العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ

النقد والمعارضة في فكر الإمام علي (ع)

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

من سمات الحكم الصالح، تقبل الحاكم للنقد والمعارضة لحكمه، لأنّ منطلق ذلك حق المشاركة في صوغ النظام العام للمجتمع وشئونه كافة، والتي هي حق لجميع أفراد الأمة.

وفي نظم الحكم الديمقراطية، فإنّ وجود معارضة، ضرورة ملحة لضمان استقامة الحزب الحاكم، وتقوم بعض الأحزاب المعارضة بتشكيل ما يطلق عليه حالياً بـ «حكومة ظل»، لتوزيع المسئوليات وذلك لمتابعة أعمال الحكومة في كل وزارات الدولة.

وحرية التنظيم مكفولة في ظل نظم الحكم الديمقراطية، وبعكس ذلك يحدث في النظم الشمولية. وفي فكر الإمام علي (ع)، فإنّ النقد والمعارضة ليسا أمرا ممنوعًا، ولا مرغوبًا فيه في حال خروجه عن أطر السلوك النابع من الإيمان والتقوى، يقول الإمام (ع): «كثرة الوفاق نفاق»، و»كثرة الخلاف شقاق».

والمعارضة ونقد الحاكم ليسا غريبًا عن الحكم الإسلامي الراشدي، ففي هذا الحكم كان للإنسان أن يقول ما يشاء وأن يعارض ما يراه انحرافا أو مخالفة. والنقد ضرورة لتلمس أماكن الضعف والخوَر، وخصوصا فيما بين المؤمنين، لقول الإمام (ع) نقلاً عن رسول الله (ص): «المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، ينصحه إذا غاب عنه، ويميط عنه ما يكره إذا شهده، ويوسع له في المجلس»، وهذه قمة التعبير عما يجب أن تكون عليه علاقة الإخوان، إذ يكون الأخ مرآة لأخيه، ولا يرى الشخص وجهه وما يحتاج إليه من تهذيب إلا بالمرآة، والمؤمن يُعتبر خائناً لأخيه إن تركه مستمراً على خطئه بلا نصيحة.

وجسّد الإمام علي (ع) أسس التعامل مع المعارضة في صورة قلّ أن تجد لها مثيلاً في التاريخ، فقد سمح بحرية المعارضة بشرط ألا تسيء إلى النظام العام ولا تخل بأمن المواطنين، يقول الكاتب جورج جرداق: «وأبى البيعة قومٌ آخرون، فخلّى عليٌّ بينهم وبين ما أرادوا شرط أن يعتزلوا الفتنة فلا يسيئوا إلى إرادة السواد الأعظم». يقول الإمام(ع): «فمن بايع طائعًا قبلتُ منه، ومن أبى تركته». فحرية المعارضة مكفولة عند الإمام إلا إذا تعارضت مع مصلحة الأمة. بل اعتبر الإمام معارضيه من الخوارج طلاّب حق لكنهم ضلوا السبيل، فسمح لهم التجمع وتنظيم أنفسهم كحزب معارض، ولم يمنعهم حقوقهم كمسلمين مع تكفيرهم له، فقال مشيرًا إليهم: «ألا عندي لكم ثلاث خصال ما كنتم معنا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا».

يقول أبوعبيد في هذا الشأن: «أفلا ترى أنّ عليًّا رأى للخوارج في الفيء حقـًّا، ما لم يظهروا الخروج على الناس، وهو مع هذا يعلم أنهم يسبونه ويبلغون منه أكثر من السبّ، إلا أنهم كانوا مع المسلمين في أمورهم ومحاضرهم. حتى صاروا إلى الخروج فيما بعد».

وفي كنز العمّال: «جاء رجل برجل من الخوارج إلى عليّ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي وجدت هذا يسبك، قال: فسبّه كما سبّني. قال: ويتوعدك؟ فقال: لا أقتل من لم يقتلني، قال عليّ: لهم علينا ثلاث...».

ولأن الخوارج في رأي الإمام، طلاّب حق، لذلك كان يقول: «لا تقاتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه». أكثر من ذلك، فان أملاك المعارضين تتمتع بحماية السلطة، «وهذا ما حصل في موقعة الجمل وصفين وفي النهروان، فكان المنتصرون يمرون على الذهب والفضة من دون أن يكون لهم سبيل للحصول على شيء كما جرت العادة وكما كانت تقضي تقاليد الحروب. لقد أدى ذلك إلى اعتراض أصحابه، لكنه كان يطبق أحكام الشرع ونواهيه.

والمعارضة السلمية، المنطلقة من الحرص على الدين ومبادئه ومصلحة الأمة، تعتبر ضرورة في الإسلام، ولذلك، قال الإمام (ع) في معرض حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر «... وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي... وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر».

وضرب الإمام أروع الأمثال في حسن التعامل مع منتقديه، حتى المتطاول منهم، والمتكلم بغير حق لم يقمعه الإمام، وذلك يعتبر تأسيسًا لمبدأ المعارضة وقبول الرأي الآخر مادام في إطار طلب الحق، حتى وإن تطاول وتجاوز، والناس هم الحكم بين الحاكم ومنتقديه، فهم سرعان ما يلفظون أصحاب الأخلاق الشرسة، ويتعاطفون مع الوديع المتسامح.

«يروى أنه (ع) كان جالسًا في أصحابه إذ مرّت بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم، فقال (ع) إنّ أبصار هذه الفحول طوامح وإنّ ذلك سبب هبابها فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنّما هي امرأة كامرأته، فقال رجل من الخوارج قاتله الله كافرًا ما أفقهه، قال فوثب القوم ليقتلوه فقال (ع) إنّما هو سبٌّ بسبٍّ أو عفوٌ عن ذنب».

وكان يشجع الرعية على النقد والاعتراض والنصيحة، لذلك عندما مدحه قوم بقولهم: «أنت أميرنا ونحن رعيّتك... فاختر علينا وأمض اختيارك، وائتمر فأمض ائتمارك، فإنك القائل المصدّق، والحاكم الموّفق...»، ردّ عليهم رافضاً المديح وتقديس الحكّام، ومما قال: «...فلا تثنوا عليّ بجميل ثناء لإخراجي نفسي على الله وإليكم من التقية في حقوق، افرغ من أدائها، وفرائض لابد من إمضائها، فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أوالعدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإنّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ»

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1501 - الأحد 15 أكتوبر 2006م الموافق 22 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً