العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ

الضريبة المقطوعة للبلدان النامية

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

إن أحد أهم موضوعات النقاش العام في الكثير من البلدان الغربية اليوم (بما في ذلك الولايات المتحدة، وألمانيا والمملكة المتحدة) يتعلق بإدخال نظام الضريبة المقطوعة بدلاً من النظم الضرائبية شديدة التعقيد والتشويه. ويمكن النظر إلى ذلك النقاش القائم على أنه جزء من التوافق الذي تم في مرحلة ما بعد كينز بشأن إدارة السياسة الاقتصادية. ومن المفيد دراسة هذه القضية، في هذا الإطار الأوسع، مع إظهار الأسباب التي تجعل من هذه القضية أمراً مهماً له اتصال بالبلدان النامية مثل الهند.

هناك، على ما يبدو، إجماع واسع في دوائر اتخاذ القرار على أن انتهاج سياسة نقدية ناشطة، تستند إلى شكل من أشكال النظرية الكينزية، هو أمر له نتائج عكسية. هذا يعود إلى حد كبير إلى حقيقة أن نتائج تلك السياسة تكون خاضعة لفترة انتقالية طويلة لا يمكن التنبؤ بمداها، مع احتمالية إساءة استخدامها من قبل السياسيين من كل توجه، لدعم مصالحهم الخاصة، إبان دورة الأعمال المتزامنة مع السياسة. كما أن هناك دلائل قوية على أن القطاع الخاص سيُطفئ أية تقلبات لا يمكن تفاديها في النشاط الاقتصادي، والعمل على استقرار الاقتصاد، ما لم تُشوِّشُ عليه تصرفات سياسية غير متوقعة. لذلك، هناك اتفاق يتنامى بأن أفضل وسيلة لإدارة الشئون النقدية هي تركها لبنك مركزي يتمتع باستقلالية، والذي يتبع قواعد بدلاً من التصرف باجتهاداته وأهوائه.

هذا يبقي السياسة المالية التي تنتهجها الدولة جانباً. لقد تم النيل من أتباع سياسة كينزية نشطة من قِبل الدولة قبل النيل من قرينتها - السياسة النقدية - بعد أن تبين أنها قد تقود إلى أخطاء فادحة أكبر وأقل مرونة من السياسة النقدية. وقد أدى ذلك إلى إيلاء السياسة المالية معالجة الاقتصاد الجزئي وليس الاقتصاد الكلي. فحالات استخدام السياسة المالية (والتي تشكل سياسة التعرفة جزءاً منها) لتقديم حوافز متنوعة «للصناعات الناشئة»، أو لتعديل إخفاقات سوقية مفترضة، قد تم النيل منها بسبب الأثمان السياسية للتدخل. وهناك إدراك يتعاظم بأن الهدف الوحيد من وراء السياسة المالية يجب أن يقتصر على تقديم التمويل، لتحقيق الحد الأعلى من السلع العامة وبأقل كلفة ممكنة في مقاييس الرفاه الاقتصادي. أما الأهداف المنبثقة عن إعادة توزيع المداخيل، كهدف من أهداف السياسة المالية، فقد تم النيل منها بدرجة مساوية، بعد أن ثبت بوجه قاطع من التجارب التي تمت في مختلف أرجاء العالم أن الضرائب الهادفة إلى إعادة توزيع المداخيل هي عبارة عن آلة ضخمة تُزبد وتتحرك بعنف، والتي تقوم في النهاية بإعادة التوزيع (على الأقل في البلدان الديمقراطية) ليس لصالح الجهات المتوخاة من إعادة التوزيع، ولكن لصالح الطبقات الوسطى، إذ إن جميع الأحزاب السياسية تنشد ودها وتسعى لكسب أصواتها. في شكلها المجرد، فإن الضريبة المقطوعة تحل مكان نسب الضرائب المتعددة، بضريبة هامشية واحدة، وتلغي النظام المعقد للإعفاءات، التي تستخدمها الحكومة لأهداف الهندسة الاجتماعية أو لكسب الأصوات. إن سماحاً شخصياً عالياً من الضرائب يسمح بإخراج الفقير من شبكة الضرائب ويعطي تقدمية للنظام. جميع الضرائب - على المداخيل العليا للشركات، والضريبة الشخصية، والضرائب على السلع (كضريبة القيمة المضافة) -تحدَّد بنسب متساوية، تبلغ في الحقيقة إلى ضريبة الاستهلاك وتُلغي أي تعدد ضريبي مثل الضرائب على الأرباح.

إن مزايا الضريبة المقطوعة تتمثل في بساطتها وشفافيتها (وكما لاحظ ستيف فوريز، فإن كل إنسان يحتاج إلى بطاقة بريدية لإرسال كشف بما يستحق عليه) ما يؤدي إلى نمو اقتصادي أسرع، بسبب الحوافز الأكبر للعمل، وإزالة مختلف العوائق المثبطة التي تتأتى عن التشوهات الضريبية الحالية، بما في ذلك خلق سوق سوداء واسعة من أجل الهروب من الضريبة وتجنبها.

وقد تبينت مزايا مثل هذه الضريبة في الكثير من بلدان أوروبا الشرقية (بما في ذلك روسيا وإستونيا ولاتفيا وأوكرانيا وجورجيا ورومانيا) وهي بلدان في غمرة انتقالها من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق. كما أن مثلهم شجع بلداناً أخرى على الأخذ بالضريبة المقطوعة (بولندا والتشيك وسلوفينيا).

ولكن وخلافاً للنظم الضريبية الجديدة في أوروبا الشرقية والتي حلّت مكان أنظمة قديمة متداعية، ففي معظم البلدان المتقدمة، إذ توجد نظم ضرائب ناضجة، والتي كانت نتيجة للعبة إعادة توزيع المداخيل على امتداد أجيال متعاقبة، فإن الاحتمال الأقرب هو أن الخاسرين من الضريبة المقطوعة هم المستفيدون في الماضي - أي الطبقات الوسطى - والذين سيستخدمون الإجراءات الديمقراطية لمقاومتها. إن مراجعة ردود الفعل على اقتراح الضريبة المقطوعة، في الولايات المتحدة وألمانيا وربما في المملكة المتحدة، تشير إلى أن فرض ضريبة مقطوعة تامة لن يكون مقبولاً في نظم ضرائبية ناضجة. لذلك، فإن مستقبل الضريبة المقطوعة قد يكون في بلدان مثل أوروبا الشرقية، التي انتقلت من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق. ويقال إن الصينيين ربما ينظرون في إقراره. وإذا ما طُبقت توصيات لجنة كلكار للإصلاح الضريبي بالكامل في الهند، فإنها تصبح على مدى خطوة قريبة من الانتقال إلى نظام ضرائبي مقطوع كامل في الهند. ومن شأن ذلك وضع حد للتعدي المالي التقليدي الذي تنتهجه الدولة - ومرادفاتها في السوق السوداء - وإعطاء تأثير حميد على النمو الاقتصادي في البلاد.

ديباك لال

أستاذ دراسات التنمية الدولية في جامعة كاليفورنيا

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 1513 - الجمعة 27 أكتوبر 2006م الموافق 04 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً