العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ

تقرير التنمية البشريةوالحقيقة الضائعة في البحرين

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

في أحد أعوام التسعينات، حينما ظهر تقرير التنمية البشرية الذي يصدر سنوياً منذ 1990 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وكانت البحرين في مصاف الدول مرتفعة التنمية كما هي العادة منذ أكثر من عقد من الزمن، كان موقف بعض الصحف المحلية ذات التوّجه الرسمي آنذاك يختلف 180 درجة عن الوضع الحالي. فمع أن البحرين في هذا العام والأعوام الماضية قد حازت مرتبة أفضل عدّة مرات من تلك التي كانت تحصل عليها أثناء انتفاضة التسعينات، غير أن الخبر آنذاك كان يُوضع في الصفحة الأولى ويظل بعض الكتاب المعروفين بتوجهاتهم الرسمية، وبسذاجة وفجاجة بالغة، يصوّرون المسألة كأنها معجزة نقلت المواطنين الذين كانوا حينها يكابدون ما يكابدونه من قِبل جهاز الأمن إلى جنّة عدن.

المسألة ليست كما يحاول البعض قياسها من خلال مرتبة الدولة بين الدول، ولو كان كذلك فهذا يعني أن المملكة تأخرت كثيراً حين تراجعت من المرتبة 40 العام 2004 إلى المرتبة 43 العام 2005. وفي هذا العام، جاءت البحرين في المرتبة 39، ولأنها في العام الماضي جاءت في المرتبة 43، صار البعض يصوّر المسألة باعتبارها تطوراً بفضل عناية الدولة بتنمية البشر، بينما المفترض النظر إلى تطور البلد ذاتها في مؤشرات التنمية بدلاً من الاتكاء على مرتبتها بين الدول، فقد تكون هناك دول تأخرت، ما يعني ارتفاع مرتبة دول أخرى حتى لو لم يتغير شيء في حياتها عن ذي قبل.

أكثر من سؤال يجول في أدمغتنا ونحن نشهد تراجع مستوى الكثير من الخدمات ونعيش مشاهد فقر حقيقي اعترفت بوجوده أعلى سلطة في البلد، فكيف يُعقل أن البحرين في بعض السنوات تفوقت في تقرير التنمية البشرية على دول خليجية ثرية جداً، بل فاقت كل الدول العربية حين جاءت الأولى عربياً العام 2004؟ أما في هذا العام فحلت دولة الكويت في المرتبة الـ 33 والأولى عربياً، تلتها البحرين في المرتبة الـ 39 ثم قطر في المرتبة الـ 46، وحلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الـ 49. إذاً دولة الكويت الوحيدة عربياً التي تقدمت على مملكة البحرين، فما حقيقة هذه الأرقام والمؤشرات الموجودة في تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي يصدر سنوياً؟

مؤشرات التنمية البشرية التي تجعل من الإنسان هدفاً للتنمية، وفي الوقت نفسه تجعل منه وسيلة لتحقيقها، لا تعكس بالضرورة سلامةً في الهيكل الاقتصادي، ولا تعكس حقيقةً متجسدة ًعلى الواقع كما يبدو من أول وهلة وكأن الناس يعيشون في نعيم. تقرير التنمية البشرية فيه من الأرقام والإحصاءات الشيء الكثير والمهم لأي باحث في مختلف جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولكن التقرير عندما يصنّف الدول وفق مؤشر التنمية البشرية، إما ذات تنمية بشرية منخفضة وإما متوسطة أو عندما يضع البحرين في مصاف الدول المتقدمة ذات التنمية البشرية المرتفعة، فإنه وضع في اعتباره 3 أبعاد، وهي حساب العمر المتوقع عند الولادة، حساب دليل التعليم متمثلاً في إلمام البالغين بالقراءة والكتابة بغض النظر عن المستوى التعليمي، مضافاً إلى ذلك نسبة الالتحاق بالمدارس، والبعد الثالث حساب الناتج المحلي الإجمالي للفرد (معادل بالقوة الشرائية بالدولار الأميركي). وكل واحد من هذه الأبعاد الثلاثة يحوز ثلث العلامة، وبالتالي فإن قيمة دليل التنمية البشرية الذي يعتبر مؤشراً على مدى تحققها هو واحد صحيح أو أقل، وغالباً ما تأتي النرويج في المرتبة الأولى وبلغت مؤشراتها في التنمية البشرية هذا العام (0.965).

وإذا كان مؤشر متوسط العمر لم يتغير عن العام الماضي وهو 74.3 سنة، بينما انخفض مؤشر التعليم من 87.7 في المئة إلى 86.5 في المئة، فإن المتغير الوحيد الذي رفع البحرين هذا العام عن العام الذي سبقه هو نصيب الفرد من الدخل، أو ما يسمى الناتج المحلي السنوي للفرد، الذي ارتفع في السنوات الماضية لأسباب كثيرة. وإذا ألقينا نظرة سريعة على التقارير في السنوات الماضية، فسنجد تقارباً شديداً بين الأرقام المتعلقة بمملكة البحرين ودولة الكويت سواءً أفي مؤشر التعليم أم العمر. الأمر الغريب، أن البحرين قد تتفوق حتى على الكويت في الناتج المحلي السنوي للفرد، فبحسب تقارير الأمم المتحدة للعام 2004، كان نصيب الفرد في البحرين 17479 دولاراً سنوياً، بينما نصيب الفرد في الكويت 16240 دولاراً، وفي هذا العام أيضاً تفوقت مملكة البحرين على دولة الكويت، إذ بلغ الناتج المحلي للبحريني 20758 دولاراً و19384 للكويتي. ولكن عندما يصرخ واقعنا وبشدة بالفارق الشاهق بين معيشة المواطن الكويتي ومعيشة المواطن البحريني، مع تقارب كلفة المعيشة في البلدين، فماذا يعني هذا؟ يكفي أن 60 في المئة من المواطنين، أي ما يقارب 40 ألف فرد ممن يعملون في القطاع الخاص والكثير منهم يعولون أسراً رواتبهم تقل عن 200 دينار، ويوجد حالياً ما يقارب 50 ألف طلب إسكاني. عندما تتفوق البحرين على سائر دول الخليج - ما عدا الإمارات - في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ظل هذا الوقع المؤلم، فهذا يعني لا مساواة في تقاسم الثروة، واللا مساواة في تكافؤ الفرص الاقتصادية وخصوصاً الملكيات السابقة التي حصلت في ظروف معروفة للكل. يذكر أن البحرين لا تزوّد تقرير التنمية البشرية بأرقام عن نسبة الفقراء إلى الأغنياء حتى يمكن إدراك الفجوة بين الفئتين ومدى انتشار الغنى أو تركّز الثروة، وهذا ملاحظ منذ أكثر من 6 سنوات مضت، وربما أكثر بحسب تتبع كاتب السطور. إن مؤشر التنمية البشرية المتعلق بالناتج المحلي للفرد، لا يقترب من الواقع، بل من خلال هذه الأرقام وبالنظر إلى واقع المواطن البحريني، فإن كل ذلك يدلل على ازدياد الفجوة في المعيشة بين قلة غنية وأكثرية فقيرة. شهدت المملكة نمواً في الثروة المادية سواءً من خلال النفط أو غيره، غير أن القسمة كانت ضيزى، إذ ازداد تردي الحال المعيشية عموماً، وتراجعت القدرة الشرائية للموطنين بعكس السابق حينما كان المواطن العادي في السبعينات قادراً على شراء سيارة جديدة، والكثير من الناس حتى قبل عقد من الزمان كانت قادرة على امتلاك قطعة أرض

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1533 - الخميس 16 نوفمبر 2006م الموافق 24 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً