العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ

ما بين الحقيقة والخيال

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تعرض في أحد مسارح لندن مسرحية بعنوان «ميتاموفس» Metamorphos وهي للكاتب الفيلسوف كافكا... الكاتب الخيالي... وتدور حوادث المسرحية في القرن الماضي وهي حكاية تتكون من زوجين وابنه تعمل راقصة باليه، وشاب يعمل في شركة بدوام يومي ومنتظم. تصحو العائلة في أحد الأيام لترى ابنها وقد تحول الى (حيوان متسلق) تكوين غريب الشكل (زاحف) ويسير متعلقاً بقوائمه الأربع بدلاً من أرجله، ويصدر ضجيجاً غير مفهوم عوضاً عن الكلام ما يصم الآذان وبدلاً من أن ينام على سريره بات معلقاً على السقف أو الحيطان! وهو لا يتناول طعام البشر كعادته لأنه بات يلتقط الحشرات ويعيش عليها! وترينا المسرحية المتقنة في الاخراج الأنيق كيف أن هذا المخلوق العجيب الغريب ممثلة في الشاب بإمكانه أن يتسلق وبكل خفة الحيوان الزاحف على قوائمه الأربع صعوداً ونزولاً على السلالم والحيطان والأسقف! ونرى كيف أن هذه العائلة قد فقدت توازنها بهذا المصاب الأليم! وأصابها الفزع والخوف من هذا المخلوق بديلاً لولدها الجميل الطلعة. وكيف يتصرف المفجوع في مثل هذه الظروف فقامت بنفضه خارج نطاق تعاملاتها اليومية وحبسه داخل حجرته والتحامل عليه بكل عبارات القوة والعنف الى درجة ضربه أحياناً... وانعدمت الرحمة من قلبها ولم تحاول حتى التعرف على احتياجاته الجديدة لحيوان أو توفير الطعام الملائم له أو أي شيء قد يقربهم منه ثانية وحاولت نسيان حتى وجوده كي لا يجلب لهم العار وسخرية الآخرين! أما الصورة الأخرى والحزينة والتي تتراء لنا من المشاعر الداخلية لهذا الشاب المنقلب وهو لا يشعر بما يراه الآخرون ومازال يعتقد أنه كائن اعتيادي وله حقوق مندهشاً من إهمالهم له وسوء تصرفهم معه وحبسه في حجرته وخصوصاً أنه كان يتكلم ويعبر عن مشاعره... ويسألهم ما الذي حدث ولماذا تغلقون آذانكم حينما أتكلم... ولا يدرك أنه يصدر ضجيجاً مزعجاً... وليس كلاماً حتى أخته والتي كانت اقربهم الى قلبه كانت محدودة التجاوب معه، ووالدته التي فقدت كل شعور الأمومة والتواصل مع هذا المخلوق بعد أن تبدل حاله! إنها تجربة مؤلمة تمس شفاف القلوب... وتحلل المسرحية كيف للإنسان من ان ينقلب حاله مع من حوله الى مثل تلك القسوة وحتى لو كانت تلك فلذة كبده وكيف أن عدم تواصل البشر مع المخلوقات الأخرى شيء حيواني. في دواخلهم يظهر على السطح في الأوقات الصعبة! بصورة لا مثيل لها في ممارسة القسوة. هي المسرحية رائعة في تحليل الدواخل الإنسانية الصعبة والشديدة التعقيد الإنسان وقسوته على المخلوقات! وعلى نفسه والمعادلة الصعبة والمربكة كيف للمخلوق الغريب هذا أن يرى البشر ويسمعهم ويحاول التواصل معهم وهم في وادٍ آخر ولا يسمعون نداءاته أو كلامه سوى ضجيج وإزعاج

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً