العدد 1476 - الأربعاء 20 سبتمبر 2006م الموافق 26 شعبان 1427هـ

أُطروحات بشأن تداعيات العدوان الصهيوني على لبنان

عبدالهادي مرهون comments [at] alwasatnews.com

الآن ومع صمت آلة العدوان على لبنان فإن نتائج سياسية بدأت بالتوالي على المنطقة العربية لعل من أبرزها تسابق الولايات المتحدة الأميركية مع فرنسا على توسيع ساحة النفوذ في لبنان والمنطقة العربية. إن فرنسا تريد أن تستثمر السمعة السيئة للسياسة الأميركية في المنطقة من أجل أن تسوق نفسها من خلال سياسة براغماتية على حساب تآكل النفوذ الأميركي في لبنان والمنطقة. لقد كان هناك سباق بين الحل السياسي والهجوم العسكري الصهيوني وصدور قرار مجلس الأمن وذلك لتحسين الموقف التفاوضي للكيان المعتدي وكان من المؤمل أن يكون هناك قراران لمجلس الأمن الأول وقف العمليات الحربية والثاني تشكيل القوة الدولية بعد افتضاح أن الحرب على لبنان استنزفت البشر ودمرت الحجر ولم توفر شيئا من كرامة الإنسان وحضارته.

لقد كان جوهر الصراع في المنطقة خلال العقود الماضية هو السعي لإنهاء الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية. ومع ان الأنظمة إجمالاً أخفقت في الوصول إلى هذا الهدف، لكنها استخدمته لتبرير تغييب الحريات الديمقراطية، وليست الدعوات التي نشطت في السنوات الأخيرة بشأن الديمقراطية على ذلك القدر من الحقيقة خصوصاً مع انكشاف عدم جدية ما تدعيه الولايات المتحدة من سعيها لنشر الديمقراطية لأنها بذاتها لا تحترم القانون الدولي ولا تحترم إرادة الشعوب كما هو حال الكيان الصهيوني فهم لا يؤمنون بالديمقراطية والتعددية ما جعلهم يقدمون على شن حرب عدوانية على لبنان أكثر البلدان العربية تعددية وديمقراطية وتداولاً للسلطة. ويبدو أن لبنان والمنطقة العربية سيدخلان إلى حالة جديدة من المواجهة مع الصهاينة تعبر عن حال التوازن التي تحققت جراء صد العدوان الصهيوني وليس الشعور بالانسحاق أمام هذا الكيان كما جرى في جولات الصراع السابقة، وخصوصاً أن المقاومة لم تنجر إلى مناكفات مع جهات عربية ناقدة ولا حاقدة بل حافظت على تشخيص العدو ومواجهته.

إذا أرادت الأنظمة أن تغفر لها الشعوب العربية خطاياها وتنجز تصالحاً مع شعوبها يعزز من متانة وصلابة جبهاتها الداخلية لتتمكن من صد التدخلات الخارجية فعليها أن تقوم بواجباتها في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين وتشارك في التصدي للعدوان الصهيوني لأن أداءها يفتقد الصدقية بل يثير أسئلة كثيرة من قبل شعوبها هي مطالبة بالإجابة عليها، وخصوصاً مع تنامي وجود هذه الجيوش الجرارة وزيادة شراء الأسلحة والصرف عليها.

كما أن على الأنظمة العربية وخصوصاً تلك التي تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني اتخاذ مواقف متقدمة تنسجم وإرادة شعوبها من قبيل سحب سفرائها من الكيان الصهيوني مثلما فعل رئيس فنزويلا الرئيس شافيز الذي اثبت انه العربي الوحيد من الزعماء وعلى الأنظمة أن تترك الشعوب تعبر بحرية عن تضامنها مع المقاومة في لبنان وفلسطين، وليس أقل من ذلك ما يترتب على النخب العربية والمثقفين العرب من واجب نفض الغبار وعدم لعب دور المشاهد بل التصرف بمسئولية.

إن المقاومة في لبنان وفلسطين أنتجت ثقافة جديدة وأسقطت المقولات التي تمجد الكيان والجيش الصهيوني ووضعت أسس نهضة عربية شعبية مقاومة وتبين بجلاء أن بالمقاومة الشعبية يمكن التصدي للأسطورة الكاذبة لهذا الجيش وعلى الشعوب والأنظمة العربية أن تترك خلفها الانتقادات والدعوات الانقسامية خصوصاً مع وجود قائد يتقدم صفوف المقاومة. ويتحدث خطابا عروبيا صادقا كالسيد نصرالله. إن صمود لبنان بعث رسالة داخلية في الكيان الصهيوني تدعو إلى مراجعة الذات وتشكك في أصل وجود هذا الكيان مفادها أن الشرق الأوسط الجديد الذي تدعو إليه أميركا لن يتحقق أو تقبله شعوب المنطقة لأنه يتناقض مع مصالحها وان علينا تشجيع الاتجاهات الثورية الراديكالية لأنها تؤسس لدحر وجود الكيان المحتل. وصارت تطرح على بساط البحث آفاق هذا الكيان، إذا لم يجد صيغة للتعايش في المحيط العربي الواسع على قاعدة الإقرار بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ونزع الطابع العدواني والتوسعي لهذا الكيان.

لقد شكل استمرار الحصار الصهيوني على الموانئ والمطارات اللبنانية بدعم من الولايات المتحدة حتى بعد صدور قرار مجلس الأمن ووقف إطلاق النار عقاب جماعي للشعب اللبناني على وقوفه مع المقاومة. واتضح أن نزع سلاح المقاومة لم يكن هو الهدف الوحيد لحرب الثلاثة والثلاثين يوما بل إعادة تشكيل المنطقة ورسم خريطتها لأن محاولات نزع سلاح المقاومة جرت عبر محاولات سابقة مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام منذ صدور قرار مجلس الأمن . إن قدر المقاومة أن تتعايش في مجتمع طائفي مقسوم لأنه يفسر كل الظواهر على هذا النحو وعلى رغم أن المجتمعات المتعددة تتميز بالغنى الحضاري فإن الحال اللبنانية ليست متوافقة على صوغ هدف واحد وهنا يبرز السؤال الآتي: ما الوظيفة البديلة التي ستعطى للمقاومة في حال استمرت محاولات نزع سلاحها مع بقاء الاحتلال جاثما فوق أجزاء من الأراضي اللبنانية؟ خصوصاً لما أظهرته من بسالة في التصدي للعدوان، ومن قدرات عسكرية متطورة لأنها شخصت بدقة الحال السياسية الراهنة.

من الواضح أن المقاومة كسبت الجولة العسكرية لأنها شخصت العدو بوضوح لكن السؤال الذي يأتي بعد ذلك هو مدى مقدرة وإرادة الدبلوماسية والسياسة العربية واللبنانية على جني ثمار هذا الصمود!... والدلائل السابقة تشير أن العرب لا يكسبون الكثير من الحركة السياسية. مع سعي البعض لتصوير النصر على أنه هزيمة، وبالتالي الهروب من استثمار نتائج هذا النصر سياسيا.

لعل الذي جرى في الأمم المتحدة من حرب دبلوماسية هي مثل الحرب العسكرية لكن بأدوات مختلفة وخصوصاً لجهة اسهام وقبول الولايات المتحدة بتوفير غطاء سياسي للمعتدي الغاصب وتزويده حتى بالسلاح المحرم دوليا وربما بالرجال أيضا، وقد تميز موقف المقاومة خلال الحرب بالتوحد مع الحركة الدبلوماسية للدولة اللبنانية ومنحها ورقة إجماع من خلال الموافقة على النقاط السبع التي عرضها رئيس الوزراء اللبناني حتى يتشكل موقف سياسي أكثر صلابة أمام المجتمع الدولي.

وحتى الآن اعتمدت «إسرائيل» على القوة المفرطة، ونظرة الاستعلاء على الشعوب العربية من حولها الذين يعانون ضعفاً على ضعف وذلك ما كشفت عنه الخطط الصهيونية العدوانية حيث كان مخططا أن يتم العدوان في إحدى أمسيات شهر رمضان المقبل من خلال الهجوم على الضاحية الجنوبية في بيروت بغاز الأعصاب أثناء موعد الإفطار والقبض على قادة المقاومة هناك. لقد تعالى وارتفع صوت الجدال الساخن في «إسرائيل» والاتهامات الموجهة للحكومة والقادة الصهاينة التي تطالبهم بإعادة النظر في سياساتهم والتحذير من الغرق في المستنقع اللبناني واتهمتهم بالدخول في لبنان على أسس متسرعة أو خاطئة. غير أن الصمود اللبناني البطولي أحبط هذا المخطط، وجعل «إسرائيل» في وضع حرج ومساءلة أمام مجتمعها، والمطلوب الآن تشديد الضغوط على العدو لإحراجه، ومنعه من التغلب على آثار هزيمته

العدد 1476 - الأربعاء 20 سبتمبر 2006م الموافق 26 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً