العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ

الاتحاد المشرقي خيارنا على المدى البعيد

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

حرب بعد أخرى تشتعل في بلداننا، ونحن الضحايا في كل مرة، على رغم انه ليست لنا أية علاقة بجذور واحدة منها ماعدا تلك التي تتعلق بأرضنا المقدسة، فلسطين. فالحروب التي أتت على الأخضر واليابس بين العراق وإيران والحرب الثانية في الخليج وحرب اليمن والحروب الأخرى بما فيها الحروب الأهلية جميعها لا تمت لمصلحة الأمة العليا في شيء...

ولكن أية أمة نتحدث عنها؟ هل هي أمة العرب أم أمة الاسلام؟ ان كانت أمة العرب فقد كانت ومازالت متفتتة ولم يوحدها في تاريخها الطويل إلا الدين الاسلامي. وإذا كانت أمة الاسلام فان الاسلام أكبر من الجغرافيا، وأصبح المسلمون ينتشرون في كل مكان في العالم ولا يمكن الحديث عن دولة «جغرافية» اسلامية...

إلا أن كل ذلك لا يمنع من قيام دولة المشرق التي تحتوي على المسلمين (الأكثرية) وغير المسلمين. والمشرق كان ومازال محط الأنظار لأنه مركز لثروات كبرى ومصادر طاقة لجميع أنحاء العالم ويمتد ليشمل مساحات شاسعة تشمل شمال افريقيا والشرق الأوسط والخليج وآسيا الوسطى ولا مستقبل لنا إلا بوجود ترابط وتكامل بين هذه الدول على أسس مشابهة لما هو عليه الاتحاد الأوروبي، الذي يشكل بحجمه أعظم كتلة اقتصادية تستطيع منافسة الولايات المتحدة الاميركية.

الاتحاد الأوروبي ولد من فكرة صغيرة بين ثلاث دول أوروبية صغيرة وهي هولندا وبلجيكا ولوكسمبرغ في مطلع الخمسينات، عندما ألغت هذه الدول التعرفة الجمركية بينها وبدأت تتكامل اقتصاديا.

وسرعان ما اكتشفت الدول الكبرى المجاورة فائدة التجربة المختبرية الصغيرة، وهكذا انضمت إلى تلك الدول الصغيرة الثلاث ثلاث دول أخرى وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا في العام 1957 وأسست السوق الأوروبية المشتركة.

وهكذا استمرت هذه الدول في مساندة بعضها بعضا حتى اضطرت بريطانيا التي عارضت فكرة السوق المشتركة الى الدخول فيها بعد ان تدهورت أوضاعها الاقتصادية في مطلع السبعينات.

وبعد ان ازدادت القوة الاقتصادية للدول الأوروبية قررت الدخول في معاهدات اخرى الواحدة تلو الأخرى. وهكذا تم تحويل السوق الأوروبية المشتركة في العام 1986 إلى السوق الأوروبية الموحدة وتمَّ تغيير اسم التحالف إلى «المجموعة الأوروبية». ولكن الاوروبيين تشجعوا اكثر، إذ ان الوسائل والاجراءات التي وافقوا عليها في العام 1986 مكنتهم من تحقيق المزيد من القوة ما دفعهم إلى توقيع معاهدة ماستريخت في مطلع التسعينات ليعلنوا إقامة «الاتحاد الأوروبي».

الشعوب الأوروبية لديها خلافات في كل شيء، في المذهب المسيحي وفي اللغة وفي التراث وفي الجغرافيا ولا يجمع بينهم شيء سوى قربهم من بعضهم بعضا. لكن قربهم كان سبب الحروب الطويلة التي استمرت عقودا، بل قرونا، وتسببت في اشتعال حربين عالميتين، الأولى في 1914 - 1918 والثانية في 1939 - 1945. والعداوات بين تلك الدول معقدة واكثر مما هي لدينا، بل ان بينهم أنهرا من الدماء سالت لاسباب تافهة يخجلون الآن من ذكرها.

الشعوب الأوروبية اكتشفت انها لكي تستطيع البقاء في عالم اليوم فان عليها ان تتكامل اقتصاديا وثم شرعت في توحيد أجهزتها يوما بعد يوم. والدول الأوروبية التي اخترعت مفهوم «الدولة القومية» هي أول من تخلى عنها لأن هذا المفهوم ليس نافعا، واكتشفت اوروبا ان بقاءها قوية (اقتصاديا على الأقل) في مواجهة الولايات المتحدة يتطلب منها الاتجاه نحو «الدولة المناطقية» التي تعتمد على التكامل الاقتصادي والالتزام بحقوق الانسان (الدولة القومية تعتمد على مفهوم وحدة السيادة السياسية على منطقة جغرافية معينة).

إذا كانت أوروبا بكل تعقيداتها استطاعت أن تتحرك وتعمل مع بعضها بعضا فلماذا نحن مازلنا نعجز عن اقامة اي وحدة حقيقية بيننا. فمجلس التعاون الخليجي قام لأسباب أمنية سياسية بحتة ولم يحقق للخليجيين أي تكامل اقتصادي ولم يربط مصالح الناس ببعضها بعضا ولم ينتج لنا المجلس اية وسائل لتكامل المنطقة (خارج إطار التعاون الأمني).

اذا كانت دول صغيرة (واحدة منها اصغر من البحرين في عدد السكان وهي لوكسمبرغ) استطاعت تقديم نموذج ناجح للتكامل الذي يحقق للشعوب الأمن والازدهار القائمين على التكامل الاقتصادي واحترام حقوق الانسان، فلماذا لا نتقدم في هذا الاتجاه بدلا من تسليم شئوننا إلى الولايات المتحدة لتشن حربا كلما استدعت مصالحها ذلك؟

نعم، التعقيدات كبيرة جدا، تماما كما كانت الحال الأوروبية، ولكن لا أحد سيمنعنا لو تكاملنا مع أبوظبي مثلا ولا أحد سيقف امامنا لو اتجهنا مع دولة هنا ودولة هناك بالاتجاه نفسه الذي اتجهت إليه لوكسمبرغ، الدولة الاصغر منا في عدد سكانها.

الطريق طويل، ولكن لا خلاص لنا من الحروب إلا بالسعي إلى إقامة الاتحاد المشرقي حتى لو بعد خمسين عاما

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 150 - الأحد 02 فبراير 2003م الموافق 30 ذي القعدة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً