى حدود الـ مليار دولار بنهاية ، وانعكاساتها على «البيزنيس». هذا، من دون حساب المداخيل الموازية من الاستثمارات الخارجية الناجحة وتلك التي توفرها الصناعة البتروكيماوية.

على ذلك، يعلق أحد مديري المصرف الليبي التجاري الخارجي، بالقول: «لم نشهد منذ عاماً سيولة بهذا الشكل بين أيدي طبقة من الليبيين»، مضيفاً «ولا هذا العدد من رجال الأعمال الأجانب الذين يملأون الفنادق».

من جهة أخرى، يجب الأخذ في الاعتبار قيام الحكومة بإطلاق سلسلة من مشروعات البنية التحتية التي خصصت لها ما يقارب الـ مليار دولار على مدى السنوات الست المقبلة، ما فتح شهية الشبكات المرتبطة بمختلف مكونات النظام الليبي. وتشير المعلومات إلى أنه منذ الإعلان، منذ نحو أسبوعين من قبل شركة النفط الوطنية، عن استدراج العرض الثالث من أجل المشاركة في التنقيب والإنتاج النفطي في أكبر الحقول، والهادف إلى جذب أكثر من مليارات دولار على شكل استثمارات خارجية مباشرة، والوسطاء الليبيون يتدافعون من أجل التموضع على خريطة التنافسات بين كبريات الشركات العالمية. بناءً عليه، لقد بات لكل منها، من الآن وصاعداً، حليف قوي داخل السلطة يعمل على تحسين موقعها وإبراز حسناتها وقدراتها التقنية، ما ضاعف من حجم نزاعات المصالح وأدى بالعقيد القذافي إلى التدخل شخصياً للجم الأوضاع المتسارعة في الاتجاه غير الصحيح. إضافة إلى ذلك، جعل التطور المذهل الحاصل على مستوى قطاع الغاز مع وضع حجر الأساس، بنهاية شهر أغسطس/ آب الماضي، لمشروع «الخط الغازي الساحلي» الموجود بالقرب من ميناء «مليتا»، حروب المصالح هذه أكثر تجدراً وحدة.

باختصار، يمكن القول إن غالبية أطراف السلطة تحاول استباق عملية الانفتاح الاقتصادي، كذلك الإصلاحات التي يبدو أن الجميع قد وافق عليها اليوم، وخصوصاً بعد أن ضمن القائد توزيع «النعمة» بشكل «عادل» نسبياً. في هذا الإطار، يمكن فهم إعلان الساعدي القذافي، وعملاً بنصيحة شركائه الإيطاليين، عن إنشاء منطقة حرة بين مدينتي «زواره» و«أبوكماش»، الواقعتين على الساحل الليبي.

مشروع عائد له شخصياً أطلق عليه هو الآخر اسم «طريق المستقبل»، والذي سيفتح بكامله أمام الاستثمار الأجنبي. ويتضمن هذا المشروع جزيرة «فروة» الذي قامت المجموعة الإيطالية «نورمان» في شهر فبراير/ شباط الماضي بتوقيع اتفاق مع وزارة السياحة الليبية لإنشاء مجمع فيها، وتبلغ قيمة الاستثمار المخصصة له مليون دولار.

من ناحية، يتابع سيف الإسلام عن كثب عملية فتح القطاع المصرفي وإنشاء بورصة للأوراق المالية في طرابلس الغرب. ويظهر المصرفيون الأجانب اهتماماً ملحوظاً، سواء لناحية افتتاح مكاتب تمثيل لمؤسساتهم في المرحلة الأولى، أو لناحية دخول القطاع عبر عمليات التخصيص المرتقبة لثلاثة مصارف محلية قبل نهاية العام الجاري. ويؤكد هؤلاء المصرفيون أن أقنية سيف الإسلام هي الممرات الإجبارية لهذا الحضور، ما يفهم منه أن هذا القطاع يشكل جزءاً من الكوتا (الحصة) التي أعطيت له في سياق «توزيع النعمة»، وينطبق هذا الواقع أيضاً على بعض التراخيص التي ستُعطى للشركات النفطية الأجنبية.

ومن المؤكد أن الأشهر القليلة المقبلة ستقدم إيضاحات أكثر وتفاصيل أدق بشأن توزيع هذه النعمة، كما أنها ستعمد من دون شك إلى التخفيف من حدة التداخلات الجارية حتى اللحظة بين الأطراف الممثلة لأجنحة النظام. بناء عليه، فإن الاستثمارات الأجنبية وممثلي الشركات يعرفون سلفاً الآن من سيشجعون ومن سيختارون كشركاء محليين من أجل تسهيل مهماتهم في الجماهيرية الليبية

العدد 1476 - الأربعاء 20 سبتمبر 2006م الموافق 26 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً