العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ

العملاقان الصيني والهندي ومخاوف أميركا من «قرن آسيا»

ابراهيم خالد ibrahim.khalid [at] alwasatnews.com

شهدت العاصمة الصينية (بكين) في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي انعقاد القمة الاستثنائية الصينية - الإفريقية، بمشاركة 48 دولة إفريقية بالإضافة إلى الصين. وركزت القمة على تقييم واقع العلاقات الصينية - الإفريقية، وسبل تطوير تلك العلاقات. وتشير المؤشرات إلى تسارع معدلات نمو التجارة السلعية والعسكرية الصينية - الأفريقية، بالإضافة إلى تطور العلاقات الدبلوماسية والثقافية بين الجانبين، فقد تضاعف حجم التجارة الصينية- الإفريقية سنوياً منذ العام و1995ووصل إلى 39.7 مليار دولار في العام 2005 .

والواقع أن التطور الكبير في العلاقات الصينية - الإفريقية يمثل أحد الأمثلة المعبرة عن التوجهات الجديدة في السياسة الخارجية الصينية، وتصاعد دور ونفوذ الصين كقوة عالمية، فقد تميزت تلك السياسة بحدوث تحسن كبير في علاقات الصين الثنائية مع عدد كبير من دول العالم، وخصوصاً الجيران الآسيويين في إقليمي جنوب، وجنوب شرقي آسيا، وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي. والمعروف أن بروز الصين كقوة عظمى لم يعد مجرد توقعات وإنما هو حقيقة، فالصين حالياً تتمتع بأسرع معدل نمو اقتصادي عالمي كما أنها ثاني أكبر مالك لاحتياطي العملات الأجنبية وبشكل رئيسي للدولار في العالم. وتمتلك أكبر جيش في العالم يبلغ تعداده 2.5 مليون جندي ورابع أكبر موازنة للدفاع تزيد سنوياً بمقدار 10 في المئة. في مؤتمر نظمته أخيراً مؤسسة «هيرتدج» وهو أحد المراكز البحثية المحافظة في واشنطن، أشار مؤلف كتاب «السياسات الصينية في عهد الرئيس هو جنتاو» ويلي وو - لاب لام، إلى أن جنتاو يركز أساساً على القضايا العسكرية وقضايا السياسة الخارجية، وأنه يريد طرح نفسه باعتباره «رئيس السياسة الخارجية»، ويعود ذلك - وفقاً لتحليل لام - إلى أن جنتاو يدرك بوضوح تعقيدات ومشكلات السياسة الداخلية الصينية وصعوبة طرح حلول جذرية لتلك المشكلات. ويرى لام أن الرئيس الصيني نجح في هذا الإطار في استغلال الفراغ الذي خلقته سياسة الرئيس الأميركي جورج بوش التي اختزلت السياسة الخارجية الأميركية في الحرب على الإرهاب.

ومن ناحية أخرى، عقد «معهد أميركان انتربرايز»، وهو أيضاً أحد المراكز البحثية المحافظة في واشنطن، مؤتمراً عن العلاقات الصينية - الإفريقية. وأشار والتر كانستينر من جماعة Scowcroft Group - إحدى الشركات الدولية الاستشارية في مجال الأعمال - الذي تحدث عن المنهج الصيني في السوق الإفريقية إلى «أنهم يريدون أن يكونوا المتحرك الأول، إنهم يريدون الحصول على الصفقة».

وتستند العلاقات الصينية - الإفريقية إلى العامل الاقتصادي أساساً، إذ تنظر الصين إلى إفريقيا باعتبارها مصدر لتغذية قاعدتها الصناعية المحلية التي تحتاج إلى كميات ضخمة من المواد الخام للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة، خصوصاً الحديد الخام. وفي هذا الإطار، تستورد الصين النفط والنحاس والبلاتين والذهب والنيكل من زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما تستورد الحديد الخام من جنوب إفريقيا وموزمبيق. وتقوم الصين بمساعدة الدول الإفريقية في تشييد الكثير من البنية الأساسية، مثل مشروع بناء السكك الحديد في أنغولا الذي يتوقع أن يساهم في استيعاب (10- 40) ألف عامل صيني. وفي ضوء تلك التطورات والأبعاد المهمة في علاقة الصين بالقارة الإفريقية، تبذل الولايات المتحدة جهداً كيراً لاستيعاب وفهم تلك التوجهات الجديدة في السياسة الاقتصادية الصينية الخارجية كشرط مهم لاتخاذ قرارات محددة تجاه الصين، تستند إلى معلومات ورؤية واضحة عن تلك التوجهات. إلا أن هذه الجهود مازالت تواجه بعض العقبات، منها على سبيل المثال، غياب المعلومات والبيانات عن حجم المعاملات الاقتصادية والتجارية بين الصين وإفريقيا.

وقلق الكونغرس أيضاً

وفي مؤشر على الاهتمام الأميركي بالصعود الصيني، قام الكونغرس في أكتوبر/ تشرين الثاني 2000 بإنشاء لجنة مراجعة العلاقات الاقتصادية والأمنية الأميركية - الصينية، كأداة لمتابعة ودراسة واقع العلاقات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، وانعكاس تلك العلاقات على الأمن القومي الأميركي والمصالح الأميركية. وتقوم اللجنة برفع اقتراحاتها وتوصياتها إلى الكونغرس، سواء فيما يتعلق بالتشريعات والقوانين أو فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية ذات الصلة. ويتركز عمل اللجنة في ثمانية مجالات أساسية، هي: الانتشار النووي، التحويلات الاقتصادية، الطاقة، أسواق رأس المال الأميركية، التطورات الإقليمية الاقتصادية والأمنية، البرامج الثنائية الأميركية - الصينية، الالتزام الصيني بقواعد واتفاقات منظمة التجارة العالمية، وأخيراً القيود المفروضة على حريات التعبير والنفاذ إلى المعلومات في الصين. وتقوم اللجنة بإصدار تقرير سنوي عن تلك القضايا، يتم رفعه إلى الكونغرس.

وأشار رئيس اللجنة، لاري ورتزل، في المؤتمر الصحافي الذي عقد بمناسبة صدور التقرير الأخير للجنة الذي قدم إلى الكونغرس في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، إلى أن «اللجنة تعتقد أنه في الوقت الذي تعد فيه الصين فاعلاً عالمياً، إلا أن شعورها بالمسئولية لا يتناسب مع قوتها المتنامية». ويطرح التقرير عدداً من التوصيات للكونغرس في 6 مجالات مختلفة، أهمها العلاقات التجارية الثنائية بين الصين والولايات المتحدة، والأنشطة الصينية على المستويين الإقليمي والعالمي، والقضايا الصينية الداخلية مثل السيطرة على الإعلام والمعلومات. وتطرح اللجنة تقييماً شديد السلبية لمعظم السياسات الصينية. وذهب «ورتزل» إلى أن اللجنة «كانت تأمل أن تقوم الصين بتوظيف موقعها داخل مجلس الأمن ونفوذها السياسي والمتنامي في آسيا وإفريقيا وباقي الأقاليم الأخرى، للتعامل بمسئولية مع الكثير من المشكلات الخطيرة، إلا أن ذلك لم يحدث».

وبالإضافة إلى القلق الأميركي من الصين صارت الهند قاسماً مشتركاً يتسابق العملاقان الأميركي والصين حالياً لخطب وده ويشهد بذلك الزيارات التي قام بها الرئيس الأميركي بوش والصيني جنتاو للهند في الآونة الأخيرة. فلماذا أضحت الهند مهمة؟ يجيب مركز «بروكينجز» باختصار على هذا السؤال من خلال التركيز على أربع نقاط:

أولاً: من الناحية السياسية، تعتبر الهند أكبر ديمقراطية في العالم.

ثانياً: من الناحية الاقتصادية، تعتبر الهند حالياً إحدى كبرى القوى الاقتصادية، ويُتوقع لها أن تصبح أسرع القوى الاقتصادية نمواً في العام 2020.

ثالثاً: من الناحية الديموغرافية، تعتبر الهند أكثر الدول كثافة في عدد السكان بعد الصين، ويُتوقع لها أن تسبق الصين على مدى العقود المقبلة.

رابعا: من الناحية الثقافية، تعتبر الهند صاحبة أكبر صناعة سينمائية في العالم.

ولقد شهدت العلاقات الأميركية الهندية - كما يقول ستيفين كوهين الباحث الأول بمجلة «دراسات السياسة الخارجية» - نقاط تحول كثيرة، ابتداء من علاقات باردة في الخمسينات، ثم علاقات استراتيجية قوية بعد النزاع الحدودي الهندي الصيني في العام 1962، إلى علاقات عدائية في السبعينيات، حينما كان يُنظر للهند على كونها حليفاً للاتحاد السوفياتي، وأخيراً إلى علاقات أقل رسمية وأكثر وداً في خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.

وتعتبر زيارة بوش الأخيرة - من منظور كوهين - نقطة تحول رئيسية في العلاقات الأميركية الهندية، إذ بنجاح تلك الزيارة تحقق مُرادان، سينتفع منهما الطرفان.

المراد الأول: هو إدراك الإدارة الأميركية للهند المتعاظمة الجديدة، وهو ما بدأ الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في إدراكه منذ مارس/ آذار 2000، وهو أيضا ما أبرزته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2005، بصحيفة «واشنطن بوست»، حينما قالت «إن الهند ستأخذ مكانها ضمن القوى العالمية». وهو أمر ليس بخافٍ عن الزعماء والقادة الهنود في القرن العشرين، وقد سجلوه في كتاباتهم ومؤلفاتهم، ومنها كتاب «اكتشاف الهند» للزعيم الهندي جواهر لال نهرو.

المراد الثاني: هو التخفيف من حدة التوجسات الهندية تجاه الإدارة الأميركية، والكف عن اعتبارها معارضة للصعود الهندي.

وتسعى الصين من جانبها إلى بناء الثقة مع الهند وتعزيز العلاقات في مجال الطاقة والبنية الأساسية بين البلدين وزيادة استثمارات كل دولة في اقتصاد الدولة الأخرى. وابلغ جنتاو أخيراً مؤتمراً لقادة الأعمال في مومبي المركز المالي بالهند أن لجانبين يتعين عليهما تحرير مناخ التجارة بدرجة أكبر والتنسيق فيما بينهما داخل منظمة التجارة العالمية. وقال الرئيس «نريد تشجيع الشركات الصينية التنافسية على الاستثمار في الهند والمزيد من الشركات الهندية على الاستثمار في الصين». وأضاف «إذا عملت الهند والصين معاً فإن القرن الـ 21 سيكون قرن آسيا»

إقرأ أيضا لـ "ابراهيم خالد"

العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً