العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ

هل لبنان في طريقه إلى الفوضى البناءة؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

قبل عدة سنوات، طُرِحَ مصطلح «الفوضى البناءة» من قِبل الإدارة الأميركية، والآن نشاهد آثار هذه الفوضى في العراق في شكل «حرب طائفية» مازال أوارها، يزداد استعاراً يوماً بعد يوم، والذي بدأت بوادره منذ أن بدأ الغزو الأميركي للعراق في مارس/ آذار 2003، فهل توجد نية لتصدير هذه الفوضى إلى لبنان؟ وما مؤشرات ذلك؟ وما الأهداف؟

هلال شيعي وقوس سني

من قالوا بالأمس إنها مغامرة، يصفون اليوم مسيرات المعارضة اللبنانية بأنها «تصرف غير حكيم»، وهؤلاء يتكلمون في غير الوقت المناسب، كأنهم بذلك يدفعون نحو الأهداف المحذور تحقيقها، فحين قالوا إنها مغامرة كانوا على علم تام أن من أهداف العدوان الرئيسية استئصال روح المقاومة من المنطقة، من حزب الله في لبنان إلى «حماس» و»الجهاد» في فلسطين، بهدف تحويل لبنان إلى عراق آخر أو تفكيكه وربما تقسيمه إلى كانتونات طائفية.

وعندما أعلن بعض القادة العرب ممن وقفوا سلباً من المقاومة أثناء العدوان، دعمهم حكومة السنيورة، والتحذير من انفجار فتنة طائفية يرجعون سببها إلى إصرار المعارضة على الاعتصام، بل يذهبون إلى أنه لو استمر شارع المعارضة في حصار الحكومة اللبنانية، فإن أناساً من الخارج سيقدمون لفك هذا الحصار وبالتالي ستنشب حرب أهلية. مثل هذه التصريحات والمواقف توقع بشكل تلقائي فيما يحذّرون منه.

وهذه المواقف العربية من لبنان قد توحي ببداية اصطفاف طائفي إقليمي، الذي أشار إليه أحدهم قبل أكثر من عام، عندما تحدّث عن هلال شيعي، الذي قابله «قوس سني» كما في وصف رئيس الوزراء البريطاني. الأمر الغريب هو تأكيد حرب طائفية سنية - شيعية في لبنان، مع أن المعارضة فيها كل أنواع الطيف الطائفي اللبناني، وإن كانت الأكثرية شيعية. وفي الوقت نفسه، فإن المعارضة لا تدعو إلى قلب نظام الحكم، فكل ما تطلبه استبدال الحكومة بحكومة جديدة، يرأسها رئيس من الطائفة السنية بحسب النظام السياسي.

خوف وتوجّس

ومع أن الترهيب من حرب أهلية ليس جديداً في تصريحات هؤلاء وبعض زعماء الداخل اللبناني، حتى ردّ عليهم الأمين العام لحزب الله بقوله: «إن الذين يودون إشعال الحرب الأهلية عاجزون عن ذلك»، غير أن خطاب السيدنصرالله الذي عادةً ما يبعث الطمأنينة لم يعد يكفي أو يطمئن، فتوجسات زعماء الحزب أنفسهم واضحة جداً، وتصريحات السيدنصرالله تشير إلى توجّسه أيضاً حين استنكر حديث البعض عن مخطط صفوي فارسي، إذ ذكر أن آخر ما في جعبة الأميركان ومن ورائهم الصهاينة، هو الضرب على الوتر الطائفي بين المسلمين، وإذا أمكننا تجاوز ذلك، فلن يبقى لديهم شيء.

الدول الغربية التي دعمت عدوان «إسرائيل» على لبنان وشجعتها على الاستمرار، تشجع الآن حكومة السنيورة على عدم التنازل، وهذا ما عبّرت عنه عدد من الدول الأوروبية كألمانيا وإيطاليا، أفلا تشير هذه المواقف والتدخلات السافرة إلى أن المستهدف هو عموم المقاومة في المنطقة، حزب الله و»حماس» و»الجهاد»؟

يبدو أنه بعد أن احترقت ورقة العدوان الإسرائيلي وفشل مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذي بشرت به كوندوليزا رايس، انتهت القناعة لدى المقاومة بوجود توجه حالياً إما إلى اللجوء إلى محاصرة حزب الله ومن ثم إضعاف المقاومة بالتدريج عن طريق الحكومة اللبنانية وإما إلى تحريك فكرة «الفوضى البناءة» مرة أخرى بواسطة إشعال حرب أهلية على شاكلة ما يجري في العراق.

هذه التوجسات ليست قائمةً على تخرصات، فالمسألة حالياً بلغت مرحلةً من الخطورة بحيث إن بعض أقطاب المعارضة وصلت تصريحاتهم إلى حد القطيعة مع الطرف الآخر، من خلال القول إن الحكومة تآمرت على المقاومة أثناء العدوان الذي استمر 33 يوماً، وذهب السيدنصرالله نفسه إلى القول: «إن هذه الحكومة غير مؤتمنة». بل وصلت الاتهامات إلى درجة خطيرة بحيث اتهم مسئولو حزب الله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بتعطشه لرؤية الدم الشيعي السني يُسفك، وهذا ما يدل على خشية حقيقية تعيشها القيادات هناك من عرقنة لبنان، وتحويل مسألة الخلاف السياسي إلى صراع طائفي، وبالذات شيعي - سني.

وإذا أضفنا إلى ذلك ما ذكره نائب لبناني مشهور، أنه يمتلك أدلةً على أن هناك من فريق «14 آذار» من أرسل 900 من أنصاره للتدريب العسكري في الخارج، وكذلك تصريح وزير الشباب والرياضة في لبنان وكيل وزارة الداخلية السابق أحمد فتفت الذي فاجأ به الجميع وذلك حين أكد لصحيفة «غلوب أند مايل» الكندية أن «الجهود جارية لتدعيم قوى الأمن الداخلي بأكثر من 8 آلاف عنصر إضافي»... وبحسب الصحيفة، فإن «الغرب يدعم الأكثرية في تشكيل ميليشيا مسلحة لمواجهة حزب الله من خلال المساعدات التي تقدم من أكثر من دولة»، فإن هذه وغيرها تثبت خطورة الأمر.

ثم إن النغمة التي تكررت أثناء العدوان تتكرر الآن أثناء الاعتصام من قبل أعمدة فريق «14 آذار» في دعوى أن تحرّك المعارضة ينحصر في الطائفة الشيعية، وأنها بأوامر من إيران وسورية، مع أن المعارضة على رأسها زعيم التيار الحر المسيحي العماد ميشال عون والمعروف بموقفه المعادي للوجود السوري في لبنان إلى حد أنه اتخذ قرار مواجهتها عسكرياً في الثمانينات، ومن ثم لجوؤه إلى السفارة الفرنسية والتفاوض الذي قاده إلى المنفى في باريس.

وإلى جانب تكرار جنبلاط هذا الموقف، فقد وصف وزير الاتصالات مروان حمادة الاعتصام بأنه مسيرات آيات الله ومسيرات إيران والضباط السوريين، وهذه التصريحات - في حد ذاتها - تؤشر إلى عمق الأزمة، وربما تعتبر محاولةً للدفع إلى تحويل الخلاف بين الحكومة والمعارضة إلى اصطفاف طائفي سني شيعي بالدرجة الأولى.

دور «القاعدة»

رئيس وزراء لبنان السابق سليم الحص، أبدى في تصريح له تخوّفه من نقل ما يجري في العراق إلى لبنان، وقال إنه لا يرتاب في أن مرتكب الفظائع في العراق ربما الموساد أو وكالة المخابرات الأميركية. وبغض النظر عن مدى خطأ أو صحة رأي الرئيس الحص، إلا أن كل الشواهد تؤكد وجود قتل متبادل بين الشيعة والسنة بشكل مباشر هناك، وهناك خطف على الهوية وذبح وتقطيع للأجسام التي تشاهد ملقاة مع القمامة وأشلاء مقطعة في المجاري، وهناك تمثيل بأجساد الضحايا قبل تركها للوحوش البرية أو رميها في الأنهار والمستنقعات. هناك فوضى وانقلاب في النفس البشرية السوية، وهناك مظاهر تشفٍ وحقد، ولا يوجد عراقي لا يعترف بأن العراقيين أنفسهم من يقومون بكل هذه الفظائع ويصنعون الفواجع، وهذا ما يراد للبنان أن يقع فيه مرةً أخرى كما وقع سابقاً في العام 1975.

ومع أنه لا يمكن التعويل على ما تذكره بعض المنتديات الطائفية، التي أشارت سابقاً إلى توّجه بعض أفراد وخلايا «القاعدة» إلى لبنان من أجل ما أسمته «محاربة الروافض وحزب الله»، إلا أن قتل قيادي من «القاعدة» يحاول دخول لبنان من سورية، يثير الريبة من دخول التيار التكفيري على الخط. والقدر الذي يمكن الاتفاق عليه هو أن هذا التيار الذي أشعل نار الحرب الطائفية في العراق، والذي يقوم بعمليات التفجيرات هناك، هذا التيار مخترق من قِبل أجهزة مخابرات أجنبية، وقد تكرر تأكيد ذلك من قِبل شخصيات مهمة، من بينها الأمين العام لحزب الله، وربما يكون مخترقاً من قِبل الموساد الإسرائيلي والصهيونية العالمية، وهذا ما ذهب إليه رئيس لجنة الشئون الأمنية في مجلس الشورى السعودي اللواء المتقاعد صالح الزهراني، في محاضرة له في مارس الماضي في نادي الضباط السعودي (نقلا عن صحيفة «السفير» بتاريخ 23 مارس 2006)، إذ قال: «إن هذا الاختراق حدث إبان حكم (طالبان) عبر بعض الجماعات التكفيرية العائدة إلى بلدانها». النتيجة أن هذا الاختراق أدى إلى تورط أبناء البلد أنفسهم في ممارسة الأعمال الإجرامية في الوقت الحالي، وهذا ما لا ريب فيه.

إن عدم اتفاق العراقيين على طريقة للتعامل مع الأوضاع الجديدة والتعامل مع الاحتلال الأميركي لبلادهم، قاد إلى النتائج الخطيرة القائمة في العراق، والخوف حالياًَ أن ينتقل هذا الداء إلى لبنان، وكل المؤشرات تشير إلى دور خارجي قوي يدفع هذا البلد إلى تحقيق مصالح دولية سواءً بتحييد دوره - وخصوصاً دور المقاومة - بإثارة اقتتال طائفي كما في العراق، أو بربطه بعربة مصالح وأهداف هذه الدوائر الأجنبية.

والسؤال الذي لو تمت الإجابة عنه لعرف الكثير: هل كل أطراف النزاع مستعدة لتجنيب البلاد مثل هذا المأزق؟ أم يوجد من الأطراف (خارجية وداخلية) من يدفع للوقوع في الوحل الطائفي البغيض؟

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً