العدد 1479 - السبت 23 سبتمبر 2006م الموافق 29 شعبان 1427هـ

إعادة استخدام المياه الرمادية... أحد خيارات خفض الطلب على المياه المنزلية

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

في معظم الدول الواقعة في المناطق الجافة في العالم أصبحت المياه الصالحة للاستخدام الآدمي والمنزلي في تناقص مستمر بسبب النمو السكاني المطرد من ناحية ومحدودية الموارد المائية الطبيعية من ناحية أخرى. ولذلك تلجأ معظم هذه الدول، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، إلى المياه غير التقليدية لتعويض نقص المياه والتي تتمثل في خيارين رئيسيين، وهما تحلية مياه البحر وتوجه هذه المياه أساساً لتلبية الطلب على المياه في القطاع البلدي، ومعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي وتوجه أساساً للري الزراعي الإنتاجي أو التجميلي.

وفي دول مجلس التعاون الخليجي تستهلك المياه المستخدمة لري الحديقة المنزلية جزءاً كبيراً من المياه المنزلية، وفي مملكة البحرين يمكن أن تصل هذه المياه إلى نحو 25 في المئة من المياه المنزلية. ومن أحد الحلول المطروحة للمساهمة في رفع كفاءة استخدام المياه المنزلية وتخفيف مشكلة نقص المياه البلدية هو إعادة استخدام «المياه الرمادية» في ري الحديقة المنزلية، والتي تعرف بأنها أي مياه تستخدم بالمنزل أو بالمرافق الأخرى المشابهة مثل المساجد أو المدارس أو المنشآت التجارية باستثناء تلك المصاحبة للمخلفات الإنسانية الصلبة والسائلة، مثل المياه الناتجة عن غسل الأواني والثياب ومياه الاستحمام. وتدل تجارب تدقيق المياه المنزلية على أن المياه الرمادية تمثل ما بين 50 - 80 في المئة من استخدامات المياه الكلية في المنازل، ويمكن إعادة استخدامها لأغراض أخرى في المنزل مثل ري الأشجار والمسطحات الخضراء بإجراء بعض التعديلات البسيطة في شبكة مياه الصرف المنزلية لتجميعها بمعزل عن المياه السوداء (أي المياه الناتجة عن المخلفات الإنسانية الصلبة والسائلة).

إن الاعتقاد السائد بأن كل مياه الصرف الصحي الناتجة من المنازل متشابهة هو غير صحيح، فهناك فروقات كبيرة بين المياه الرمادية والمياه السوداء من منظور حماية البيئة وإعادة الاستخدام وكيفية التعامل مع هذه المياه من حيث المعالجة. فالمياه الرمادية تحتوي على عنصر النيتروجين بتركيز أقل بكثير من المياه السوداء، ولا تحتوي على البكتيريا والفيروسات التي تحتويها المياه السوداء، كما أن المحتوى العضوي الطبيعي في هذه المياه يتحلل بسرعة كبيرة جداً مقارنة بالمياه السوداء والتي تحتاج إلى طرق معالجة متقدمة. وإذا تم التخطيط لإعادة استخدامها بشكل جيد، فإنه يمكن استخدامها في ري الأشجار والمسطحات الخضراء من دون خطورة.

ويمكن عمل ذلك عن طريق فصل أنابيب المجاري عند التخطيط لبناء المنزل بحيث تذهب المياه السوداء إلى الشبكة الحكومية لتجميع مياه الصرف الصحي كما هو مخطط لها، بينما يتم تجميع المياه الرمادية في خزانات خاصة قريبة من الحديقة المنزلية ليتم استخدامها بعد مرور يوم أو يومين عليها في هذه الخزانات، مع وجود التهوية المطلوبة وبعض التقنيات البسيطة للمعالجة مثل الترشيح ضمن طبقات رملية، لري الأشجار والمسطحات الخضراء في الحديقة المنزلية. ويمكن بهذه الطريقة البسيطة والمبتكرة توفير كميات كبيرة من المياه المستخدمة بالمنزل ورفع كفاءة استخدام المياه المنزلية، الأمر الذي يؤدي إلى تقليل المياه الموجهة لري الحديقة المنزلية، وفي النهاية التوفير في فاتورة الماء للمستهلك. كما يمكن تطبيق هذه الطريقة لفصل المياه الرمادية عن المياه السوداء في المنشآت العامة مثل المدارس والمساجد والمرافق العامة الأخرى المشابهة وإعادة استخدامها لري الأشجار والمسطحات الخضراء في هذه الأماكن، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من كمية المياه المستهلكة في هذه المواقع وكذلك تقليل الدعم الحكومي لاستهلاك المياه فيها. وفي الحالتين، سواء تم تطبيق هذه الطريقة في المنازل أو في المرافق العامة، فإن ذلك سيقلل من كميات مياه الصرف الصحي الناتجة عنها وبالتالي تخفيف الضغط على محطات المعالجة وتقليل تكاليف المعالجة على الدولة.

أما بالنسبة للتجارب العالمية في مجال استخدام المياه الرمادية فتشير التقارير المتوافرة إلى استخدام هذه المياه بشكل واسع في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا الجافتين بالولايات المتحدة الأميركية وبعض مناطق أستراليا الجافة، كما يتم استخدامها وإن كان بشكل محدود نسبياً في الأردن وفلسطين. كما تبين الدراسات والتقارير بأن هذه الدول تفرق في تشريعاتها بين المياه الرمادية والمياه السوداء من حيث التعامل معها وإعادة الاستخدام وقامت بوضع مواصفات خاصة لمعالجة المياه الرمادية وضوابط لإعادة استخدامها تختلف عن تلك المتعلقة بمياه الصرف الصحي العامة التي تحتوي على المياه السوداء. وتتراوح هذه الإرشادات من المعقدة والتفصيلية وتتطلب الحصول على رخصة من السلطات المسئولة للقيام بها مثل إرشادات ولاية كاليفورنيا، إلى المبسطة والعملية ولا تحتاج للترخيص مثل إرشادات ولاية أريزونا. كما بينت التجارب العملية أن المشتركين في عملية الاستفادة من المياه الرمادية كانوا أكثر عددا في الحالة الأخيرة بسبب سهولة التطبيق.

وفي منطقة الخليج العربي، يتم حالياً في سلطنة عمان دراسة إمكان إعادة استخدام المياه الرمادية وأحجامها والتوفير المتوقع من إعادة استخدامها واقتراح إرشادات وضوابط إعادة استخدامها بما يتناسب وظروف السلطنة. أما على المستوى المحلي في المملكة، فلقد قام قسم ترشيد المياه في وزارة الكهرباء والماء بتطبيق تجربة عملية رائدة لإعادة استخدام مياه الوضوء في منظومة الصرف الصحي في أحد المساجد، كما توجد حالياً دراسة يقوم بها قسم الخدمات الهندسية والصيانة بإدارة الأوقاف الجعفرية لإقامة مشروع في هذا المجال على مسجدين تتم فيه إعادة استخدام مياه الوضوء والغسيل الرمادية في ري المزروعات المحيطة بهذين المسجدين. أما بالنسبة للقطاع الخاص، فيوجد تطبيق عملي واحد لإعادة استخدام المياه الرمادية في الصرف الصحي والتشجير في مبنى أحد المصارف. ويستدعي الأمر أن يتم تحليل وتقييم هذه التجارب والتطبيقات العملية لإعادة استخدام المياه الرمادية سواء في المملكة أو في الدول المحيطة من جوانبها التقنية والاقتصادية والبيئية، والنظر في إمكانية تعميمها في المملكة.

وتعتبر مبادرات ترشيد استخدام المياه في المنزل من أهم المؤشرات الدالة على وعي المجتمع وتطوره في مجال الحفاظ على البيئة والمياه، وتدل على تغلغل مفهوم «المواطنة البيئية» في المجتمع وإيمان المواطن بأهمية الترشيد والمحافظة على الموارد المائية كسلوك عام نابع من مفهوم المواطنة العريضة، وتساهم هذه المبادرات في حل مشكلة شح المياه وتقليل كلف تزويدها يداً بيد مع المسئولين عن المياه في الدولة. إلا أن هذه المبادرات تحتاج إلى دعم المسئولين عن المياه، ولذلك قد يكون من المفيد النظر في خيار إعادة استخدام المياه الرمادية في مملكة البحرين، وتقييم جدوى وإمكان تطبيقه بشكل واسع في المنازل والمرافق العامة الأخرى مثل المدارس والمساجد والمرافق العامة الأخرى، للمساهمة في رفع كفاءة استخدام المياه البلدية وتخفيف حدة الندرة المائية في المملكة، وإذا ثبتت الجدوى التقنية والاقتصادية والبيئية لهذا الخيار، أن يتم وضع الوسائل المطلوبة لتحقيقه من حيث توفير الدعم الفني والمادي المطلوب والمشجع لتطبيق ذلك ووضع الإرشادات والضوابط المتعلقة باستخدامها.

أستاذ إدارة الموارد المائية، جامعة الخليج العربي

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1479 - السبت 23 سبتمبر 2006م الموافق 29 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً